وسط مشهد سياسي كندي متقلّب، تزداد فيه تحركات الأحزاب ديناميكية واستعدادًا لانتخابات حاسمة، يترنح زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاجميت سينغ، بين مواقف متضاربة وقرارات مصيرية أثارت حيرة حلفائه وخصومه على حد سواء، بينما باتت شعبيته تتآكل بصورة مثيرة للقلق، لا سيما مع تصاعد احتمال خسارته حتى لمقعده البرلماني في دائرة برنابي-ساوث.
وفي مقابلة صحفية حديثة أجراها مع تورنتو ستار، أصر سينغ على أنه لم يكن في وارد الدفع نحو انتخابات مبكرة في عام 2024، مبررًا قراره بأنه كان ضرورة وطنية لمنع صعود حكومة محافظة بقيادة بيير بواليفير. وبرغم أن استطلاعات الرأي حينها كانت تُظهر تراجعًا واضحًا في شعبية الليبراليين، وتمكّن الحزب الديمقراطي الجديد من فرض بعض أولوياته عبر اتفاق العرض والثقة مع الحكومة، فإن سينغ فضّل الاستمرار في دعم الليبراليين، رافعًا شعار “مصلحة البلاد قبل الحزب”—وهو شعار لم يُقنع حتى أقرب حلفائه داخل الحزب.
بعد أن راهن على الليبراليين.. جاجميت سينغ يواجه أسوأ كوابيسه السياسية
وسط مشهد سياسي كندي متقلّب، تزداد فيه تحركات الأحزاب ديناميكية واستعدادًا لانتخابات حاسمة، يترنح زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاجميت سينغ، بين مواقف متضاربة وقرارات مصيرية أثارت حيرة حلفائه وخصومه على حد سواء، بينما باتت شعبيته تتآكل بصورة مثيرة للقلق، لا سيما مع تصاعد احتمال خسارته حتى لمقعده البرلماني في دائرة برنابي-ساوث.
وفي مقابلة صحفية حديثة أجراها مع تورنتو ستار، أصر سينغ على أنه لم يكن في وارد الدفع نحو انتخابات مبكرة في عام 2024، مبررًا قراره بأنه كان ضرورة وطنية لمنع صعود حكومة محافظة بقيادة بيير بواليفير. وبرغم أن استطلاعات الرأي حينها كانت تُظهر تراجعًا واضحًا في شعبية الليبراليين، وتمكّن الحزب الديمقراطي الجديد من فرض بعض أولوياته عبر اتفاق العرض والثقة مع الحكومة، فإن سينغ فضّل الاستمرار في دعم الليبراليين، رافعًا شعار “مصلحة البلاد قبل الحزب”—وهو شعار لم يُقنع حتى أقرب حلفائه داخل الحزب.
قال سينغ:
“صحيحٌ أننا كنّا قادرين على الفوز بعدد لا بأس به من المقاعد لو أجرينا الانتخابات في نهاية 2024، لكن ذلك كان سيمنح المحافظين الأغلبية، ولم أستطع تحمل هذه النتيجة.”
لكن المتابعين السياسيين يرون في هذا الموقف أكثر من مجرد حذر سياسي، بل هو تعبير عن تردد مزمن وتفويت لفرص تاريخية.
منذ بداية اتفاقه مع حكومة الأقلية الليبرالية، نجح سينغ في الضغط من أجل إطلاق برامج للرعاية الدوائية ورعاية الأسنان، وهما مشروعان لطالما تباهى بهما الحزب الديمقراطي الجديد. لكن مع تآكل شعبية الحزب، بدا أن تلك الإنجازات لم تكن كافية لإقناع الكنديين بجدوى دعم سينغ وحزبه، خاصة بعد إنهاء الاتفاق رسميًا في سبتمبر 2024، وتأكيده أن الحزب سيصوّت على اقتراحات حجب الثقة مستقبلاً “بناءً على كل حالة على حدة”. ومع ذلك، لم تترجم تلك الحرية البرلمانية إلى أي تحرّك جريء؛ إذ صوّت الحزب ضد ثلاث محاولات لسحب الثقة قدّمها المحافظون، ما أعاد تسليط الضوء على ارتهانه الضمني للليبراليين.
