في خطوة قانونية قد تُحدث هزة قوية داخل النظام الإصلاحي الفيدرالي، رفعت مجموعة نسائية وطنية دعوى قضائية ضد الحكومة الكندية، تطعن من خلالها في سياسة مثيرة للجدل تسمح بإيواء رجال متحولين جنسياً في سجون النساء. هذه القضية قد تعيد فتح نقاش محتدم حول كيفية الموازنة بين الحقوق الفردية للمتحولين جنسياً، والحقوق الأساسية للنساء في بيئة يُفترض أنها آمنة وحامية.
في خطوة قانونية قد تُحدث هزة قوية داخل النظام الإصلاحي الفيدرالي، رفعت مجموعة نسائية وطنية دعوى قضائية ضد الحكومة الكندية، تطعن من خلالها في سياسة مثيرة للجدل تسمح بإيواء رجال متحولين جنسياً في سجون النساء. هذه القضية قد تعيد فتح نقاش محتدم حول كيفية الموازنة بين الحقوق الفردية للمتحولين جنسياً، والحقوق الأساسية للنساء في بيئة يُفترض أنها آمنة وحامية.
من يقف وراء الدعوى؟
مركز العدالة للحريات الدستورية (JCCF)، وهو مؤسسة قانونية غير ربحية، أعلن يوم 7 أبريل أنه رفع الدعوى أمام المحكمة الفيدرالية نيابة عن منظمة “حقوق المرأة الكندية القائمة على النوع” (CAWSBAR). هذه المنظمة، التي تضم نساء بينهن من عايشن السجن سابقاً، تعارض بشدة “التوجيه رقم 100” الصادر عن مفوض هيئة الإصلاحيات الكندية، والذي يسمح بنقل السجناء الذكور الذين يعرّفون أنفسهم كنساء إلى السجون المخصصة للنساء.
ما هو التوجيه رقم 100؟ وكيف بدأ كل شيء؟
صدر هذا التوجيه في مايو 2022 كجزء من سياسة الحكومة الليبرالية الرامية إلى احترام الهوية الجنسية للأفراد داخل النظام الإصلاحي. وبموجب هذه السياسة، يُسمح للسجناء الذكور الذين يعرّفون أنفسهم كامرأة – حتى وإن لم يخضعوا لعمليات جراحية لتغيير الجنس – بطلب النقل إلى واحدة من ست منشآت إصلاحية نسائية في كندا. وتتم دراسة كل طلب على أساس كل حالة على حدة.
لكن جذور هذه التغيرات تعود إلى عام 2017، حين أُقر مشروع القانون C-16، الذي عدّل قانون حقوق الإنسان الكندي والقانون الجنائي ليعترف بـ”الهوية والتعبير الجنسي” كفئات محمية قانوناً. وقد فتح هذا الباب أمام السجناء المتحولين جنسياً للمطالبة بنقلهم إلى مؤسسات تتوافق مع هويتهم الجندرية وليس بالضرورة جنسهم البيولوجي.
منظمة CAWSBAR: صرخة لحماية النساء
ترى منظمة CAWSBAR أن هذه السياسة تمثل خرقًا صريحًا لعدة بنود في ميثاق الحقوق والحريات الكندي، وتُحمّل النساء المسجونات عبئاً مضاعفاً من الخطر والتهديد الجسدي والنفسي.
هيذر ماسون، عضوة مجلس إدارة المنظمة وسجينة سابقة في مؤسسة “غراند فالي” للنساء في مدينة كيتشنر بأونتاريو، قالت في بيان:
“لقد بادرنا بهذه الدعوى من أجل تسليط الضوء على فشل الحكومة في حماية النساء، ولإيقاف ما نعتبره شكلاً من العقوبة القاسية وغير العادية التي تتحملها السجينات في ظل هذه السياسة.”
تفاصيل مؤلمة.. وعواقب صادمة
تستند الدعوى إلى عدة تقارير وشهادات توثق حوادث عنف جسدي واعتداءات جنسية تعرضت لها سجينات بسبب سياسة النقل هذه. يشير بيان الدعوى إلى أن بعض هؤلاء السجناء المتحولين جنسياً – سواء كانوا لا يزالون يحتفظون بأعضائهم الذكرية أو لا – تورطوا في حالات تحرش، مطاردة، ضرب، واعتداء جنسي، بل وحتى استدراج.
ويحذر البيان من أن مثل هذه الحوادث لا تؤدي فقط إلى ضرر نفسي عميق، بل ترفع أيضًا خطر الحمل غير المرغوب فيه وانتقال الأمراض المنقولة جنسيًا بين النساء المسجونات.
