بينما تهيمن قضايا تكلفة المعيشة والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة على النقاشات خلال الحملة الانتخابية الفيدرالية، يثير خبراء قلقًا متزايدًا بشأن قضية طال أمدها: انخفاض معدل الخصوبة في كندا وتداعياته طويلة الأمد على نمو السكان، مطالبين بمزيد من الاهتمام الفيدرالي.
وقد أشار تقرير حديث نشره معهد ماكدونالد-لورير بعنوان “خطوات صغيرة: كيف نعكس انخفاض معدلات الخصوبة في كندا”، إلى أن معدل المواليد في كندا ظل لعقود أقل من المستوى اللازم لتعويض عدد السكان، مع تراجع حاد في السنوات الأخيرة.
ورغم أن انخفاض الخصوبة ظاهرة عالمية تشهدها دول متقدمة أخرى مثل الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، إلا أن كندا تتخلف الآن عن العديد من نظرائها.
وقال روس ماكيتريك، أستاذ الاقتصاد بجامعة غويلف ومؤلف التقرير، لصحيفة “ذي إيبوك تايمز” إن “نظام الرعاية الاجتماعية لدينا كان يعتمد على وجود جيل جديد من الشباب لدعم كبار السن عبر الضرائب، لكننا الآن نفتقد هذا الجيل”.
وتُظهر الاستطلاعات وجود فجوة متزايدة بين عدد الأطفال الذين ترغب النساء الكنديات في إنجابهم وعدد الأطفال الذين ينجبنهم فعليًا، حيث تشير الدراسات إلى أن نصفهن تقريبًا لم يحققن أهدافهن الإنجابية في عام 2022، وهو ما ركز عليه تحليل ماكيتريك.
وقال ماكيتريك: “يبدو أن هناك عوائق أمام الناس لتحقيق هدف حياتي مهم للغاية، وهو تكوين أسرة وإنجاب أطفال”.
وأشار إلى أن الأدبيات الأكاديمية خلال العقود الماضية ركزت بشكل أساسي على كيفية تقليل الخصوبة في البلدان الفقيرة، وليس على كيفية زيادتها في الدول الغنية.
وكتب في التقرير: “بُذل جهد كبير لمنع الحمل غير المرغوب فيه، ولكن تم إيلاء القليل من الاهتمام لمنع نتيجة غير مرغوب فيها أخرى: أن يصل الإنسان إلى نهاية سنوات خصوبته دون أن يكون قد أنجب العدد الذي كان يأمل به من الأطفال”.
وسجلت كندا في عام 2023 أدنى معدل خصوبة لها على الإطلاق، حيث بلغ 1.26 طفل لكل امرأة، وفقًا لأحدث بيانات متوفرة من هيئة الإحصاء الكندية، لتنضم بذلك إلى مجموعة دول “الخصوبة المنخفضة جدًا” مثل كوريا الجنوبية وإسبانيا وإيطاليا واليابان، حيث يبلغ متوسط الخصوبة 1.3 طفل أو أقل لكل امرأة.
ويحتاج البلد إلى متوسط 2.1 مولود حي لكل امرأة للحفاظ على حجم السكان.
النقاش الانتخابي الفيدرالي
لم يكن تكوين الأسرة وخصوبة النساء من المواضيع الرئيسية في الحملة الانتخابية الفيدرالية، رغم الإشارة إليها لفترة وجيزة بتعليق من المحافظين أثار انتقادات من الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد.
فخلال حديثه عن أزمة السكن، قال زعيم المحافظين بيير بولييفر في مؤتمر صحفي في سانت جون، نيو برونزويك، في 31 مارس:
“لن ننسى ذلك الزوجان في السادسة والثلاثين من عمرهما واللذان ينفد وقتهما البيولوجي أسرع مما يستطيعان تحمّل تكلفة شراء منزل وإنجاب أطفال”.
وكان بولييفر قد أثار هذه القضية سابقًا، مشيرًا إلى أن الشباب الكنديين لا يستطيعون تحمّل تكاليف شراء منازل خلال سنوات الخصوبة القصوى للمرأة، وذلك في مقابلة مع جوردان بيترسون في يناير الماضي.
من جانبه، وصف المرشح الليبرالي إيفان بيكر تصريحات بولييفر بأنها “خطاب متحيز ضد النساء”، وقال في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي:
“من المروع أن يستخدم زعيم المحافظين مثل هذا الخطاب الرجعي والضار لتحقيق مكاسب سياسية”.
وفيما يتعلق بالأبوة والأمومة، وعد الليبراليون بقيادة مارك كارني بتأسيس برنامج جديد للإخصاب الصناعي لجعله أكثر تكلفة معقولة للكنديين الراغبين في الإنجاب، وأكدوا عزمهم على جعل برنامج صندوق الصحة الجنسية والإنجابية دائمًا لضمان التمويل المستمر لخدمات الإجهاض في كندا.
