في مقال حديث، كشف الصحفي جوزيف كراوس عن كواليس القرار المفاجئ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنهاء وقف إطلاق النار في غزة، والذي تم التوصل إليه في يناير/كانون الثاني بعد مفاوضات شاقة. فقد جاءت موجة الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين بمثابة تتويج لمحاولات نتنياهو للخروج من اتفاق الهدنة، مدفوعًا بضغوط سياسية داخلية وتغيرات في المواقف الأمريكية.
تحليل جديد يكشف الأسباب والدوافع الخفية وراء التصعيد
في مقال حديث، كشف الصحفي جوزيف كراوس عن كواليس القرار المفاجئ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنهاء وقف إطلاق النار في غزة، والذي تم التوصل إليه في يناير/كانون الثاني بعد مفاوضات شاقة. فقد جاءت موجة الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين بمثابة تتويج لمحاولات نتنياهو للخروج من اتفاق الهدنة، مدفوعًا بضغوط سياسية داخلية وتغيرات في المواقف الأمريكية.
ضغوط متضاربة على نتنياهو
منذ اندلاع الحرب، وجد نتنياهو نفسه بين نارين: عائلات الرهائن التي ضغطت عليه بشدة لعقد صفقة مع حماس تؤدي إلى إطلاق سراحهم، وبين شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين أصرّوا على استمرار الحرب بهدف القضاء التام على الحركة المسلحة.
وفي النهاية، بدا أن نتنياهو قرر الانحياز إلى الخيار الثاني، وهو ما ظهر بوضوح في قراره بالانسحاب من الهدنة من طرف واحد، وهو القرار الذي لاقى دعمًا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم أن الولايات المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في التوسط لهذا الاتفاق.
اتهامات متبادلة وذرائع التصعيد
بررت إسرائيل قرارها بالعودة إلى الحرب باتهام حماس بالتلكؤ في إطلاق سراح المزيد من الرهائن قبل البدء في مفاوضات إنهاء الحرب، وهو شرط لم يكن مدرجًا في اتفاق وقف إطلاق النار الأصلي. في المقابل، اتهمت حماس إسرائيل بالتخطيط لمواصلة الحرب منذ البداية، مستشهدة بسلوكها خلال المرحلة الأولى من الهدنة.
حتى اللحظة، لم ترد حماس عسكريًا على التصعيد الإسرائيلي الأخير، لكنها أمضت أسابيع في المطالبة بمفاوضات جدية حول المرحلة الثانية من الهدنة، والتي كان يُفترض أن تؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين مقابل مزيد من الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، والتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم.
كان من المقرر أن تبدأ هذه المفاوضات في أوائل فبراير، لكن التطورات الأخيرة جعلت انعقادها أمرًا مشكوكًا فيه إلى حد كبير.
ما الذي تضمنه اتفاق وقف إطلاق النار؟
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية، بضغط من إدارة بايدن المنتهية ولايتها وإدارة ترامب القادمة، كان يهدف إلى إنهاء الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تم تنفيذ المرحلة الأولى بين 19 يناير و1 مارس، والتي تضمنت:
إطلاق سراح 25 رهينة إسرائيليًا، بالإضافة إلى ثماني جثث، مقابل 1800 أسير فلسطيني، من بينهم قادة كبار في فصائل المقاومة.
انسحاب القوات الإسرائيلية إلى منطقة عازلة داخل غزة.
عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى المناطق التي دُمرت جزئيًا خلال الحرب.
إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى القطاع.
ورغم بعض الاتهامات المتبادلة بخرق الهدنة، صمد الاتفاق خلال هذه المرحلة. لكن المشكلة الحقيقية كانت تكمن في المرحلة الثانية، حيث بدأ نتنياهو في التشكيك العلني في إمكانية نجاحها، متعللاً بأن إسرائيل لن تتخلى عن الحرب قبل تحقيق هدفها بالقضاء على حماس.
