عانت مجتمعاتنا العربية في خلال النصف قرن الأخيرة من غياب ثقافة الاختلاف، وقد أولى البعض ذلك إلى غياب التعددية وعدم إعطاء الاهتمام الكافي لحقوق الأقليات من قبل الحكومات وأجهزتها الإعلامية. غير أن السنوات الأخيرة شاهدت ظاهرة محمودة على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو من خلالها البعض إلى النقد الموضوعي للفكر العربي بهدف الترويج لثقافة جديدة تقبل الاختلاف وتناقش القضايا الشائكة بطريقة أكثر موضوعية وتحضر.
عانت مجتمعاتنا العربية في خلال النصف قرن الأخيرة من غياب ثقافة الاختلاف، وقد أولى البعض ذلك إلى غياب التعددية وعدم إعطاء الاهتمام الكافي لحقوق الأقليات من قبل الحكومات وأجهزتها الإعلامية. غير أن السنوات الأخيرة شاهدت ظاهرة محمودة على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو من خلالها البعض إلى النقد الموضوعي للفكر العربي بهدف الترويج لثقافة جديدة تقبل الاختلاف وتناقش القضايا الشائكة بطريقة أكثر موضوعية وتحضر.
وفي هذا كله كان الجميع ينظر إلى المجتمعات الغربية على كونها مثلاً يحتذى به في قبول الاختلاف باعتباره عاملاً اساسياً في إثراء النسيج المجتمعي لدول لعب المهاجرون دوراً كبيراً في تكوين بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أن تلك الصورة البراقة لم تكن تعكس الحقيقة كاملة، ففي ظل البحث عن أرضية توافقية لمجتمعات شديدة التعددية، وصل إدمان التوافق إلى حد مرضي، فأصبح الرأي المخالف لما هو سائد يمثل فضيحة لصاحبه ويحوله إلى شخص منبوذ مجتمعياً. كما تم ربط بعض الآراء بالطبقة الاجتماعية لمعتنقيها أو بالقاعدة الأخلاقية التي ينتمون إليها، فأصبحت للإدلاء بالرأي تبعات خطيرة لابد من تحسبها بدقة قبل الإفصاح عنها بصراحة حتى لا تؤدي بصاحبها للندم فيما بعد.
ظهر ذلك جلياً في الآونة الأخيرة في التعامل مع كل من سولت له نفسه أن يتساءل عن مصدر فيروس كورونا وما إذا كان مصنعاً في معمل، أو من لازال يبحث عن معلومات إضافية ليطمئن نفسه بخصوص معدل أمان و مدى فاعلية اللقاحات المطروحة للوقاية منه، أو من يجد غضاضة في قبول قرارات وزارة الصحة الكندية التي تدعو إلى خلط اللقاحات بعد وقف استخدام احدها نتيجة ازدياد حالات الإصابة منه، أو من يبدي اندهاشه من قرار مد تاريخ صلاحية اللقاح للاستفادة بالمخزون، أو حتى من يستنكر استخدام الأطفال في التجارب التي تقوم بها شركتي فايزر ومودرنا في أمريكا وكندا، رغم أن الأطفال هم أقل شريحة في المجتمع عرضة للإصابة بالمرض. فبالرغم من بقاء العديد من الأسئلة دون إجابات، إلا إن مجرد طرح السؤال أو عرض الرأي الآخر بات يعد مخاطرة غير محمودة العواقب، بدءًا من الإلغاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ونهاية بالإقصاء المجتمعي والتشكيك في رجاحة عقل أو علم السائل، وإن لزم الأمر، في أجندته السياسية. وقد رضي الكتيرون بالاستسلام للواقع الجديد لحماية ما وصلوا إليه من قيمة وقامة بعد سنوات من الكفاح في بلاد المهجر، حتى وإن كان في الصمت إيذاء لهم ولابنائهم. لقد استسلموا للضغط ورضوا بالعاقبة لتجنب العقوبات.
ولكن كما شهدنا جميعاً، بدأت تطالعنا المفاجآت بشكل يومي بعد تسريب البريد الإلكتروني الخاص بدكتور أنتوني فوشي الذي تم تكليفه بقيادة الفريق الطبي المعني بمجابهة الجائحة في أمريكا منذ ربيع ٢٠٢٠، فالوثائق تشير إلى أن الفيروس قد تم تخليقه في معمل مدينة ووهان الصينية بمعونة أمريكية، وقد خرج بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون بالتحقيق فيما أسموه ب”الطرح الرسمي المغلوط” والذي يوجهون أصابع الإتهام فيه إلى د.فوشي بالتواطؤ مع مواقع التواصل الاجتماعي والإدارة الصينية. كما قام بعض الأطباء بترجمة أبحاث كورونا المقدمة من شركة فايزر إلى الحكومة اليابانية فوجدوا ما يثير القلق بخصوص احتمالية إيذاء بعض الأعضاء الحيوية في الجسم نتيجة الحقن بتقنية الأم-آر-أن-إيه مما يتطلب المزيد من الدراسة. وفي الوقت ذاته دعا المركز المسؤول في الولايات المتحدة (سي دي سي) لاجتماع طارئ لمناقشة ارتفاع أعداد الشباب المصابين بإلتهاب في عضلة القلب نتيجة تلقي اللقاح والتي أعلنوا أنها فاقت توقعاتهم.
والآن، وفي ظل تلك المعلومات المتضاربة، هل نستمر في رفض الرأي الآخر بنفس الحدة؟ هل تستمر ثقتنا المطلقة في “الطرح الرسمي” دون تساؤلات؟ هل نظل رهائن ثقافة التوافق بعد أن نجحنا في التحرر من ثقافة الاختلاف؟
رأي كاتب المقال يعبر عن وجهة نظره الشخصية و ليس بالضرورة يعكس راي الجريدة
المزيد
1