في خضم تصفحنا اليومي للأخبار أو تجولنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد أنك صادفت تلك العبارة التي تتكرر كثيرًا هذه الأيام: “جيل طفرة المواليد يعيق تقدم كندا”. ويُقال إنهم يمنحون الأولوية لقضايا مثل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة على حساب القضايا التي تمس حياة الناس اليومية، كأزمة السكن وتدني الرواتب.
وعند النظر إلى البيانات، قد يبدو هذا الاتهام له ما يسنده. فاستطلاع رأي أجرته شركة “أباكوس” أظهر أن نصف المشاركين الذين تجاوزت أعمارهم الستين اعتبروا أن “التعامل مع دونالد ترامب” هي واحدة من أهم قضيتين انتخابيتين في نظرهم. بالمقابل، تراجعت هذه النسبة بين الفئات العمرية الأصغر: 34% ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و59 عامًا، 26% لمن هم بين 30 و44 عامًا، وبلغت أدنى مستوى لها بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، بنسبة لا تتجاوز 16%.
في خضم تصفحنا اليومي للأخبار أو تجولنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد أنك صادفت تلك العبارة التي تتكرر كثيرًا هذه الأيام: “جيل طفرة المواليد يعيق تقدم كندا”. ويُقال إنهم يمنحون الأولوية لقضايا مثل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة على حساب القضايا التي تمس حياة الناس اليومية، كأزمة السكن وتدني الرواتب.
وعند النظر إلى البيانات، قد يبدو هذا الاتهام له ما يسنده. فاستطلاع رأي أجرته شركة “أباكوس” أظهر أن نصف المشاركين الذين تجاوزت أعمارهم الستين اعتبروا أن “التعامل مع دونالد ترامب” هي واحدة من أهم قضيتين انتخابيتين في نظرهم. بالمقابل، تراجعت هذه النسبة بين الفئات العمرية الأصغر: 34% ممن تتراوح أعمارهم بين 45 و59 عامًا، 26% لمن هم بين 30 و44 عامًا، وبلغت أدنى مستوى لها بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، بنسبة لا تتجاوز 16%.
وعلى النقيض من ذلك، عبّر الشباب الكنديون عن قلقهم المتزايد حيال قضايا مرتبطة مباشرة بحياتهم اليومية. فعلى سبيل المثال، اعتبر 28% من الفئة العمرية 18-29 عامًا أن “تكاليف السكن” تمثل قضية انتخابية رئيسية، مقارنة بـ9% فقط من الكنديين فوق سن الستين.
لكن، بدلًا من تحويل هذه الفجوة في الأولويات إلى فرصة لفهم الفروق الموضوعية بين الأجيال وتحليلها، نجد أن الخطاب السائد غالبًا ما يسلك منحى هجوميًا قائمًا على الصراع بين الأجيال. فقد انتشرت في السنوات الماضية ثقافة “اللوم” التي تتجلى في الميم الشهير “حسنًا يا جيل طفرة المواليد”، والذي يختصر موقفًا رائجًا على الإنترنت يصف كبار السن بأنهم جشعون، يحتكرون العقارات والثروات، ومنفصلون تمامًا عن الواقع الاقتصادي القاسي الذي يعيشه شباب اليوم.
لكن الحقيقة، كما هي العادة، أكثر تعقيدًا بكثير.
جيل طفرة المواليد ليسوا غرباء عن المعاناة الاقتصادية، بل يعيشون هذه المعاناة من خلال أبنائهم وأحفادهم. فالجيل الشاب الذي يكافح لتأمين سكن كريم أو بدء حياة أسرية هو نفسه نتاج هذا الجيل الأكبر. ولهذا، أصبحت قضايا مثل أزمة الإسكان محورًا أساسيًا في نقاشات العائلات، وجزءًا لا يتجزأ من موائد العشاء وجلسات الحديث بين الآباء والأبناء.
وإذا أردت دليلًا على أن كبار السن يهتمون فعلًا، فالأرقام لا تكذب. وفقًا لتقرير صادر عن بنك CIBC، فقد ارتفعت نسبة مشتري المنازل لأول مرة الذين تلقوا مساعدات مالية من أسرهم — ما يُعرف شعبيًا بـ”بنك الأم والأب” — من 20% في عام 2015 إلى 31% في عام 2024. واللافت أن متوسط هذه “الهبة” المالية بات يصل إلى 115,000 دولار كندي على مستوى البلاد، بينما بلغ في مقاطعة كولومبيا البريطانية، إحدى أكثر المناطق تضررًا من أزمة الإسكان، نحو 204,000 دولار.