وفي الوقت الذي كان فيه زعماء الأحزاب الأخرى يعيدون صياغة استراتيجياتهم الانتخابية، كان سينغ يحاول تبرير تأجيل التصويت الوطني، مدّعيًا أنه لا يزال يؤمن بإمكانية حصد مكاسب مستقبلية رغم الظروف غير المواتية. غير أن استطلاعات الرأي رسمت صورة قاتمة؛ فبحسب بيانات مؤسسة 338 كندا، تراجعت نسبة التأييد للحزب الديمقراطي الجديد إلى 9% فقط، مقارنةً بـ 38% للمحافظين و42% لليبراليين، ما يشير إلى انهيار حاد مقارنة ببداية عام 2025 حين كان يحظى بدعم يقارب 19%.
الضربة الأكثر إيلامًا تمثلت في التوقعات الانتخابية الأخيرة: فالحزب الديمقراطي الجديد مرشح للفوز بسبعة مقاعد فقط—انهيار صادم بالمقارنة مع 25 مقعدًا حصدها عام 2021. وللمرة الأولى منذ عقود، يبدو الحزب على وشك فقدان صفته الرسمية في البرلمان، والتي تتطلب الفوز بـ12 مقعدًا على الأقل. أما سينغ نفسه، فبات مهددًا بخسارة مقعده في برنابي-ساوث، ما سيشكّل نهاية مُذلّة لمسيرته السياسية.
ووسط هذا التراجع، ظهر عامل مفاجئ ساعد على انتعاش مؤقت لشعبية الليبراليين: التصعيد الاقتصادي الذي قاده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرضه رسومًا جمركية على كندا، إلى جانب تصريحاته المتكررة حول إمكانية ضم كندا للولايات المتحدة كولاية رقم 51، ما دفع الكنديين للتكاتف دفاعًا عن السيادة الكندية، وهو ما صب في مصلحة الليبراليين فجأة. واعترف سينغ في المقابلة أنه لم يتوقع أبدًا أن تُعيد سياسات ترامب الحياة إلى الليبراليين.
لكن المفارقة الأبرز جاءت في تذبذب خطابه السياسي؛ ففي حين أعلن سابقًا عزمه على الترشح لمنصب رئيس الوزراء، عاد لاحقًا ليؤكد أن تركيزه سينصب على “محاسبة الليبراليين في البرلمان” بدلًا من السعي للحكم. وقد نشر مؤخرًا منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 25 أبريل، حذر فيه الكنديين من منح مارك كارني “كل السلطة”، مدعيًا أن الليبراليين، إن تُركوا بلا رقيب، “سيتجاهلون العمال” وسيتجهون إلى خفض ميزانيات الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية—وهو خطاب يبدو أقرب لمحاولة يائسة لاستعادة ثقة القواعد التقليدية لحزبه.
اللافت أن سينغ، في خضم كل هذه الانتقادات، لم يقدّم بدائل واضحة أو خريطة طريق تُعيد الثقة في قيادة حزبه. بل على العكس، بدا كأنه يدور في حلقة مفرغة من التبريرات، بينما يتقدّم خصومه بخطى ثابتة نحو معركة انتخابية حاسمة.
وهكذا، يقف جاجميت سينغ اليوم على حافة الهاوية السياسية؛ زعيمٌ كان يُنظر إليه يومًا كأمل اليسار التقدمي، بات يترنّح بين مقعدٍ مهدد بالخسارة، وحزبٍ يُصارع من أجل البقاء، ورسالةٍ سياسية فقدت بريقها أمام واقع انتخابي لا يرحم. والنتيجة؟ خيبة كبرى تُضاف إلى سجل زعيمٍ لم يُحسن قراءة اللحظة التاريخية، وربما أضاع فرصة التغيير الحقيقي.
ماري جندي
1