في ظل التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وكندا، والتي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي، عُقد اجتماع رفيع المستوى يوم الخميس بين مسؤولين كنديين ووزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك. وعلى الرغم من الأجواء المشحونة، وصف المسؤولون الكنديون اللقاء بأنه كان “بنّاءً”، مؤكدين أن استمرار الحوار بين الطرفين يتيح فرصة لتحقيق تقدم، حتى لو لم يكن هناك أي تغييرات فورية على الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها واشنطن.
في ظل التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وكندا، والتي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشهر الماضي، عُقد اجتماع رفيع المستوى يوم الخميس بين مسؤولين كنديين ووزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك. وعلى الرغم من الأجواء المشحونة، وصف المسؤولون الكنديون اللقاء بأنه كان “بنّاءً”، مؤكدين أن استمرار الحوار بين الطرفين يتيح فرصة لتحقيق تقدم، حتى لو لم يكن هناك أي تغييرات فورية على الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها واشنطن.
نقاش مفتوح رغم الخلافات
صرّح وزير الصناعة الكندي، فرانسوا فيليب شامبين، عقب الاجتماع الذي أُقيم في واشنطن، قائلاً:
“لقد كان نقاشًا بنّاءً. نحن ندرك وجود خلافات بيننا، لكن طالما أن الحوار مستمر، فهناك دائمًا مجال لإحراز تقدم.”
وتأتي هذه المحادثات في وقت تشهد فيه الأسواق على جانبي الحدود حالة من الاضطراب وعدم اليقين بسبب التعديلات التجارية واسعة النطاق التي يسعى ترامب إلى تطبيقها، وهو ما انعكس سلبًا على بعض القطاعات الصناعية في كندا، حيث اضطرت بعض الشركات إلى تسريح العمال، لا سيما في قطاع إنتاج الصلب الذي أصبح في قلب هذه المواجهة الاقتصادية.
حضور سياسي رفيع المستوى
شارك في الاجتماع إلى جانب شامبين كلٌّ من وزير المالية الكندي دومينيك لوبلانك، وسفيرة كندا لدى الولايات المتحدة كيرستن هيلمان، بالإضافة إلى رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو، دوج فورد. ويعكس هذا التمثيل الرفيع المستوى مدى أهمية الملف التجاري في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في ظل التقلبات الأخيرة التي شهدتها السياسات الاقتصادية المتبادلة.
جاء هذا الاجتماع في ختام أسبوع شهد تطورات دراماتيكية في العلاقة التجارية بين البلدين. ففي يوم الثلاثاء، أعلن ترامب تهديده بزيادة الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم المستورد من كندا إلى الضعف، كرد فعل على قرار حكومة أونتاريو بفرض رسوم إضافية بنسبة 25% على صادرات الكهرباء إلى ثلاث ولايات أمريكية. لكن سرعان ما تراجعت أونتاريو عن قرارها، ليتراجع ترامب بدوره عن مضاعفة الرسوم الجمركية على المعادن الكندية.
تصعيد مستمر ورسوم متبادلة
رغم التهدئة المؤقتة، أصدر ترامب يوم الأربعاء قرارًا بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألمنيوم القادمة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك من كندا. وردّت أوتاوا سريعًا بفرض رسوم انتقامية بنسبة 25% على سلع أمريكية أخرى تصل قيمتها إلى 29.8 مليار دولار، دخلت حيز التنفيذ بعد منتصف ليلة الخميس بقليل. وكان هذا الإجراء جزءًا من سلسلة من الخطوات التي اتخذتها كندا، حيث سبق لها فرض رسوم جمركية مماثلة على سلع أمريكية بقيمة 30 مليار دولار في الأسبوع السابق، ردًا على الجولة الأولى من الرسوم الجمركية الأمريكية.
موقف كندا: العلاقات أقوى من التوترات
وفي مؤتمر صحفي منفصل عن الوزراء الفيدراليين، أكد دوج فورد، رئيس وزراء أونتاريو، أن العلاقة بين كندا والولايات المتحدة لا تزال متينة رغم هذه التوترات. وقال:
“نحن كعائلة، وأحيانًا يكون هناك توتر بين أفراد العائلة. لكن هذا الاجتماع كان مثمرًا للغاية.”
