رغم بعض مؤشرات الانتعاش في أسواق العقارات السكنية عبر كندا، يبدو أن تورنتو – أكبر مدينة في البلاد – ما تزال تعاني من حالة ركود واضحة في سوق الشقق السكنية، وسط تحديات متشابكة تتعلق بارتفاع العرض، وتراجع الطلب، وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
رغم بعض مؤشرات الانتعاش في أسواق العقارات السكنية عبر كندا، يبدو أن تورنتو – أكبر مدينة في البلاد – ما تزال تعاني من حالة ركود واضحة في سوق الشقق السكنية، وسط تحديات متشابكة تتعلق بارتفاع العرض، وتراجع الطلب، وضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
تورنتو تعاني من حالة جمود رغم التغييرات في بقية كندا
يقول خبراء عقارات إن منطقة تورنتو الكبرى (GTA) لن تشهد تحسناً سريعاً في سوق الشقق السكنية في الوقت القريب، رغم أن مدنًا كندية أخرى مثل مونتريال وكالجاري بدأت تسجل مؤشرات إيجابية في الطلب.
وبحسب بريندون كوانز، وهو ممثل مبيعات لدى شركة Property.ca في تورنتو، فإن التحدي الأكبر يكمن في استمرار عدم القدرة على تحمّل تكاليف السكن، حتى بعد أن شهدت معدلات الاقتراض تراجعًا خلال العام الماضي. ويقول كوانز:
“صحيح أن الأسعار انخفضت، لكن الفارق لا يزال غير كافٍ لتحفيز المشترين الجدد”.
المشكلة الأساسية، حسب رأيه، أن الأجور لم تواكب ارتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة، والدولار الكندي لم يعد بنفس القوة، ما يجعل امتلاك شقة في تورنتو أقرب إلى الحلم المؤجل بالنسبة لكثيرين.
عام قياسي في البناء.. ولكن الطلب لا يتماشى
عام 2024 كان بمثابة عام قياسي من حيث عدد الشقق السكنية التي اكتمل بناؤها في المنطقة، لكن هذه الطفرة في المعروض لم تواكبها حركة شراء مماثلة. على العكس، أحدث الأرقام تشير إلى وجود فجوة واضحة بين العرض والطلب.
ففي شهر مارس وحده، تم بيع حوالي 1,400 وحدة فقط في منطقة تورنتو الكبرى، وهو انخفاض بنسبة 23.5% مقارنة بشهر فبراير. في الوقت نفسه، تم طرح نحو 5,500 وحدة جديدة في السوق، ليصل إجمالي المعروض إلى نحو 4,700 وحدة، بحسب بيانات مجلس تورنتو الإقليمي للعقارات.
أما خلال الربع الأول من 2025، فقد سجلت مبيعات الشقق تراجعاً بنسبة 20% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
المشترون يغيّرون أولوياتهم
هذه التحديات دفعت المشترين إلى إعادة النظر في أولوياتهم، حسبما يوضح كوانز، حيث أصبح المشتري يطالب بمزايا إضافية، مثل مساحات أوسع، أو شرفات كبيرة، أو إطلالات مميزة، حتى لو كانت هذه المتطلبات في السابق تُعد رفاهية.
“الناس كانوا يقولون سابقاً: سأكون محظوظًا لو حصلت على شرفة صغيرة، أما الآن فيقولون: يجب أن أحصل عليها، وإلا لن أشتري”، يقول كوانز، مشيراً إلى تحوّل كبير في نظرة الناس نحو القيمة مقابل المال في سوق الشقق.
تراجع في نشاط البناء رغم زيادة المعروض
وفقًا لتقديرات مؤسسة الرهن العقاري والإسكان الكندية (CMHC)، من المتوقع أن يتباطأ بناء الشقق الجديدة هذا العام في أونتاريو، بسبب ضعف سوقي الإيجار وإعادة البيع، مما يضغط على الطلب الكلي في المشاريع قيد الإنشاء.
روبرت كافسيتش، كبير الاقتصاديين في بنك مونتريال، يرى أن تورنتو هي “الأسوأ أداءً” حاليًا بين أسواق الشقق في كندا. ويعزو ذلك إلى الانخفاض الحاد في نشاط المستثمرين – الذين شكلوا جزءاً كبيراً من عمليات الشراء خلال سنوات الوباء وحتى أوائل 2022 – بالإضافة إلى أن الشقق التي تم شراؤها على المخطط في تلك الفترة قد بدأت للتو في دخول السوق بعد اكتمال بنائها.
