بكل ما تحمله من بشاعة ودموية، وبما تبثه من مواد إباحية متطرفة ومشاهد عنف لا توصف، تسير الجماعات الإرهابية على خُطى استراتيجية خبيثة لاختراق عقول الأطفال والمراهقين عبر الإنترنت، حيث لا تطرق الأبواب، بل تتسلل عبر الألعاب والمحتوى الرقمي إلى غرف النوم والعقول الغضة.
قصة الطفل الفرنسي ذي الاثني عشر عامًا مثال صارخ على هذه الكارثة الرقمية. حين أُلقي القبض عليه، لم تصدق والدته أن ابنها – الذي كانت تظنه منغمسًا في واجباته المدرسية أو في ألعاب الفيديو – كان في الحقيقة يتعلم كيف يقتل، ويشاهد بشغف فظيع مقاطع تصور عمليات ذبح وقطع رؤوس وتعذيب بمستوى من القسوة جعل حتى القضاة والمحققين، أصحاب الخبرات الطويلة، يتجنبون مشاهدة بعض المقاطع حتى نهايتها.
بقلم: جون ليستر – وكالة أسوشيتد برس
بكل ما تحمله من بشاعة ودموية، وبما تبثه من مواد إباحية متطرفة ومشاهد عنف لا توصف، تسير الجماعات الإرهابية على خُطى استراتيجية خبيثة لاختراق عقول الأطفال والمراهقين عبر الإنترنت، حيث لا تطرق الأبواب، بل تتسلل عبر الألعاب والمحتوى الرقمي إلى غرف النوم والعقول الغضة.
قصة الطفل الفرنسي ذي الاثني عشر عامًا مثال صارخ على هذه الكارثة الرقمية. حين أُلقي القبض عليه، لم تصدق والدته أن ابنها – الذي كانت تظنه منغمسًا في واجباته المدرسية أو في ألعاب الفيديو – كان في الحقيقة يتعلم كيف يقتل، ويشاهد بشغف فظيع مقاطع تصور عمليات ذبح وقطع رؤوس وتعذيب بمستوى من القسوة جعل حتى القضاة والمحققين، أصحاب الخبرات الطويلة، يتجنبون مشاهدة بعض المقاطع حتى نهايتها.
بداية هذا الانحدار لم تكن عنيفة. فبحسب محاميه، كانت الانطلاقة من لحظة بريئة: حين أهدته عمته نسخة من القرآن الكريم، فدفعه الفضول للبحث عن الإسلام على الإنترنت. لكن الإنترنت، بخوارزمياته المصممة لإبقاء المستخدم مشدودًا، وبمحتواه العشوائي أحيانًا والخبيث أحيانًا أخرى، لم توجّهه نحو المعرفة المعتدلة، بل قادته إلى عالم مظلم، حيث تنتشر الدعاية العنيفة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجماعات أخرى تستغل المساحات الرقمية لتجنيد العقول الصغيرة.
وحشية تُنتجها الخوارزميات
المدعي العام الفرنسي بول إدوارد لالوا، الذي تولى ملاحقة الطفل قضائيًا، أكد أن الكم الهائل من المواد التي شاهدها الصبي – آلاف الصور ومقاطع الفيديو – أدى إلى “تشويه جذري لفهمه للواقع، وللتمييز بين الصواب والخطأ”. وقال: “إن الأمر سيستغرق سنوات وسنوات من إعادة التأهيل لإعادة هذا الطفل إلى حالته الطبيعية.”
فقد وجد الصبي نفسه، ببطء ومن خلال تراكمات يومية، على طريق نحو أن يتحول إلى “جندي منزوع الإنسانية”، بحسب تعبير لالوا. وبالفعل، أظهرت التحقيقات أن الطفل كان يمتلك مكتبة رقمية هائلة بمحتوى بلغ عدة تيرابايتات، تضمنت حتى فيديوهات تعليمية حول تصنيع القنابل، ما يشير إلى أن الخطر لم يكن نظريًا فقط.
وحذّر المدعي قائلاً: “يكفي أن يُترك الطفل تحت هذا التأثير لبضع سنوات، وقد يصبح قادرًا على تنفيذ هجوم حقيقي بسكين فقط، قبل أن يبلغ حتى سن الرشد.”
تصاعد عالمي للتهديد
ما يحدث في فرنسا ليس حالة معزولة. عبر أوروبا والعالم، تشير التقارير إلى صعود جيل جديد من المتطرفين الرقميين: مراهقون، وأحيانًا أطفال دون الخامسة عشرة، تشبعوا بخطاب العنف عبر الإنترنت، وقد بدؤوا بالفعل بالتخطيط أو تنفيذ أعمال إرهابية. بل إن بعضهم لا تكتشفهم السلطات إلا حين يكون الأوان قد فات – حاملين سكاكين، أو منفذين لهجمات دامية.
المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب أوليفييه كريستين، الذي يتابع أخطر ملفات الإرهاب في فرنسا، يلاحظ هذا التصاعد بقلق بالغ. ففي عام 2022، لم تُوجّه وحدته سوى تهمتين إرهابيتين فقط لقاصرين. أما في 2023، فقفز الرقم إلى 15، وفي 2024 بلغ 19 حالة. وعلّق قائلًا: “نحن نتحدث عن أطفال في سن الخامسة عشرة أو أقل، وهذا كان نادرًا جدًا حتى وقت قريب.”
وقد دقت أجهزة المخابرات من تحالف “العيون الخمس” – التي تضم الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا ونيوزيلندا – ناقوس الخطر في ديسمبر الماضي، مشددة على أن القاصرين المتطرفين “يُمكن أن يشكلوا تهديدًا إرهابيًا حقيقيًا ومماثلًا تمامًا للكبار.”
وفي ألمانيا، أنشأت وزارة الداخلية فرقة عمل خاصة بعد سلسلة من عمليات الطعن الجماعية، لتحليل دور وسائل التواصل الاجتماعي في دفع المراهقين نحو التطرف. وتفيد وكالة الأمن الداخلي الفرنسية (DGSI) أن 70% من الموقوفين في قضايا إرهاب تتعلق بمؤامرات إرهابية كانوا دون سن 21 عامًا.
في النمسا، اعتُقل شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، برفقة اثنين آخرين (17 و18 عامًا)، بتهمة التخطيط لقتل جمهور حفل غنائي للفنانة “تايلور سويفت”، بتأثير من داعش. وفي فبراير، تم توقيف مراهق عمره 14 عامًا كان يخطط لهجوم على محطة قطار في فيينا.
أما في بلجيكا، فأفادت وكالة الاستخبارات VSSE أن نحو ثلث المشتبه بهم في قضايا تخطيط لهجمات بين 2022 و2024 كانوا من القاصرين، أصغرهم لم يتجاوز الثالثة عشرة. وقالت الوكالة إن “الدعاية المتطرفة لا تبعد سوى نقرة واحدة عن الشباب الباحثين عن هوية أو هدف”، مشيرة إلى أن “وتيرة التطرف أصبحت تشبه سرعة الصاروخ.”
من مقاطع العنف الجنسي إلى الجهاد الدموي
يشير محققو مكافحة الإرهاب إلى أن بعض الأطفال يبدأون بمشاهدة محتوى إباحي عنيف أو مشاهد دموية، ثم تدفعهم خوارزميات الإنترنت ونقراتهم الفضولية نحو مواد أكثر قسوة: من مقاطع التعذيب التي تنشرها عصابات المخدرات، إلى فيديوهات الذبح وقطع الرؤوس التي تُنتجها جماعات جهادية باحترافية سينمائية – أحيانًا مع موسيقى ومونتاج لجذب الانتباه.
يقول كريستين: “غالبًا ما يُظهر هؤلاء الأطفال نهمًا غير طبيعي لاستهلاك كل ما هو محظور”، مضيفًا أن هذه الرحلة “تحوّلهم إلى مستهلكين متسلسلين للعنف الفج، ما يخلق بيئة خصبة لتأثير الجماعات الإرهابية”.
ضحايا من جميع الخلفيات
اللافت أن هؤلاء الأطفال لا يأتون من خلفية واحدة. بعضهم يعاني من مشاكل سلوكية، والبعض الآخر منطوٍ بطبعه، يجد ملاذه الوحيد في العالم الرقمي. وبينما يُظهر بعضهم إشارات إنذار مبكرة، فإن كثيرين لا يلفتون الانتباه إلا بعد تورطهم في نشاط مشبوه.
الطفل الفرنسي كان من هذا النوع الأخير. وبعد القبض عليه، صُدم المحققون بما وجدوه على أجهزته: أكثر من 1700 فيديو جهادي، مشاهد مروعة من الذبح والتعذيب، ودروس مفصلة لصنع القنابل. وقد عُثر على مقطع يُظهر رجلًا مقيدًا يُمزق جسده بطريقة وحشية وممنهجة. وصف المدعي العام المشاهد قائلاً: “لقد رأيت أشياء مروعة في حياتي المهنية… لكن هذا فاق كل تصور.”
محامي الطفل، كمال عيساوي، قال إن التجربة كانت مؤلمة للغاية على الصبي، لدرجة أنه انهار مرتين أثناء المحاكمة. وأضاف: “ابني ليس عنيفًا بطبعه. لقد كان ضحية لنظام رقمي لا يرحم، دفعه من منصة إلى أخرى حتى سقط في مستنقع مظلم لم يكن ينبغي له أبدًا أن يراه.”
اليوم، يخضع الطفل لرعاية خاصة في مؤسسة مغلقة، حيث يُمنع من استخدام الإنترنت، ويحاط بمعلمين مختصين، ويُسمح له بزيارات منتظمة من والديه، على أمل أن يتمكن، ذات يوم، من استعادة براءته التي سُرقت منه بوحشية خلف الشاشة.
ماري جندي
المزيد
1