بعد فترة هدوء طويلة امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر ونصف، تستعد سماء الليل لاستقبال عرضٍ كوني ساحر، إذ ستعود زخات الشهب للظهور بعد غيابها المعتاد في الشتاء. هذا الركود السنوي، الذي يتكرر كل عام، يوشك على الانتهاء مع دخولنا موسم الربيع، حاملاً معه أولى العروض النيزكية المذهلة: شهب الليريد.
بعد فترة هدوء طويلة امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر ونصف، تستعد سماء الليل لاستقبال عرضٍ كوني ساحر، إذ ستعود زخات الشهب للظهور بعد غيابها المعتاد في الشتاء. هذا الركود السنوي، الذي يتكرر كل عام، يوشك على الانتهاء مع دخولنا موسم الربيع، حاملاً معه أولى العروض النيزكية المذهلة: شهب الليريد.
عودة الشهب.. وبداية موسم الربيع النيزكي
في شهر أبريل، ستتجه أنظار علماء الفلك ومحبي رصد السماء نحو القبة السماوية، حيث ستنطلق كرات نارية براقة من كوكبة القيثارة الشمالية، مضيئةً سماء الليل بوهجٍ مبهر. تُعرف زخات شهب الليريد بانفجاراتها غير المتوقعة، حيث قد تصل كثافتها في بعض الأحيان إلى 100 شهاب في الساعة، لكنها تستمر لفترة زمنية قصيرة مقارنةً بالزخات الأخرى، حيث يمكن مشاهدتها فقط خلال أواخر أبريل.
في هذا العام، من المتوقع أن تبلغ ذروتها في الليلتين الممتدتين بين 21 و22 أبريل، مع نشاطٍ يمتد من 16 إلى 26 من الشهر نفسه. وعلى الرغم من أن الشهب بطبيعتها ظاهرة غير قابلة للتنبؤ بدقة، إلا أن الفلكيين يتوقعون مشاهد خلابة خاصةً في المناطق المظلمة بعيدًا عن أضواء المدن.
كيف ترصد شهب الليريد؟
في الظروف المثالية، أي عندما يكون الظلام دامسًا ولا يتداخل ضوء القمر مع الرؤية، يمكن رؤية ما بين 10 إلى 15 شهابًا في الساعة. ولكن ما يجعل شهب الليريد أكثر تميزًا هو أن ما يقارب ربع هذه الشهب يترك وراءه أثرًا مشعًا طويلًا من الغازات المؤينة، والذي يُعرف علميًا باسم “السلاسل المتواصلة”، أو بعبارة أبسط، “الكرات النارية”.
إلا أن هذا العام، قد يواجه المراقبون تحديًا إضافيًا، حيث يتزامن تساقط الشهب مع الربع الأخير من القمر في 20 أبريل، مما يعني أن ضوء الهلال العريض المتضائل قد يؤثر على رؤية بعض النيازك. لذلك، يُنصح بالبحث عن موقع يوفر حاجزًا طبيعيًا ضد وهج القمر، مثل التلال أو الجبال، لتحسين فرص رصد هذه الظاهرة الفريدة.
أين تبحث عن الشهب؟
على الرغم من أن القيثاريات تنطلق ظاهريًا من كوكبة القيثارة، وتحديدًا بالقرب من نجم فيغا، أحد ألمع نجوم السماء، إلا أن هذا لا يعني أن على المشاهدين التركيز فقط على هذه النقطة. في الواقع، يمكن رؤية الشهب في جميع أنحاء السماء وهي تندفع للخارج بزوايا مختلفة، مما يمنح المشاهدين فرصة أكبر للاستمتاع بالعروض السماوية.
أفضل وقت لرصد هذه الشهب هو بعد منتصف الليل، حيث يبدأ نجم فيغا في الارتفاع عاليًا في السماء قبل الفجر، مما يوفر بيئة مثالية لرؤية الشهب وهي تتوهج عبر السماء.
لماذا يبدو وكأن الشهب تأتي من نقطة ثابتة؟
قد يتساءل البعض: لماذا تبدو الشهب وكأنها تنطلق من نقطة محددة داخل كوكبة القيثارة، رغم أنها في الواقع تحترق على ارتفاعات منخفضة جدًا داخل الغلاف الجوي للأرض؟ الجواب يكمن في خدعة المنظور.
إن النيازك ليست سوى بقايا مذنبات وكويكبات قديمة، تتحرك في مدارات متوازية حول الشمس. وعندما تدخل هذه الجسيمات الغلاف الجوي للأرض، تبدو وكأنها تخرج من نقطة واحدة، تمامًا مثلما تبدو قضبان السكك الحديدية المتوازية وكأنها تتلاقى في نقطة بعيدة على الأفق.
وهكذا، يظل مركز إشعاع هذه الشهب ثابتًا في السماء بالنسبة للنجوم الأخرى، وهو ما يجعل نجم فيغا علامة مميزة للمراقبين الباحثين عن هذه الزخات المدهشة.
لماذا تحدث زخات الليريد كل عام في نفس الوقت؟
تحدث زخات شهب القيثارة في نفس الوقت من كل عام، لأن الأرض تمر عبر نفس التيار من الحطام الفضائي المرتبط بالمذنب تاتشر، والذي ترك هذه الجسيمات منتشرة على طول مداره. وبما أن مدار الأرض يتقاطع مع هذا الحزام من الغبار الكوني بشكل دوري، نشهد هذا العرض النيزكي سنويًا دون انقطاع.
أحيانًا، قد تؤدي اضطرابات الجاذبية الناتجة عن الكواكب الكبيرة، مثل كوكب المشتري، إلى تغيير توزيع هذا الحطام، مما يتسبب في حدوث انفجارات مفاجئة للشهب. في بعض السنوات، يمكن أن تصل كثافة الشهب إلى 100 نيزك في الساعة، ولكن هذه الظاهرة تحدث فقط كل 60 عامًا تقريبًا، ويتوقع علماء الفلك أن الانفجار القادم سيكون في عام 2042.
ما أصل شهب الليريد؟
تُعتبر زخات شهب القيثارة واحدة من أقدم الزخات النيزكية المسجلة في التاريخ، حيث يعود توثيقها إلى الصين القديمة، حيث وصفها الفلكيون في ذلك العصر بأنها “مطرٌ من الشهب”.
لكن الفهم العلمي الحديث لهذه الظاهرة بدأ في عام 1861، عندما تمكن الفلكيون الغربيون من تحديد مصدر هذه النيازك، وهو المذنب تاتشر (C/1861 G1). عندما اقترب هذا المذنب من الشمس، أطلق كميات ضخمة من الغبار والجليد، تاركًا وراءه تيارًا مستمرًا من الحطام الذي يتقاطع مع مدار الأرض كل عام.
لكن للأسف، لن نتمكن من رؤية المذنب تاتشر مجددًا خلال حياتنا، إذ أن مداره يمتد إلى 110 وحدات فلكية خارج النظام الشمسي، ويستغرق 415 عامًا ليكمل دورة واحدة حول الشمس. حالياً، يبتعد المذنب عن الشمس، ولن يعود ليقترب مجددًا إلا في عام 2283.
أما شهب الليريد، فتبقى وفيّة لموعدها السنوي، حيث تتدفق عبر سمائنا كل أواخر أبريل، معلنةً نهاية جفاف النيازك الشتوي، ومقدمةً عرضًا سماويًا رائعًا يستحق المشاهدة.
ماري جندي
المزيد
1