في مقال حديث، طرح جيك ميلو فالينيو سؤالًا مهمًا: ما الذي تمتلكه الولايات المتحدة وتفتقر إليه كندا؟ والإجابة التي يقترحها هي: الانتخابات التمهيدية المفتوحة، وهو نظام يمكن أن يعزز الديمقراطية ويحدّ من التدخلات الحزبية والأجنبية في عمليات الترشيح.
في مقال حديث، طرح جيك ميلو فالينيو سؤالًا مهمًا: ما الذي تمتلكه الولايات المتحدة وتفتقر إليه كندا؟ والإجابة التي يقترحها هي: الانتخابات التمهيدية المفتوحة، وهو نظام يمكن أن يعزز الديمقراطية ويحدّ من التدخلات الحزبية والأجنبية في عمليات الترشيح.
قضية هان دونغ: كيف تُدار الترشيحات في كندا؟
لم يكن الأمر بحاجة إلى نظريات مؤامرة معقدة، أو حملات تضليل عبر الإنترنت، أو حتى عملاء أجانب متخفين. كل ما استغرقه الأمر، وفقًا للتحقيقات، كان حافلتين مدرسيتين فقط.
في عام 2019، شهد سباق الترشح للحزب الليبرالي الفيدرالي عن دائرة دون فالي الشمالية في تورونتو حادثة لافتة للانتباه. إذ وصلت حافلات محملة بالطلاب الصينيين الدوليين لدعم المرشح هان دونغ. ووفقًا لماري جوزيه هوغ، رئيسة لجنة التدخل الأجنبي، فإن “عميلًا معروفًا بالوكالة لجمهورية الصين الشعبية” هو من قام بنقل هؤلاء الطلاب وتزويدهم بوثائق مزورة مكّنتهم من التصويت.
هذا الحادث لم يكن مجرد حالة فردية، بل تسلط الضوء على مشكلة أعمق: نظام الترشيحات الحزبية في كندا غير ديمقراطي تمامًا، ويفتقر إلى الشفافية، مما يجعله عرضة للتدخلات الخارجية والصفقات السياسية المغلقة.
سيطرة قادة الأحزاب على الترشيحات
في كندا، يتمتع قادة الأحزاب بسلطة شبه مطلقة في تحديد من يمكنه الترشح، وغالبًا ما يستبعدون المنافسين لصالح مرشحيهم المفضلين.
في 2017، قامت المرشحة الليبرالية خوانيتا ناثان بتجنيد 1600 عضو جديد في الحزب، لكن الحزب قرر فجأة عدم أهليتها للترشح، مما مهّد الطريق لفوز ماري نغ، التي كانت تتمتع بنفوذ داخل الحزب.
في 2019، قام حزب المحافظين بتعيين نيللي شين مرشحةً عن دائرة بورت مودي-كوكتلام في بريتش كولومبيا، بعد أن تم استبعادها من دائرتها الأصلية في أونتاريو لإفساح المجال أمام نائب ليبرالي. لم يكن هناك منافسة حقيقية، فقد تم ببساطة إقصاء المرشحة الوحيدة الأخرى في السباق، مما ضمن لشين الفوز بالتزكية.
أحد الأساليب الأخرى التي تلجأ إليها الأحزاب لترجيح كفة مرشحيها المفضلين هو تقليل فترات الترشيح. فقد وجدت دراسة أجراها مركز “سامارا” للديمقراطية أن متوسط مدة سباقات الترشيح لدى المحافظين كانت 33 يومًا، بينما لم تتجاوز 10 أيام لدى الليبراليين – وهي فترة أقصر حتى من بعض عطلات رؤساء الوزراء!
الانتخابات التمهيدية المفتوحة: نموذج أكثر ديمقراطية؟
على النقيض، في الولايات المتحدة، يتم اختيار المرشحين من خلال نظام الانتخابات التمهيدية، وهو نظام صاخب وفوضوي لكنه يضمن مشاركة أوسع ويمنح الناخبين سلطة حقيقية في اختيار المرشحين.
