لطالما كانت الولايات المتحدة، وتحديدًا ولاياتها الدافئة مثل فلوريدا وأريزونا، الوجهة المفضلة للآلاف من الكنديين الباحثين عن ملاذ شتوي بعيدًا عن برد الشمال القارس. لكن المشهد بدأ يتغير تدريجيًا، وها هو يتحول اليوم إلى ظاهرة لافتة: الكنديون يبيعون عقاراتهم ويعودون أدراجهم إلى الوطن. فما الذي يحدث؟
لطالما كانت الولايات المتحدة، وتحديدًا ولاياتها الدافئة مثل فلوريدا وأريزونا، الوجهة المفضلة للآلاف من الكنديين الباحثين عن ملاذ شتوي بعيدًا عن برد الشمال القارس. لكن المشهد بدأ يتغير تدريجيًا، وها هو يتحول اليوم إلى ظاهرة لافتة: الكنديون يبيعون عقاراتهم ويعودون أدراجهم إلى الوطن. فما الذي يحدث؟
وداع الشمس.. بألم وحسرة
ديل ماكمولين، مزارع حبوب من إينيسفيل بمقاطعة ألبرتا، كان واحدًا من هؤلاء الذين اعتادوا الهروب كل شتاء من صقيع كندا إلى دفء فينيكس، أريزونا. ولكن بعد أكثر من 15 عامًا من التقاليد الشتوية، حزم أمتعته هذا العام وقرر ألا يعود مجددًا.
“تم توقيع الأوراق”، قالها ماكمولين بتنهيدة مختلطة بالمشاعر، مُعلنًا عن بيع المنزل الشتوي الذي طالما شاركه مع زوجته.
ورغم حبه للمنزل، والطقس المعتدل، والأصدقاء الأمريكيين الذين كوّنهم على مدى السنوات، فإن الواقع السياسي والاقتصادي بات لا يُحتمل بالنسبة له.
“تحملنا ضعف الدولار الكندي مقابل الأمريكي لسنوات طويلة، على أمل أن يتحسن الوضع، لكن ما يحدث الآن من فوضى سياسية وتهديدات مستمرة من ترامب يجعل الأمر مهينًا للغاية”، قالها بمرارة عقب عودته النهائية إلى كندا.
ويتابع: “الكثير من الجيران والأصدقاء الأمريكيين جاؤوا ليعتذروا عما يحدث… كانوا صادقين في شعورهم بالأسف لما آلت إليه الأمور.”
تحول جماعي.. وحركة بيع غير مسبوقة
ديل ماكمولين ليس حالة فردية، بل يمثل جزءًا من “هجرة عقارية” تشهدها مناطق الجنوب الأمريكي، وخاصة فلوريدا وأريزونا، حيث يتزايد عدد الكنديين الذين يعرضون ممتلكاتهم للبيع.
العديد من العوامل اجتمعت لتدفعهم لاتخاذ هذا القرار: حرب تجارية متصاعدة بين البلدين، تهديدات متكررة من الرئيس السابق دونالد ترامب تمس السيادة الكندية، التقلبات السياسية في واشنطن، وأخيرًا ضعف الدولار الكندي، الذي يجعل الإقامة والإنفاق في أمريكا أكثر كلفة بكثير.
“لا نريد دعم رئيس يهين كندا”
ناتالي مانكوسو، المقيمة خارج مونتريال، هي الأخرى باعت شقتها مؤخرًا في مدينة بومبانو بيتش، شمال فورت لودرديل. وقالت بصراحة لافتة:
“لا نريد أن نستمر في الاستثمار في بلد يقوده شخص لا يحترمنا. كان ترامب يتحدث عن الكنديين وكأننا لا قيمة لنا، وكأننا مجرد ممسحة تحت أقدامه”.
ناتالي وزوجها أمضيا أكثر من عقد من الزمن يستمتعان بأشعة الشمس في فلوريدا خلال الإجازات، لكن شيئًا ما تغيّر مؤخرًا.
“بعد عودة ترامب للبيت الأبيض، بدأنا نشعر أننا لا نستطيع التوافق مع ما تمثله الإدارة الأمريكية. شعرنا أننا نخون أنفسنا بمجرد البقاء هناك”، أضافت من منزلها في فودروي-دوريون.
الوكلاء يشهدون التحول.. والهاتف لا يتوقف عن الرنين
شهادات الوسطاء العقاريين الأمريكيين تؤكد أن هناك تحوّلًا ملحوظًا يجري بالفعل.
كاثرين سبينو، وهي سمسارة عقارية في جنوب فلوريدا، تصف الوضع بـ”التحول الكبير”، وتقول إن السوق بات أكثر تقلبًا وأقل جاذبية للكنديين، الذين أصبحوا يميلون الآن إلى بيع ممتلكاتهم واسترجاع أموالهم إلى كندا.
“أسبابهم متنوعة، ولكن جميعهم يريدون البيع الآن”، تقول سبينو.
أما لوري لافين، وكيل العقارات لدى شركة Arizona Premier Realty، فيؤكد أن عدد العروض لديه تضاعف بشكل غير مسبوق.
“في مثل هذا الوقت من السنة، يكون لديّ عرضان أو ثلاثة عادة. أما الآن، فأتعامل مع 16 عرضًا دفعة واحدة”، يقول، مشيرًا إلى أن الكنديين يسيطرون على جزء كبير من هذه الحركة.
بحسب بيانات “الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين” في الولايات المتحدة، فإن الكنديين كانوا العام الماضي أكبر المشترين الأجانب للعقارات الأمريكية، بنسبة بلغت 13% من إجمالي المشتريات، معظمها في ولايات الجنوب.
الحدود لم تعد كما كانت.. والقرارات أصعب
لكن حتى الحنين إلى الشمس لا يكفي عندما تتجمد العلاقات الدبلوماسية. بوب جاس، رجل متقاعد من مانيتوبا، قضى أكثر من 15 شتاءً في منزله بفلوريدا، لكنه اليوم يعيد النظر في كل شيء.
“عندما تسمع تهديدات عن سحق اقتصادك أو ضم أراضيك، تبدأ بالتساؤل فعلًا: هل هذا هو المكان الذي أريد قضاء شيخوختي فيه؟”، يتساءل بمرارة.
ويوضح أن العديد من جيرانه الكنديين وضعوا لافتات “للبيع” أمام بيوتهم.
“إما أن تبيع وتغادر، أو أن تناقش الموضوع بجدية. هذا ما نفعله أنا وزوجتي الآن. نحب هذا المكان ونود البقاء لبضع سنوات أخرى، لكن الوضع معقد”، يضيف بقلق.
القيود الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرًا تزيد من هذا التعقيد، حيث بات لزامًا على الزائرين الكنديين الذين يمكثون أكثر من 30 يومًا التسجيل رسميًا لدى الحكومة الأمريكية.
“نرغب في الامتثال للقوانين، لكن إذا أصبحت الأمور صعبة أو مزعجة أكثر من اللازم، فقد لا نجد مفرًا من البيع والرحيل”، يقول جاس.
القرار مؤلم.. لكنه حتمي
بالنسبة لماكمولين، كان القرار نابعًا من إحساس عميق بالإهانة بعد تصريحات ترامب، التي وصف فيها رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو بـ”الحاكم”، وهدد فيها بسيادة كندا بشكل غير مباشر.
“عندما تصل الأمور إلى هذا الحد، تشعر أن البقاء لم يعد ممكنًا”، يختتم حديثه وهو يستعد لفصل شتاء قارس في ألبرتا، لكن بقلب مرتاح.
ماري جندي
المزيد
1