شهدت كندا خلال العقد الماضي فترة من التراجع الاقتصادي الواضح، وهو ما دفع كثيرين إلى التساؤل حول قدرة رئيس الوزراء الجديد مارك كارني على تصحيح المسار. لكن المفارقة تكمن في أن كارني نفسه، بصفته المستشار الاقتصادي السابق لحكومة جاستن ترودو، كان جزءًا من هذه الحقبة الاقتصادية المتعثرة. فهل يملك الحلول، أم أنه مجرد امتداد للنهج الذي قاد البلاد إلى هذا الوضع؟
بينما يقف مارك كارني على أعتاب رئاسة الوزراء، يواجه الكنديون واقعًا اقتصاديًا مريرًا خلّفته حكومة جاستن ترودو الليبرالية، وهي حكومة لعب فيها كارني دورًا محوريًا كمستشار اقتصادي. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم ليس ما إذا كان يستطيع إصلاح الأوضاع، بل ما إذا كان هو نفسه أحد الأسباب الرئيسية في الكارثة التي تعيشها البلاد!
عقد من الانهيار الاقتصادي.. تحت إشراف كارني
عندما ننظر إلى أداء كندا الاقتصادي في العقد الماضي، نجد أنفسنا أمام أرقام صادمة تعكس ركودًا غير مسبوق. فوفقًا للكاتب جيمس سنيل، لم يزد نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كندا بين عامي 2014 و2024 عن 0.5% فقط، بينما بلغ هذا الرقم في الولايات المتحدة 20.7% وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أكتوبر 2024.
بعبارة أخرى، لم يكن هناك نمو اقتصادي حقيقي للمواطن الكندي العادي على مدار عشر سنوات كاملة! بل بلغ المعدل السنوي لنمو نصيب الفرد 0.05% فقط، وهو رقم أقرب إلى الصفر، ما يجعل العقد الليبرالي تحت إشراف ترودو وكارني فترة موت اقتصادي سريري.
“الإنجازات” الحقيقية لكارني: تضخم، فقر، وارتفاع غير مسبوق في معدلات الجوع
في ظل هذا الفشل الذريع، انعكس الانهيار الاقتصادي مباشرة على حياة الكنديين اليومية، حيث قفزت معدلات اللجوء إلى بنوك الطعام إلى أرقام قياسية، مما يعكس مستوى الفقر المتزايد في البلاد.
وفقًا لتقرير HungerCount 2024 الصادر عن بنوك الطعام الكندية، تجاوز عدد الزيارات لهذه البنوك 2 مليون زيارة في مارس 2024 وحده، بزيادة قدرها 6% عن عام 2023، وقفزة مرعبة بلغت 90% منذ عام 2019!
هذا ليس مجرد رقم، بل هو شهادة دامغة على إخفاق السياسات الاقتصادية التي كان كارني جزءًا منها، فكيف لمن كان من مهندسي هذا الفشل أن يكون هو ذاته المنقذ؟
كارني.. خطاب مكرر بلا حلول!
ورغم هذه الكارثة الاقتصادية الواضحة، خرج مارك كارني يوم السبت بخطاب مليء بالشعارات الفارغة، قائلاً:
“لقد حان الوقت لتوحيد الكنديين من خلال التركيز على القيم والأهداف المشتركة. حان الوقت لتقليص الإنفاق وزيادة الاستثمار. حان الوقت لكسب شركاء تجاريين جدد وبناء اقتصاد كندي قوي. فلنبدأ العمل.”
لكن كيف يمكن لكارني التحدث عن حلول اقتصادية بينما كان هو نفسه أحد أهم المستشارين الذين أشرفوا على السياسات التي قادت البلاد إلى هذا التدهور؟
التحدي الأكبر.. ترامب وغياب الخبرة السياسية لكارني
كأن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تسبب فيه كارني لا يكفي، حتى جاءت الضربة الأخرى من الخارج، حيث أصبح الصراع التجاري مع الولايات المتحدة أحد أكبر التحديات التي تواجه كندا.
فمع صعود دونالد ترامب في السياسة الأمريكية مجددًا، عاد الحديث عن فرض رسوم جمركية على الصادرات الكندية، وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على كندا. ولكن بينما يواجه كندا هذا التهديد، يبرز تساؤل آخر:
هل يملك كارني، المصرفي ذو الخلفية الأكاديمية، أي خبرة سياسية لمواجهة خصم بحجم ترامب؟
في مقال بمجلة New Statesman، أشار الكاتب فريد ستودمان إلى هذه النقطة بوضوح قائلاً:
“كارني قد يبدو على الورق مرشحًا مناسبًا لهذه اللحظة، لكن في الواقع، يفتقر إلى أي خبرة سياسية حقيقية تمكنه من إدارة الأزمات الحقيقية التي تواجهها البلاد.”
وهذا يعني أن كارني، رغم تاريخه في عالم المال، ليس أكثر من تكنوقراطي معزول عن الواقع السياسي والاقتصادي الفعلي، ويواجه تحديات تفوق قدراته بكثير.
المعارضة تكشف الحقيقة: “العقد الليبرالي الضائع” أكبر عملية فشل في تاريخ كندا الحديث!
وفي ظل هذا الوضع، لم يفوت زعيم حزب المحافظين بيير بواليفير الفرصة لمهاجمة كارني وحكومته السابقة، حيث نشر عبر منصة إكس رسمًا بيانيًا يوضح مدى تراجع كندا تحت الحكم الليبرالي.
وقال بواليفير بلهجة حادة:
“انظروا إلى هذا الرسم البياني – هذه هي حصيلة العقد الليبرالي الضائع، الذي منح كندا أسوأ نمو اقتصادي بين جميع الدول المنافسة. ورغم ذلك، يريد الليبراليون ولاية رابعة؟ هذا جنون! حان وقت التغيير!”
كندا أمام خيار حاسم: استمرار الفشل أم البحث عن قيادة حقيقية؟
في ظل هذه الحقائق القاتمة، يجد الكنديون أنفسهم أمام مفترق طرق:
هل يمنحون كارني فرصة جديدة، رغم أنه لم يكن سوى أحد صناع الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها البلاد؟
أم أنهم سيبحثون عن قيادة جديدة قادرة على إخراج كندا من أسوأ فترة اقتصادية شهدتها منذ عقود؟
القرار في أيدي الناخبين، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن كارني ليس حلاً للأزمة.. بل هو جزء من المشكلة!
ماري جندي
المزيد
1