وفي بعض الولايات، يكون النظام أكثر انفتاحًا عبر ما يسمى “الانتخابات التمهيدية المفتوحة”، حيث يُسمح لكل الناخبين، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، بالمشاركة في سباقات الترشيح لأي حزب.
هذه الطريقة توفر العديد من الفوائد:
زيادة المشاركة العامة: في كندا، أقل من 5% من المواطنين أعضاء في الأحزاب السياسية، وبالتالي فقط هؤلاء يحق لهم التصويت في سباقات الترشيح. في المقابل، في الولايات المتحدة، تصل نسبة الناخبين المشاركين في الانتخابات التمهيدية إلى 20% أو أكثر.
تحجيم سلطة قادة الأحزاب: في النظام الكندي، يكون الترشيح غالبًا لعبة مغلقة داخل أروقة الحزب. أما في الانتخابات التمهيدية المفتوحة، فيتم تقليص نفوذ النخبة الحزبية، مما يفسح المجال أمام مجموعة أوسع من المرشحين، من الوسطيين إلى الإصلاحيين وحتى الأصوات غير التقليدية.
ضغط أكبر على السياسيين الحاليين: نظرًا لأن الانتخابات التمهيدية المفتوحة توفر للناخبين خيارات حقيقية، فإنها تؤدي إلى ديناميكية سياسية أكثر تنافسية، مما يدفع السياسيين الحاليين إلى العمل بجدية أكبر للحفاظ على مناصبهم.
هل يمكن تطبيق الانتخابات التمهيدية المفتوحة في كندا؟
نظريًا، لا يوجد شيء في النظام البرلماني الكندي يمنع تطبيق الانتخابات التمهيدية المفتوحة. على سبيل المثال، قام حزب المحافظين في المملكة المتحدة بتجربة هذا النظام عام 2009 بقيادة رئيس الوزراء لاحقًا، ديفيد كاميرون. وقد حققت التجربة نجاحًا كبيرًا، حيث زادت من اهتمام الناخبين وجذبت تغطية إعلامية أوسع، لكنها أُلغيت لاحقًا بعد رحيل كاميرون.
لكن في كندا، يمكن أن يتم هذا التغيير بطريقة عضوية وديمقراطية، عبر دفع الأحزاب نفسها لاعتماد هذه الآلية بدلاً من فرضها عبر هيئة الانتخابات الكندية، مما قد يضيف طبقة جديدة من البيروقراطية.
سابقة قانون الإصلاح 2014: هل يمكن تقييد سلطة قادة الأحزاب؟
هناك سوابق تثبت إمكانية الحد من نفوذ قادة الأحزاب. على سبيل المثال، قانون الإصلاح لعام 2014، الذي طرحه النائب المحافظ مايكل تشونغ، سمح للنواب بإجراء تصويت سري لإقالة زعيم حزبهم. وقد استُخدم هذا القانون بالفعل في 2022 عندما أطاح حزب المحافظين بزعيمه السابق إيرين أوتول.
إذا تم تطبيق نفس الفكرة على سباقات الترشيح، فسيكون من الممكن فرض قيود على تحكم قادة الأحزاب في اختيار مرشحيهم، مما يخلق عملية أكثر ديمقراطية وانفتاحًا.
خاتمة: لماذا تحتاج كندا إلى إصلاحات انتخابية؟
إن الديمقراطية تزدهر عندما تكون شفافة، وتنافسية، وتشجع على المشاركة الواسعة. لكن في كندا، نظام الترشيحات الحالي يعاني من التلاعب، والتحكم الحزبي المفرط، والافتقار إلى الشفافية، مما يقوض جوهر الديمقراطية.
إذا كنا نؤمن بالمبادئ الديمقراطية، فعلينا أن نستفيد مما ينجح في أماكن أخرى. نظام الانتخابات التمهيدية المفتوحة في الولايات المتحدة يقدم نموذجًا واضحًا حول كيفية اختيار المرشحين بشكل أكثر عدلاً وشفافية. وربما، حان الوقت لتفكر كندا في تبني هذا النهج.
ماري جندي
المزيد
1