وأصدرت وزارة التجارة الأمريكية بيانًا عقب الاجتماع، جاء فيه أن المسؤولين الكنديين والأمريكيين ناقشوا “الهدف الذي تسعى إليه إدارة ترامب لتحقيق تجارة عادلة مع كندا ومقاطعة أونتاريو، مع التركيز على تأمين الحدود الأمريكية والقضاء على تجارة الفنتانيل غير المشروعة.”
كما أشار البيان إلى أن الطرفين أكّدا على “عمق العلاقات التاريخية والقوية بين البلدين”، في محاولة لتخفيف حدة التوترات التي سادت في الأسابيع الأخيرة.
ترقّب لموقف رئيس الوزراء الجديد
وكان من بين الحاضرين أيضًا جيميسون جرير، الممثل التجاري للولايات المتحدة الذي تم تعيينه مؤخرًا من قبل ترامب. ولكن على الرغم من هذه المحادثات، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت العلاقة التجارية بين البلدين ستشهد تغييرات جوهرية، خاصة مع الاستعداد لتغيير قيادة الحكومة الكندية.
ففي يوم الجمعة، من المقرر أن يتولى مارك كارني منصب رئيس الوزراء الكندي، خلفًا لجاستن ترودو، مما يطرح تساؤلات حول الكيفية التي سيتعامل بها مع الملف التجاري الشائك. وقد أكد وزير الصناعة الكندي، فرانسوا فيليب شامبين، أن كارني يعتزم التحدث مع ترامب خلال الأيام المقبلة، في محاولة لإعادة ضبط العلاقة التجارية بين البلدين.
علاقة مضطربة بين ترودو وترامب
شهدت العلاقة بين رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب توترًا واضحًا خلال فترة حكم ترودو، حيث لم يتردد ترامب في استفزاز نظيره الكندي مرارًا. فقد سبق له أن سخر من كندا بالإشارة إليها على أنها “الولاية الأمريكية الحادية والخمسون”، واصفًا ترودو في أكثر من مناسبة بلقب “الحاكم ترودو”، في إشارة إلى أنه مجرد مسؤول فيدرالي ضمن الهيكل الأمريكي وليس رئيس دولة مستقلة.
وخلال لقاء جمعه يوم الأربعاء مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته في واشنطن، واصل ترامب تعليقاته المثيرة للجدل حول كندا، حيث قال بصراحة:
“لأكون صادقًا، كندا مجرد دولة تعمل بشكل مستقل.”
كما وصف ترامب الحدود بين الولايات المتحدة وكندا بأنها “خط مصطنع”، مشددًا على أن فرض الرسوم الجمركية على كندا لن يتم التراجع عنه، مضيفًا:
“سيكون هناك بعض الاضطراب، لكنه لن يدوم طويلًا. هم بحاجة إلينا، أما نحن فليس لدينا نفس الحاجة إليهم… علينا أن نفعل هذا. أنا آسف، لكن علينا أن نفعل هذا.”
جدل سياسي داخل الكونغرس الأمريكي
لم تمر تصريحات ترامب مرور الكرام، حيث أثارت هذه التلميحات غضب بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي. وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ لتأكيد تعيين بيت هوكسترا سفيرًا للولايات المتحدة في كندا، طُرحت عليه أسئلة مباشرة حول تعليقات ترامب المتكررة حول “ضم كندا”.
وعندما سُئل هوكسترا عما إذا كانت هذه “النكتة” مناسبة، ردّ بحذر قائلاً:
“كندا دولة ذات سيادة.”
وفي حين تجنّب التعليق المباشر على علاقة ترامب بترودو، أشار إلى أن كندا ستظل حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة، بغض النظر عن التوترات الحالية.
مستقبل العلاقات الكندية-الأمريكية: إلى أين؟
مع دخول كندا مرحلة سياسية جديدة تحت قيادة مارك كارني، ووسط استمرار إدارة ترامب في تطبيق سياساتها التجارية المتشددة، يبقى مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين مفتوحًا على جميع الاحتمالات. فهل سيتمكن القادة الجدد من تهدئة التوترات وفتح صفحة جديدة، أم أن المواجهة التجارية ستتواصل بلا هوادة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.
ماري جندي
المزيد
1