في حادثة مقلقة تسلط الضوء على الأجواء المتشددة تجاه المسافرين الدوليين، وجد العديد من السياح أنفسهم محتجزين لفترات طويلة عند الحدود الأمريكية، مما أثار موجة من المخاوف بشأن السفر إلى الولايات المتحدة.
في حادثة مقلقة تسلط الضوء على الأجواء المتشددة تجاه المسافرين الدوليين، وجد العديد من السياح أنفسهم محتجزين لفترات طويلة عند الحدود الأمريكية، مما أثار موجة من المخاوف بشأن السفر إلى الولايات المتحدة.
رحلة تحولت إلى كابوس
لينون تايلر، مواطنة أمريكية، كانت معتادة على السفر مع خطيبها الألماني، لوكاس سيلاف، في رحلات برية إلى المكسيك أثناء زيارته للولايات المتحدة. كانا يعتبران المسافة القريبة بين لاس فيغاس وتيخوانا فرصة مثالية للهروب من الروتين والاستمتاع برحلات سريعة. إلا أن هذه المرة، عند عودتهما إلى الولايات المتحدة، تحولت رحلتهما إلى مأساة غير متوقعة.
عند نقطة العبور، قامت السلطات الأمريكية بتقييد تايلر بالأصفاد وربطها بمقعد داخل غرفة الاحتجاز، بينما تم توجيه اتهامات لسيلاف بمخالفة شروط تأشيرته السياحية، على الرغم من أنه لم يتجاوز المدة المسموحة له داخل الولايات المتحدة. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تم تقييده بالسلاسل ونقله إلى مركز احتجاز مكتظ بالمهاجرين غير الشرعيين، حيث أمضى 16 يومًا قبل أن يُسمح له بالعودة جوًا إلى ألمانيا على نفقته الخاصة.
احتجاز طويل بلا تفسير
لم يكن سيلاف الوحيد الذي مر بهذه التجربة؛ فقد تعرض عدد من السياح الأوروبيين والكنديين لمواقف مماثلة. جيسيكا بروش، سائحة ألمانية أخرى، احتُجزت عند نفس المعبر الحدودي في 25 يناير/كانون الثاني، وقضت أكثر من ستة أسابيع في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك أسبوع كامل في الحبس الانفرادي.
وفي حادثة أخرى على الحدود الكندية، قضى سائح من ويلز حوالي ثلاثة أسابيع محتجزًا قبل ترحيله، بينما واجهت امرأة كندية تحمل تأشيرة عمل تجربة مماثلة على حدود تيخوانا، حيث بقيت قيد الاحتجاز لمدة 12 يومًا.
اللافت في هذه الحوادث هو أن المحتجزين لم يحصلوا على تفسير واضح لاحتجازهم، حتى بعد أن أبدوا استعدادهم للعودة إلى بلادهم طوعًا.
أجواء معادية للهجرة؟
بيدرو ريوس، مدير لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكيين، وهي منظمة غير ربحية تدعم المهاجرين، عبّر عن صدمته قائلاً:
“في 22 عامًا من العمل على الحدود، لم أشهد احتجاز سياح من دول حليفة للولايات المتحدة بهذه الطريقة، ما يحدث غير منطقي ولا يبرر الظروف القاسية التي تعرضوا لها.”
وأشار ريوس إلى أن الأجواء السياسية المعادية للمهاجرين قد تكون السبب وراء هذه الممارسات، خاصة مع تشديد سياسات السفر منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه.
الغموض يلف أسباب الاحتجاز
لم تستجب السلطات الأمريكية لطلبات وكالة أسوشيتد برس بالحصول على إحصائيات حول عدد السياح المحتجزين أو توضيح أسباب عدم السماح لهم بالدخول ببساطة بدلاً من احتجازهم.
بالتزامن مع هذه الحوادث، أصدرت جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، تحذيرًا لطلابها وموظفيها الدوليين، دعتهم فيه إلى توخي الحذر عند السفر، مشيرة إلى أن “متطلبات العودة إلى الولايات المتحدة قد تتغير أثناء غيابكم، مما قد يؤثر على قدرتكم على العودة”.
