سانت جونز – مع توسع انتشار شبكة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في كندا، أصبحت “ستارلينك” التي يملكها الملياردير إيلون ماسك عنصرًا أساسيًا في البنية التحتية الرقمية للبلاد. حيث تعتمد أكثر من نصف الحكومات الإقليمية والأقاليم الكندية على خدماتها، خاصة في المناطق النائية. ولكن في ظل التطورات السياسية الأخيرة، بدأ البعض في إعادة النظر في مدى أمان هذا الاعتماد، وسط مخاوف تتعلق بالسيادة الوطنية.
سانت جونز – مع توسع انتشار شبكة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في كندا، أصبحت “ستارلينك” التي يملكها الملياردير إيلون ماسك عنصرًا أساسيًا في البنية التحتية الرقمية للبلاد. حيث تعتمد أكثر من نصف الحكومات الإقليمية والأقاليم الكندية على خدماتها، خاصة في المناطق النائية. ولكن في ظل التطورات السياسية الأخيرة، بدأ البعض في إعادة النظر في مدى أمان هذا الاعتماد، وسط مخاوف تتعلق بالسيادة الوطنية.
خطر الاعتماد على ماسك: تهديد للسيادة؟
يعتقد دوين وينسيك، أستاذ الصحافة والاتصالات بجامعة كارلتون، أن الاعتماد المتزايد على ستارلينك يحمل مخاطر كبيرة على كندا. ويرى أن على الحكومات الكندية بذل كل ما بوسعها لتقليل هذا الاعتماد، بل والبحث عن بدائل محلية أكثر أمانًا.
يقول وينسيك: “إلغاء العقود هو أحد الخيارات المتاحة، ولكن هناك أيضًا حلول كندية يمكن تسريع تطويرها لتوفير بدائل قوية ومستقلة.”
عقود بملايين الدولارات تربط الحكومات الكندية بستارلينك
تظهر البيانات أن الحكومات الإقليمية لديها عقود قائمة مع ستارلينك، تشمل خدمات حيوية مثل الإنترنت واسع النطاق وخدمات الطوارئ.
على سبيل المثال:
في نيوفاوندلاند ولابرادور، تبلغ قيمة الاتفاقية السنوية مع شركة “Crown Energy” حوالي 200 ألف دولار.
في كولومبيا البريطانية، يتم استخدام ستارلينك في خدمات الطوارئ مثل الإسعاف عن بُعد والاستجابة لحرائق الغابات.
في مانيتوبا ونونافوت، هناك عقود قائمة لكنها تخضع حاليًا لإعادة التقييم.
كيف أصبحت ستارلينك لاعبًا أساسيًا في البنية التحتية لكندا؟
تُعتبر ستارلينك واحدة من أبرز ابتكارات شركة “سبيس إكس”، حيث توفر خدمات الإنترنت عبر مجموعة من الأقمار الصناعية منخفضة المدار على ارتفاع حوالي 600 كيلومتر.
في العديد من المناطق النائية في كندا، حيث تندر خيارات الإنترنت السريع والموثوق، أصبحت ستارلينك حلًا لا غنى عنه. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن هذا الاعتماد قد يكون “فخًا استراتيجيًا” لكندا، خاصة وأن ماسك يُعد مستشارًا رئيسيًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي هدد مرارًا وتكرارًا باتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة ضد كندا.
تحذيرات متزايدة بشأن مخاطر الاحتكار
يؤكد وينسيك أن “ماسك كان معاديًا للغاية للحكومة الكندية”، ويخشى أن تمتلك ستارلينك القدرة على التحكم في تدفق المعلومات داخل كندا، بل وحتى قطع الخدمة إذا لم تتماشَ السياسات مع مصالحه.
وأشار إلى حادثة وقعت مؤخرًا عندما أعاد ماسك نشر رسالة على منصته X، يقترح فيها إيقاف خدمات ستارلينك في كندا، احتجاجًا على قرار حكومة كولومبيا البريطانية استبعاد شركة “تسلا” من برنامج خصومات الطاقة الإقليمي.
ردود فعل الحكومات الإقليمية: البحث عن بدائل
بدأت بعض الحكومات الكندية في اتخاذ خطوات احترازية:
مانيتوبا تدرس بدائل محتملة، رغم استمرارها في الاعتماد على ستارلينك في الوقت الحالي.
نونافوت أعلنت أنها تعمل على تقييم حلول أخرى لضمان استمرارية الخدمات العامة.
الأقاليم الشمالية الغربية تستخدم ستارلينك “عند الحاجة” فقط، بينما تركز جهودها على حماية “المرونة الاقتصادية والسيادة الأمنية”.
ستارلينك تسيطر على سوق الإنترنت في كندا
وفقًا لتقرير صادر عن مشروع تركيز الإعلام والإنترنت العالمي في عام 2024، يستخدم ما يقرب من 500 ألف منزل كندي خدمة ستارلينك، معظمهم في المناطق الريفية والنائية.
وهذا الانتشار السريع يثير تساؤلات مهمة:
هل يمكن لماسك أن يتحكم في وصول ملايين الكنديين إلى الإنترنت؟
ماذا لو قررت ستارلينك زيادة الأسعار أو تغيير شروط الخدمة؟
هل تمتلك الحكومة الكندية خيارات حقيقية لمنافسة هذا الاحتكار؟
هل تستطيع كندا تطوير بدائلها الخاصة؟
يرى الخبراء أن كندا تمتلك الإمكانيات لتطوير بنية تحتية مستقلة للإنترنت عبر الأقمار الصناعية، لكنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة وإرادة سياسية.
يقول جيسي فيدلر، مدير شركة KNet التي توفر خدمات الإنترنت لمجتمعات السكان الأصليين في أونتاريو:
“إذا استمررنا في الاعتماد على شركة أجنبية مثل ستارلينك، فإننا نخاطر بفقدان السيطرة على مستقبل اتصالاتنا. لدينا القدرة على بناء شبكاتنا الخاصة، لكننا بحاجة إلى دعم حكومي حقيقي لإنجاز ذلك.”
وبالفعل، هناك مشاريع كندية تعمل على إيجاد بدائل:
شركة تيليسات تطور مشروعًا يُسمى “لايت سبيد”، وهو نظام أقمار صناعية منخفض المدار من المتوقع إطلاقه العام المقبل.
شركة يوتلسات الأوروبية تقدم أيضًا حلولًا قد تكون بديلًا لستارلينك.
وينسيك متفائل بأن هذه المبادرات ستسهم في خلق بيئة تنافسية قوية، لكنه يشدد على ضرورة أن تتعامل الحكومة الكندية مع الموضوع “كقضية سيادة وطنية”، وليس مجرد قرار اقتصادي.
هل ستبقى كندا تحت رحمة ستارلينك؟
مع استمرار الجدل حول العلاقة بين الحكومة الكندية وستارلينك، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لكندا أن تحقق استقلالها الرقمي؟
في ظل التطورات الحالية، يبدو أن القضية ستظل محور نقاش كبير خلال السنوات المقبلة، خاصة مع تصاعد التوترات السياسية بين كندا والولايات المتحدة. وبينما تبحث الحكومات الكندية عن حلول بديلة، يبقى مصير الإنترنت في كندا مرتبطًا إلى حد كبير بقرارات إيلون ماسك، وهو أمر يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط السياسية والاقتصادية.
ماري جندي
المزيد
1