لماذا تراجع نتنياهو عن وقف إطلاق النار؟
في المقام الأول، كان الالتزام بوقف إطلاق النار الدائم سيضع نتنياهو في أزمة سياسية حقيقية، قد تُنهي حكمه المستمر منذ 15 عامًا.
فقد هدد وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الائتلاف إذا استمرت المرحلة الثانية من الاتفاق بدلاً من استئناف القتال. وفي حين وعدت أحزاب المعارضة بدعم نتنياهو إذا أعاد جميع الأسرى، إلا أن حكومته كانت ستصبح ضعيفة بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة قد تهدد مستقبله السياسي.
لكن بإعادة إشعال الحرب، ضمن نتنياهو استمرار دعم سموتريتش، كما استعاد تأييد إيتامار بن غفير، الذي انسحب حزبه في يناير بسبب الهدنة، لكنه عاد للائتلاف الحكومي بعد استئناف القتال.
إضافة إلى المناورات السياسية، كان نتنياهو يدرك أن التمسك بوقف إطلاق النار كان سيمنح حماس فرصة للبقاء وإعادة بناء قوتها، وهو ما كان سيُفسر على أنه هزيمة أمام الرأي العام الإسرائيلي.
كيف أنهى نتنياهو الهدنة؟
بعد انتهاء المرحلة الأولى، حاولت الولايات المتحدة دفع إسرائيل للموافقة على مقترح جديد تفرج بموجبه حماس عن نصف الرهائن المتبقين مقابل تمديد الهدنة سبعة أسابيع، مع وعود ببدء مفاوضات حول وقف إطلاق نار دائم.
لكن حماس رفضت العرض، معتبرة أنه يختلف عن الاتفاق الأصلي الذي وافقت عليه في يناير، وطالبت ببدء المرحلة الثانية مباشرةً دون شروط جديدة. بل إنها عرضت تسليم مواطن أمريكي إسرائيلي وجثث أربعة رهائن آخرين كخطوة لبناء الثقة، إلا أن إسرائيل رفضت العرض واعتبرته “حربًا نفسية”.
في خطوة تصعيدية، قطعت إسرائيل جميع إمدادات الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية عن غزة، مما فاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق. كما قطعت الكهرباء، مما أدى إلى تعطيل محطة تحلية المياه الرئيسية في القطاع.
وبالتزامن مع ذلك، صعّدت إسرائيل غاراتها الجوية، مستهدفة مناطق متعددة بزعم وجود أنشطة مسلحة فيها. وفي فجر الثلاثاء، شنت واحدة من أعنف موجات القصف منذ بدء الحرب، مما أدى إلى مقتل المئات من الفلسطينيين.
موقف ترامب من وقف إطلاق النار
رغم أن ترامب كان له دور في التوسط لاتفاق يناير، إلا أنه سرعان ما بدا مستاءً منه، محذرًا من أن “الجحيم سيشتعل” إذا لم تطلق حماس سراح جميع الرهائن فورًا.
وفي خطوة مثيرة للجدل، اقترح نقل سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بشكل دائم، بحيث تتولى الولايات المتحدة السيطرة على القطاع وتحوله إلى وجهة سياحية، وهي الفكرة التي تبناها نتنياهو، لكنها قوبلت بإدانة واسعة من الفلسطينيين والدول العربية وخبراء حقوق الإنسان، الذين اعتبروها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وفي النهاية، يبدو أن تصعيد نتنياهو لم يكن مجرد قرار عسكري، بل كان خطوة سياسية محسوبة تهدف إلى إنقاذ مستقبله السياسي، وإرضاء حلفائه في اليمين المتطرف، وإضعاف أي محاولات لفرض وقف إطلاق نار دائم. وبينما تستمر الضربات الجوية وتتزايد أعداد الضحايا، تظل التساؤلات مطروحة حول المدى الذي ستصل إليه هذه الحرب، وما إذا كانت هناك أي فرصة حقيقية لإنهائها في المستقبل القريب.
ماري جندي
المزيد
1