في واحدة من أكثر القضايا حساسية منذ تفشي جائحة كوفيد-19، تستعد المحكمة العليا الكندية هذا الأسبوع للنظر في قضية دستورية قد تُعيد تشكيل فهمنا لحقوق التنقل داخل البلاد. القضية تتمحور حول سؤال محوري: هل كانت قيود السفر التي فُرضت أثناء الجائحة تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين الكنديين بموجب الميثاق الكندي للحقوق والحريات؟
في واحدة من أكثر القضايا حساسية منذ تفشي جائحة كوفيد-19، تستعد المحكمة العليا الكندية هذا الأسبوع للنظر في قضية دستورية قد تُعيد تشكيل فهمنا لحقوق التنقل داخل البلاد. القضية تتمحور حول سؤال محوري: هل كانت قيود السفر التي فُرضت أثناء الجائحة تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين الكنديين بموجب الميثاق الكندي للحقوق والحريات؟
قصة شخصية تتحول إلى قضية دستورية وطنية
كل شيء بدأ في ربيع عام 2020، عندما تلقت كيمبرلي تايلور، وهي كندية من مواليد نيوفاوندلاند وتعيش في نوفا سكوشا، خبراً مفجعاً بوفاة والدتها المفاجئة في سانت جونز. تحركت تايلور على الفور لمحاولة السفر إلى مسقط رأسها لحضور الجنازة، لكن طلبها قوبل بالرفض بسبب قيود السفر الصارمة التي فرضتها مقاطعة نيوفاوندلاند ولابرادور في ذروة انتشار الجائحة. هذا المنع دفعها لرفع دعوى قضائية، لم تكن تعلم أنها ستصل إلى أعلى محكمة في البلاد.
في 20 مايو 2020، قدّمت تايلور، بالتعاون مع الجمعية الكندية للحريات المدنية (CCLA)، طعناً دستورياً ضد القيود المفروضة على السفر بين المقاطعات، معتبرة أنها تنتهك حقها في التنقل المكفول بموجب المادة 6 من الميثاق.
بين الحرية الفردية والصحة العامة: ماذا قالت المحكمة الابتدائية؟
في سبتمبر 2020، أصدرت المحكمة العليا في نيوفاوندلاند ولابرادور، برئاسة القاضي دونالد بوريج، قراراً مثيراً للجدل. فقد أقر بأن تايلور تعرضت لانتهاك مؤقت لحقها في التنقل بموجب المادة 6(1) من الميثاق، إلا أن هذا الانتهاك كان مبرراً في ظل ظروف الجائحة.
وأوضح القاضي بوريج في حيثيات الحكم أن القيود المفروضة جاءت استجابة لأزمة صحية عامة استثنائية، وكانت مدعومة بقانون حماية وتعزيز الصحة العامة، وبالتالي فهي ضمن الصلاحيات التشريعية للمقاطعة. ومع ذلك، رأى بوريج أن حق تايلور في الحرية، المنصوص عليه في المادة 7، لم يُمس.
لكن الخلاف الحقيقي نشأ حول تفسير المادة 6(2)(أ) من الميثاق، التي تمنح المواطنين والمقيمين الحق في “الانتقال إلى أي مقاطعة والإقامة فيها”. القاضي فسّر هذه المادة على أنها تتعلق فقط بحركة الانتقال الدائم لغرض الإقامة، وليس للسفر المؤقت لأغراض كالزيارة أو حضور جنازة، وهو ما أثار اعتراض المدعين.
المعركة تصل إلى المحكمة العليا: ما الذي تطالب به الأطراف؟
الآن، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على الواقعة، تسعى كل من تايلور وCCLA من جهة، وحكومة نيوفاوندلاند ولابرادور والمسؤول الطبي الأول للصحة جانيس فيتزجيرالد من جهة أخرى، لاستئناف القرار، لكن كل طرف لأسباب مختلفة.
المدّعون (تايلور وCCLA): يريدون من المحكمة العليا إعادة النظر في تفسير القاضي بوريج لحقوق التنقل، ويجادلون بأن تفسيره للمادة 6(2)(أ) كان ضيقاً للغاية. فهم يرون أن الميثاق لا يقتصر فقط على حماية من ينتقلون للإقامة، بل يجب أن يشمل أيضاً حرية التنقل بين المقاطعات لأغراض مؤقتة، كزيارة الأهل أو حضور المناسبات.
المدعى عليهم (المقاطعة وفيتزجيرالد): على العكس، يرون أن القاضي بالغ في تفسيره للمادة 6(1)، ويؤكدون أن هذه المادة تتعلق فقط بالحركة الدولية، وليس بالانتقال بين المقاطعات. ويخشون من أن يُؤدي توسيع هذا التفسير إلى تقييد صلاحيات مسؤولي الصحة العامة في حالات الطوارئ.
تداعيات أوسع… ومشاركة من جميع أنحاء كندا
الأهمية العامة لهذه القضية دفعت عدة جهات رسمية إلى طلب التدخل. من بين المتدخلين: المدّعون العامون من نوفا سكوشا، ونيو برونزويك، وساسكاتشوان، ويوكون، ونونافوت، وجزيرة الأمير إدوارد، إلى جانب منظمات مجتمع مدني كجمعية الحريات المدنية في كولومبيا البريطانية، ومؤسسة الدستور الكندي.
ويبدو أن الجميع يدرك أن القضية تتجاوز قصة شخصية، لتصبح اختباراً محورياً يحدد ما إذا كان من حق المواطنين الكنديين التنقل بحرية داخل البلاد في جميع الظروف، أم أن هناك استثناءات يمكن أن تبرر فرض قيود على هذا الحق في أوقات الطوارئ الصحية.
بين الحقوق الدستورية والصلاحيات الصحية.. من المنتصر؟
المحكمة العليا الكندية، المعروفة بدورها في حسم أعقد النزاعات الدستورية، ستنظر في القضية يومي 15 و16 أبريل، في جلسة يتوقع أن تكون محط اهتمام قانوني وسياسي وإعلامي واسع.
القرار النهائي الذي ستصدره المحكمة لن يحدد مصير كيمبرلي تايلور وحدها، بل قد يُعيد رسم الخط الفاصل بين الحرية الفردية واعتبارات السلامة العامة في كندا، وسيكون له تبعات على كيفية تعامل الحكومات المستقبلية مع الأزمات الطارئة دون المساس بالحقوق الأساسية للكنديين.
ماري جندي
المزيد
1