هل أصبح السفر إلى أمريكا محفوفًا بالمخاطر؟
تفاقمت المخاوف بعد أن أعلنت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أن كل من سيلاف وبروش تم رفض دخولهما من قبل هيئة الجمارك وحماية الحدود، دون الكشف عن تفاصيل إضافية. كما أوضحت أن انتهاك شروط التأشيرة قد يؤدي إلى الاحتجاز والترحيل.
بموجب برنامج الإعفاء من التأشيرة، يُسمح لمواطني بعض الدول، مثل ألمانيا، بالسفر إلى الولايات المتحدة لمدة تصل إلى 90 يومًا بدون تأشيرة مسبقة، لكن إمكانية منعهم من الدخول عند الحدود لا تزال قائمة.
تفاصيل مؤلمة من داخل مراكز الاحتجاز
يروي سيلاف تفاصيل صادمة عن تجربته، حيث تم تفتيشه بالكامل، وأُجبر على تسليم هاتفه ومتعلقاته الشخصية، ثم نُقل إلى زنزانة احتجاز ضيقة، حيث اضطر للنوم على مقعد لمدة يومين قبل نقله إلى مركز احتجاز أوتاي ميسا في سان دييغو.
“أنت غاضب، حزين، لا تعرف متى سيتم الإفراج عنك، ولا أحد يقدم لك إجابة واضحة”، هكذا وصف سيلاف معاناته داخل المركز، حيث اضطر لمشاركة زنزانة مع ثمانية آخرين، وسط ظروف غير إنسانية.
وفي النهاية، لم يُسمح له بالمغادرة إلا بعد أن حجز رحلة مباشرة إلى ألمانيا وقدّم رقم التأكيد. في مكالمة محمومة، اضطرت تايلر لدفع 2744 دولارًا لحجز التذكرة، ليعود سيلاف إلى بلاده في 5 مارس.
“إساءة صارخة” للسلطة
اعتبرت تايلر ما حدث معهما “إساءة صارخة لسلطة حرس الحدود”، وشددت على ضرورة مساءلة المسؤولين عن هذه المعاملة غير المبررة.
أما جيسيكا بروش، فقد تم إطلاق سراحها في 11 مارس بعد أن أثار أصدقاؤها قضيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما أكدت آشلي باشن، إحدى صديقاتها، أن بروش “لن تعود إلى الولايات المتحدة مجددًا بعد هذه التجربة القاسية”.
وفي حادثة أخرى، أوقفت بيكي بيرك، سائحة من ويلز، عند الحدود الأمريكية الكندية في 26 فبراير، واحتُجزت لما يقارب ثلاثة أسابيع، قبل أن تتمكن من العودة إلى ديارها يوم الثلاثاء.
كما اعتُقلت الممثلة الكندية جاسمين موني عند معبر تيخوانا، رغم أنها تحمل تأشيرة عمل أمريكية، ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد أسبوعين، مما دفع رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية، ديفيد إيبي، للتعليق قائلاً:
“هذه الحوادث تعزز القلق الذي يشعر به العديد من الكنديين بشأن علاقتنا مع الولايات المتحدة، وعدم القدرة على التنبؤ بتصرفات هذه الإدارة.”
عواقب قانونية محتملة
بعد هذه التجربة المريرة، يخطط تايلر لمقاضاة الحكومة الأمريكية بسبب احتجاز خطيبها دون مبرر. كما أشار سيلاف إلى أنه لا يزال يعاني من كوابيس متكررة ويفكر في اللجوء إلى العلاج النفسي للتعامل مع الصدمة.
واختتم قائلاً:
“لم يعد أحد آمنًا هناك… السفر إلى أمريكا كسائح أصبح مغامرة غير محسوبة العواقب”.
هل هذه بداية لتغيير قواعد السفر؟
تثير هذه الحوادث تساؤلات جادة حول مستقبل السياحة في الولايات المتحدة، خاصة في ظل تشديد سياسات الهجرة. هل ستؤثر هذه الممارسات على عدد السياح الدوليين؟ وهل ستظل الولايات المتحدة وجهة جذابة أم أن هذه الأحداث ستؤدي إلى تغيير النظرة العالمية تجاه السفر إليها؟
الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الإجابة.
ماري جندي
المزيد
1