وتضيف المنظمة أن كثيرًا من السجينات هن في الأصل ضحايا سابقات للعنف المنزلي والجنسي، وأن وضعهن في بيئة يتشاركنها مع سجناء ذكور يعزز من معاناتهن النفسية، مما يفاقم اضطرابات مثل القلق، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، بل وحتى الميل إلى الانتحار.
الفروقات البيولوجية.. وسؤال القوة الجسدية
تُبرز الدعوى أن السجينات الإناث في العادة أقل تورطًا في الجرائم العنيفة أو الجنسية من نظرائهن الذكور، وأنهن غالبًا ما يكنّ أصغر حجمًا وأضعف جسديًا، وبالتالي أكثر عرضة للخطر عند دمجهن مع سجناء ذكور في منشآت نسائية.
تشير الدعوى أيضًا إلى إحصاءات مثيرة للقلق من معهد “ماكدونالد-لورييه”، تُفيد بأن أكثر من 90% من السجناء الذكور الذين يُعرفون أنفسهم كمتحولين جنسياً مدانون بجرائم عنف. نحو نصفهم سُجنوا لارتكاب جرائم قتل، وثلثهم لارتكاب جرائم جنسية – وهي أرقام تفوق بكثير المعدلات بين النساء السجينات.
“الخوف من التحدث”
أحد أبرز الجوانب التي تثير القلق، بحسب CAWSBAR، هو أن العديد من السجينات يشعرن بالخوف من الاعتراض أو تقديم شكاوى، خشية أن يتم تصنيفهن كـ”معاديات للمتحولين جنسياً”، وهو أمر قد يؤثر سلبًا على فرص الإفراج المشروط أو إعادة الإدماج.
وترى المنظمة أن هذه البيئة تكمّم أفواه النساء وتجعل من الصعب عليهن الدفاع عن أنفسهن في وجه سياسات قد تضر بهن.
رد الحكومة وهيئة الإصلاحيات
رفضت هيئة الإصلاحيات الكندية التعليق على القضية بحجة أن المسألة أصبحت الآن أمام القضاء. إلا أن المتحدث باسم الهيئة أكد، في بيان أُرسل عبر البريد الإلكتروني، أن عملية تقييم الطلبات تأخذ في الاعتبار عدة جوانب، منها مستوى الأمان والاحتياجات الفردية، سواء كان السجين متنوعاً جندرياً أم لا.
وأضاف أن معظم الحوادث داخل السجون، بغض النظر عن الهوية الجنسية، تُعد غير عنيفة بطبيعتها، في محاولة لتقليل المخاوف المثارة حول الاعتداءات والعنف داخل هذه المؤسسات.
السياسة في قلب الجدل
مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية، من المتوقع أن تصبح هذه القضية محورًا للنقاش السياسي. لم يُصدر زعيم الحزب الليبرالي مارك كارني حتى الآن أي تصريح مباشر حول هذا التوجيه أو موقفه من سياسة إيواء المتحولين جنسياً في سجون النساء.
أما زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاجميت سينغ، فعبّر في 2021 عن دعم حزبه الكامل لحقوق المتحولين جنسيًا، دون التطرق إلى تفاصيل تطبيق هذه الحقوق في نظام السجون.
في المقابل، كان زعيم حزب المحافظين، بيير بواليفير، أكثر وضوحًا وصراحة. ففي ديسمبر الماضي، علّق بغضب على طلب محمد البلوز – المتهم بقتل زوجته وطفليه – قضاء عقوبته في سجن نسائي بعد أن أعلن تحوّله إلى امرأة.
وكتب بواليفير حينها على منصة إكس (تويتر سابقاً):
“من الجنون أن رجلًا قتل زوجته وطفليه يدّعي الآن أنه امرأة ليُسجن في منشأة للنساء. لا أصدق أنني مضطر لقول هذا: عندما أصبح رئيسًا للوزراء، لن يُسجن أي رجل في سجن للنساء. نقطة على السطر.”
ماذا بعد؟
الدعوى القضائية قد تكون نقطة تحوّل في مسار السياسات الإصلاحية المتعلقة بالهوية الجندرية في كندا، وقد تُجبر الحكومة على إعادة النظر في الطريقة التي تُطبَّق بها هذه السياسات داخل نظام السجون. وفي الوقت ذاته، تُعيد القضية تسليط الضوء على سؤال كبير ومُلِحّ: كيف يمكن للدولة أن تضمن المساواة في الحقوق، دون المساس بالأمان الجسدي والنفسي للفئات الأخرى؟
ماري جندي
المزيد
1