ويقول كافسيتش:
“المستثمرون اشتروا هذه الوحدات بهدف إعادة بيعها عند اكتمالها لتحقيق أرباح، لكنهم لم يعودوا قادرين على فعل ذلك في ظل هذه السوق الصعبة”.
مونتريال… الوجه الآخر للصورة
وعلى الطرف الآخر من المشهد، تبدو مونتريال أكثر إشراقاً. فقد ارتفعت مبيعات الشقق فيها بأكثر من 15% في مارس، وزادت بنسبة 17% في الربع الأول، بحسب مجلس العقارات في كيبيك.
ورغم ارتفاع الأسعار بنسبة 5% على أساس سنوي، لا تزال الأسعار في متناول شرائح واسعة، حيث يبلغ متوسط سعر الوحدة السكنية 420,000 دولار، مقارنة بـ682,000 دولار في تورنتو.
ويقول كافسيتش إن السوق في مونتريال لم يكن يوماً “محمومًا” كباقي المدن، بل احتفظ دومًا بقدر أكبر من الاستقرار والتوازن، ما جعله أكثر قدرة على التفاعل مع تخفيضات أسعار الفائدة الأخيرة.
كالجاري تستفيد من موجة النزوح من أونتاريو
وفي الغرب، تسجّل كالجاري أداءً جيدًا نسبيًا. وعلى الرغم من أن مبيعات الشقق هناك تراجعت بنسبة الثلث في مارس مقارنة بالعام الماضي، فإن إجمالي المبيعات خلال عام 2025 حتى الآن (1,383 وحدة) يظل أعلى بكثير من المعدلات التاريخية للربع الأول.
ويشير الخبراء إلى أن العديد من السكان يهاجرون من أونتاريو إلى مدن مثل كالجاري، هربًا من ارتفاع الأسعار واستفادةً من خيارات سكنية أكثر معقولية.
فانكوفر… في المنطقة الرمادية
أما فانكوفر، فتقع في منتصف الطريق بين تورنتو ومونتريال من حيث الأداء. فوفقًا للخبير الاقتصادي ريشي سوندي، فإن نسبة مبيعات الشقق إلى القوائم النشطة في تورنتو أقل بحوالي 60% من المعدلات الطويلة الأجل، فيما تصل هذه النسبة في فانكوفر إلى نصف ذلك فقط، ما يشير إلى أن العرض الزائد أكثر وضوحاً في تورنتو.
ورغم أن سوق فانكوفر يبدو أكثر تماسكًا، إلا أن هناك حذرًا واضحًا من المطورين العقاريين. فبحسب راندي رايلز، الوسيط في شركة Royal LePage Sterling Realty، فإن العديد من المطورين يؤجلون إطلاق مشاريع جديدة في ظل البيئة الاقتصادية غير المشجعة.
وقال رايلز: “الكثير منهم يحتفظ بمشاريعه على الرفوف أطول فترة ممكنة”.
ورغم أن متوسط سعر الشقق بلغ 767,300 دولار في مارس، بانخفاض طفيف بنسبة 0.9% على أساس سنوي، فإن مبيعات الشقق السكنية انخفضت بنسبة 10% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
رايلز أشار أيضاً إلى أن المشترين باتوا أكثر تروياً، وأن كثيرين يعتمدون على دعم “بنك الأم والأب” لتوفير الدفعة الأولى.
مخاوف مستقبلية… هل يتكرر سيناريو تورنتو؟
وفي تحذير لافت، تساءل رايلز عمّا إذا كانت فانكوفر قد تواجه نفس مصير تورنتو في المستقبل، خصوصًا في ظل تباطؤ البناء.
“الخبر السيئ هو أنه لا يتم بناء أي مشاريع جديدة”، يقول رايلز.
“وهذا يعني أنه بعد عامين أو ثلاثة، عندما يتعافى السوق، قد نجد أنفسنا في مأزق: طلب مرتفع لكن لا وجود لمنتجات جديدة في السوق.”
ماري جندي
المزيد
1