أما المحافظون فقد أكدوا سابقًا أنهم لن يحظروا الإجهاض لكنهم سيدعمون التبني. بينما يواصل الحزب الديمقراطي الجديد دعوته لتوسيع الوصول إلى خدمات الإجهاض، وانتقد الحركات “المناهضة للاختيار”.
وقال زعيم الحزب الديمقراطي الجديد جاجميت سينغ بشأن تعليقات بولييفر:
“لا أعتقد أن أي امرأة تريد أن تسمع بيير بولييفر يتحدث عن أجسادهن. نقطة”.
وقال ماكيتريك إن ردود الأفعال على تعليقات بولييفر تسلط الضوء على سبب تجاهل انخفاض معدلات الخصوبة في النقاش العام.
وأضاف: “حقيقة أن التعليقات تُعتبر مثيرة للجدل أو أن القادة السياسيين يترددون في الحديث عنها، تعكس مدى صعوبة مناقشة هذه القضايا، خصوصًا المتعلقة بالساعة البيولوجية”.
الأسباب والحلول المحتملة
تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن عدم الاستقرار الاقتصادي وضعف نمو الدخل من بين العوامل التي تسهم في انخفاض معدلات الولادة في الاقتصادات المتقدمة. كما أن التحولات الاجتماعية مثل تأخر الزواج، وتغير الأعراف الأسرية، وتزايد الفرص المهنية والتوقعات للنساء، تلعب دورًا كبيرًا.
ويرى تحليل ماكيتريك أن الارتفاع العام في تكاليف المعيشة مرتبط بانخفاض معدلات الخصوبة.
وعلى الرغم من أن تكاليف السكن تؤثر في ذلك، إلا أنها ليست ذات دلالة إحصائية مقارنة بالتأثير العام لارتفاع تكاليف المعيشة.
وأشار إلى أن نمو الدخل له تأثير قوي وإيجابي على معدلات الخصوبة عبر معظم الفئات الدخلية، مضيفًا أن زيادة عدد المساكن الجاهزة لا يبدو أنها تؤثر على معدلات الولادة.
وطرح ماكيتريك خمس استراتيجيات لزيادة معدلات الخصوبة، منها:
خفض تكاليف المعيشة، لا سيما في مجالي السكن والنقل.
تخفيض معدلات ضريبة الدخل الهامشي.
تحسين الإعانات المقدمة لكل طفل.
السماح بمزيد من تقاسم الدخل بين الأزواج.
وجاء في التقرير:
“لزيادة معدلات الخصوبة في كندا، ينبغي أن نركز على السياسات الاقتصادية التي تخفّض التكاليف المعيشية، وتزيد الدخول الحقيقية، وتوفر المزيد من السكن بأسعار معقولة، خاصة للمساكن المخصصة للمبتدئين”.
كما أوصى بتحسين تعويضات التأمين على العمل للآباء والأمهات أثناء إجازة الوالدية، وتوسيع الوصول إلى خدمات رعاية الأطفال، بما في ذلك دعم الآباء الذين يختارون رعاية أطفالهم في المنزل.
وأشار إلى أنه قد يكون من الأرخص أحيانًا تقديم دعم مالي للوالدين الذين يختارون البقاء في المنزل لرعاية أطفالهم بدلًا من دفع تكاليف رعاية الأطفال.
وأكد ماكيتريك أن الحكومة يمكنها، إلى جانب الإجراءات المالية، العمل على تعزيز ثقافة داعمة للأسرة والطفولة.
التحول الثقافي
لفت ماكيتريك إلى أن انخفاض معدلات الخصوبة ليس موحدًا في جميع فئات المجتمع، مشيرًا إلى أن بعض المجتمعات الدينية وبعض المجموعات العرقية تحافظ على معدلات ولادة مستقرة.
وقال: “عندما تبقى المعايير الاجتماعية التي تشجع على تكوين الأسرة والإنجاب، لا يزال الناس ينجبون الأطفال ويربونهم”.
وأشار أيضًا إلى أن المجتمعات التي تشجع الزواج وتثني عن الطلاق تكون أكثر دعمًا للأبوة والأمومة.
واقترح ماكيتريك أن يكون من وسائل تغيير المواقف العامة تجاه الأبوة والأمومة تحسين صورة الزواج والحياة الأسرية في وسائل الإعلام، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لا ينبغي للحكومة أن تتدخل في تنظيم الترفيه أو الاتصالات الخاصة، بل يكفي تقديم هذه الجوانب من الحياة بشكل أكثر إيجابية.
المحرر:هناء فهمي
المصدر:اكسجين كندا نيوز
المزيد
1