يبدو أن بنك كندا يتجه نحو إيقاف مؤقت في دورة خفض أسعار الفائدة، وهي الدورة التي وُصفت بأنها الأشد حدة بين البنوك المركزية الكبرى خلال الفترة الماضية. يأتي هذا التحول المحتمل في السياسة النقدية وسط ظروف اقتصادية دقيقة، وتطورات متلاحقة على الصعيدين المحلي والدولي، أبرزها الارتفاع المفاجئ في معدلات التضخم، وتباطؤ سوق العمل، والتراجع الأخير من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية شاملة، وهي الخطوة التي قلّلت من الحاجة الملحة لتحفيز اقتصادي فوري.
يبدو أن بنك كندا يتجه نحو إيقاف مؤقت في دورة خفض أسعار الفائدة، وهي الدورة التي وُصفت بأنها الأشد حدة بين البنوك المركزية الكبرى خلال الفترة الماضية. يأتي هذا التحول المحتمل في السياسة النقدية وسط ظروف اقتصادية دقيقة، وتطورات متلاحقة على الصعيدين المحلي والدولي، أبرزها الارتفاع المفاجئ في معدلات التضخم، وتباطؤ سوق العمل، والتراجع الأخير من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية شاملة، وهي الخطوة التي قلّلت من الحاجة الملحة لتحفيز اقتصادي فوري.
الأسواق تعيد حساباتها
حتى يوم الجمعة الماضي، أظهرت رهانات سوق مقايضة العملات أن احتمالات إيقاف خفض الفائدة مؤقتًا وصلت إلى نحو 58%، وهو تغيير ملحوظ مقارنة بما كانت عليه الأمور قبل يومين فقط. فبحلول يوم الأربعاء، كانت الأسواق تضع في حسبانها أن البنك المركزي الكندي يتجه، على الأرجح، نحو خفض آخر للفائدة خلال الأسبوع القادم. هذا التقلّب في التوقعات يعكس مدى الضبابية التي تهيمن على المشهد الاقتصادي، حيث تتأرجح مواقف المستثمرين والاقتصاديين تبعًا لمواقف ترامب المتقلبة بين فرض الرسوم الجمركية تارة، وسحبها تارة أخرى.
تردد اقتصادي.. وخوف من استنزاف الأدوات
وفي خضم هذه المعطيات المتشابكة، وجد الاقتصاديون أنفسهم أمام مشهد يصعب التنبؤ به بدقة، ما بين احتمالية الخفض أو التوقف المؤقت. يقول توني ستيلو، مدير مجموعة التنبؤ والتحليل لدى “أكسفورد إيكونوميكس”، إن البنك المركزي على ما يبدو حريص على الاحتفاظ ببعض “الذخيرة الجافة” – أي الحفاظ على بعض أدواته التحفيزية في حال ساءت الأوضاع أكثر ودخل الاقتصاد الكندي في حالة ركود فعلية. وأوضح ستيلو أن أي خفض إضافي في أسعار الفائدة سيكون بمثابة “تأمين احترازي”، لكنه مع ذلك يرجّح أن البنك سيتوقف مؤقتًا هذه المرة.
خفض كبير سابق.. واقتراب من المنطقة المحايدة
يُذكر أن بنك كندا قام بخفض أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس خلال الأشهر العشرة الماضية، ما أدى إلى وصول سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.75%، وهو ما يضعه حاليًا في منتصف النطاق المحايد – أي ذلك النطاق الذي لا يُفترض أن يكون فيه سعر الفائدة معيقًا للنمو ولا محركًا له. لذلك، فإن أي خفض جديد قد يخرج السياسة النقدية عن إطار “التوازن” نحو مزيد من التحفيز، وهو ما قد يكون غير مرغوب فيه في ظل بيانات التضخم الأخيرة.
لحظة حاسمة.. وترقّب لقرار يوم الأربعاء
جميع الأنظار تتجه الآن نحو صباح الأربعاء، حين يعلن محافظ بنك كندا، تيف ماكليم، قرار مجلس الإدارة بشأن أسعار الفائدة عند الساعة 9:45 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة (13:45 بتوقيت غرينتش). وسيترافق الإعلان مع صدور التقرير الفصلي للسياسة النقدية، والذي سيتضمن هذه المرة مقاربة مختلفة: فبدلاً من إصدار توقع واحد لمسار الاقتصاد، سيقدم البنك مجموعة من السيناريوهات المتوقعة، في اعتراف صريح بالصعوبة البالغة في استشراف المسار الاقتصادي في ظل التقلّبات الدولية الحادة.
ترامب، الرسوم الجمركية، والصين.. كوابيس الأسواق
من ناحية أخرى، كانت التحركات الأخيرة للرئيس الأمريكي، وعلى وجه الخصوص قراره بفرض رسوم جمركية ثم التراجع عنها، قد خلقت حالة من التوتر الشديد في الأسواق العالمية، وأثّرت سلبًا على مستويات الإنفاق التجاري وثقة المستهلكين. ويشير ديفيد دويل، المدير الإداري ورئيس قسم الاقتصاد في مجموعة “ماكواري”، إلى أن استمرار حالة عدم اليقين هذه قد تعمّق احتمالات الركود في كندا – وهو الركود الذي كانت المجموعة قد توقعت وقوعه في مارس الماضي.
ويضيف دويل أن هذا المناخ الضبابي قد يدفع بنك كندا نحو اتخاذ قرار جديد بخفض أسعار الفائدة، رغم التردد الحالي، خاصة إذا استمر تراجع ثقة المستثمرين وزادت الضغوط الخارجية.
التضخم والوظائف.. مفاجآت غير سارة
واحدة من أبرز المعطيات التي تزيد من تعقيد المشهد هي الارتفاع المفاجئ في معدل التضخم خلال فبراير، حيث قفز إلى 2.6%، وهو أعلى مستوى له منذ ثمانية أشهر. هذا الارتفاع قد يُثير قلق البنك المركزي، حيث إن المزيد من خفض أسعار الفائدة قد يُغذي التضخم أكثر، وهو ما قد يضر بالاستقرار المالي على المدى الطويل.
وفي المقابل، جاءت أرقام سوق العمل لشهر مارس مخيبة للآمال، مع فقدان الاقتصاد الكندي نحو 32,600 وظيفة، وهو أول تراجع شهري في التوظيف منذ ثلاث سنوات، ما يعزز من المخاوف بشأن صحة الاقتصاد الكلي.
وعن هذه النقطة، يقول دويل إن الغموض يزداد، ليس فقط بسبب الحرب التجارية، وإنما أيضًا نتيجة التذبذب في بيانات التضخم، والتي تجعل من الصعب اتخاذ قرار حاسم بشأن مسار الفائدة.
هل تتجه كندا لتثبيت الفائدة بعد فترة من التخفيضات الجريئة؟ أم أن شبح الركود سيدفع البنك لتحرك آخر؟ الإجابات لن تتأخر طويلاً، فالأربعاء قد يكون نقطة التحول.
ماري جندي
المزيد
1