ولم تتوقف المساعدة عند حدود المال. فالكثير من كبار السن يفتحون أبواب منازلهم لأبنائهم، حيث تُظهر بيانات هيئة الإحصاء الكندية أن 35.1% من الكنديين بين 20 و34 عامًا كانوا يعيشون مع أحد والديهم في عام 2021، مقارنة بـ30.6% في عام 2001. هذا يعني أن العائلات الكندية تتكيف وتتعاون بشكل فعّال لمواجهة الضغوط الاقتصادية، بعيدًا عن الصورة النمطية السطحية.
وإذا كنا قد فندنا صورة جيل طفرة المواليد كجيل أناني، يجمع الثروات ويتجاهل معاناة الآخرين، يمكننا الآن أن ننظر من زاوية مختلفة إلى أسباب تفاوت الأولويات بين الأجيال خلال الحملات الانتخابية.
فالتركيز الأكبر من هذا الجيل على ملفات السياسة الخارجية والعلاقات مع الولايات المتحدة، لا يعني بالضرورة تجاهلهم للقضايا المعيشية، بل يعكس انتقالهم إلى مراحل مختلفة من سلم الاحتياجات. فبعد أن ضمنوا احتياجاتهم الأساسية – من سكن وغذاء وأمان – بات لديهم متسع للتفكير في قضايا “أعلى”، مثل السيادة الوطنية، والاستقرار الجيوسياسي، والعلاقات مع القوى الكبرى. الأمر ليس أن قضايا مثل الإسكان لا تهمهم، بل أنها ببساطة لم تعد تمسهم بنفس الطريقة التي تؤثر على أبنائهم.
لكن السؤال الأهم – والأكثر إثارة للتفكير – لا يتعلق بما يشغل بال جيل طفرة المواليد، بل لماذا يعاني الشباب الكنديون إلى هذا الحد؟ لماذا يواجهون صعوبة في تحقيق أبسط مستويات الاستقرار؟ لماذا أصبحت الاحتياجات الأساسية – مثل المأوى، والعمل، والأمان المالي – أبعد منالًا؟ وأين هي فرص “تقدير الذات” و”تحقيق الذات” التي بشّر بها هرم ماسلو، والتي باتت اليوم مجرد رفاهية لا يفكر فيها إلا القلائل؟
الجواب لا يكمن في شخصيات أو أجيال، بل في السياسات.
فأزمة السكن، على سبيل المثال، لا يمكن اختزالها في سلوك فردي أو جيل معين. بل ترتبط بشكل مباشر بالقرارات الحكومية، خاصة ما يتعلق بالهجرة والبنية التحتية السكنية. ففي عام 2023، كانت كندا تستقبل نحو خمسة مهاجرين مقابل كل وحدة سكنية جديدة تُبنى. هذه الفجوة في التوازن السكاني والعمراني تُفاقم من حدة الأزمة، وتضغط على الأسواق، وترفع الأسعار بشكل غير مسبوق.
ومن المثير للاهتمام أن جيل طفرة المواليد لم يكن، كما قد يُعتقد، غافلًا عن هذه الحقائق. بل إن استطلاعًا للرأي أُجري في نوفمبر 2023 أظهر أن 73% ممن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا يؤيدون تقليص أعداد المهاجرين، مقارنة بـ54% فقط من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا.
بالتالي، فإن تصوير المسألة على أنها حرب بين الأجيال – بين شباب يتناولون خبز الأفوكادو المحمص وآباء يملكون منازلهم نقدًا – ليس فقط غير دقيق، بل يضللنا عن الأسباب الحقيقية للمشكلة. فبدلًا من توجيه اللوم لبعضنا البعض، علينا أن نعيد توجيه النقد نحو السياسات التي خلقت هذه التحديات، وأن نطالب بحلول فعلية.
إن مستقبل كندا لا يُبنى بإلقاء اللوم، بل بالفهم والتضامن، والعمل المشترك بين كل الأجيال.
ماري جندي
المزيد
1