أنا أم، وعندما أقول ذلك، لا أتحدث عن مجرد لقب، بل عن هوية كانت تمثلني وتحدد من أكون. كنت أعيش حياتي بكل حب وأمل، على يقين من أنني في نهاية كل يوم، سأكون تلك الأم التي تعتني بأطفالها وتدعمهم في كل خطوة. لكن اليوم، كل شيء أصبح مختلفًا. كل شيء تم تمزيقه على يد أيديولوجية غيرت كل شيء، بما في ذلك ما كنت أعرفه عن هويتي كأم.
أنا أم، وعندما أقول ذلك، لا أتحدث عن مجرد لقب، بل عن هوية كانت تمثلني وتحدد من أكون. كنت أعيش حياتي بكل حب وأمل، على يقين من أنني في نهاية كل يوم، سأكون تلك الأم التي تعتني بأطفالها وتدعمهم في كل خطوة. لكن اليوم، كل شيء أصبح مختلفًا. كل شيء تم تمزيقه على يد أيديولوجية غيرت كل شيء، بما في ذلك ما كنت أعرفه عن هويتي كأم.
اللحظة التي بدأ فيها كل شيء يتبدل
أتذكر اليوم الذي أخبرتني فيه ابنتي، وهي في مرحلة المراهقة، بأنها تشعر بأنها ليست “فتاة” وأنها قد تكون “صبيًا”. كان ذلك صدمة لي. لم أكن أعرف كيف أتعامل مع ذلك. لم أكن أظن أبدًا أنني سأجد نفسي في هذا الموقف. كيف لأم أن تجد نفسها في مواجهة واقع جديد يتحدى كل ما كانت تعتقده؟ كيف يمكنني دعم ابنتي في شيء لا أستطيع أن أفهمه أو أقبل به بسهولة؟
الآلام النفسية: كأنني أفقد طفلي
كان من الصعب أن أرى ابنتي تتغير بهذه السرعة. ليس فقط من خلال أسلوب حياتها، ولكن أيضًا من خلال جسدها. جسدها الذي كنت أعرفه جيدًا، أصبح غريبًا. فقد كنت أرى شيئًا كان لي وما زال جزءًا مني، يتحول إلى شيء آخر. لم أعد أراها كما كانت، لم أعد أعرفها. بدأنا نعيش في عالم مليء بالتحولات الجذرية التي لا أعرف كيف أواجهها.
كلما حاولت أن أتحدث مع الآخرين عن شعوري، كانوا ينظرون إلي وكأنني لا أفهم شيئًا. كانوا يصفونني بالمتحجرة أو القديمة. لكن كيف يمكنني أن أتخلى عن حقيقة أن ابنتي هي ابنتي؟ كيف يمكنني أن أقبل فكرة أنني يجب أن أنكر وجودها كما عرفتها وأحببتها؟
الصراع بين الأمومة والواقع الجديد
مع مرور الوقت، بدأت أشعر بأنني أفقد مكانتي كأم. فقد أصبح من الصعب أن أكون تلك الأم التي كنت أعرفها. في المناسبات العائلية، عندما كان يسألني الناس عن أبنائي، كنت أضطر إلى تقديم إجابة تحمل في طياتها كذبة صغيرة. لم أعد قادرة على قول “ابنتي”، لأن الجميع كانوا يتوقعون مني أن أقول “ابني”. كنت أشعر وكأنني أخون نفسي في كل مرة كنت أقول هذا.
كنت أرى نفسي أضيع تدريجيًا، كنت أعتقد أنني سأظل دائمًا تلك الأم الممكّنة التي يعرفها الجميع، لكنني اليوم شعرت أنني أصبحت غريبة. كلما تحدثت عن مشاعري تجاه ما يحدث، كان يُنظر إلي كأني عائق أو أنني لا أواكب “العصر الحديث”. لكن لم يكن أحد يعلم كم هو مؤلم أن أرى ابنتي تتغير بهذه الطريقة، وأنني لا أستطيع فعل شيء.
الحنين إلى الأيام الماضية: حين كانت الأمور بسيطة
أفتقد الأوقات التي كان فيها كل شيء واضحًا. كان لدي ابنة، وأنا كنت الأم، وكانت هذه هي المعادلة البسيطة والمريحة. كان لدينا وقت للأحاديث العادية، للضحك، للذكريات التي ستظل معنا إلى الأبد. الآن، كل شيء أصبح معقدًا. أصبحت العلاقة مع ابنتي أكثر صعوبة، لأننا لم نعد نتفق على أشياء كانت في يوم من الأيام واضحة للغاية.
كلما تذكرت الأيام التي كنا فيها نذهب للتسوق معًا، أو نشاهد الأفلام، أو حتى نتشارك الملابس والمجوهرات، شعرت بأن تلك الأيام قد تلاشت. واليوم، أصبح كل شيء محاطًا بالشكوك والتساؤلات. هل هي ابنتي؟ هل أستطيع أن أدعوها كما كنت أفعل؟ هل سيكون بإمكاني أن أحبها بالطريقة نفسها التي أحببتها بها منذ أن كانت صغيرة؟
ألم لا يُحتمل: عندما تصبح الصمت خيارًا
كانت اللحظات الأكثر وجعًا هي تلك التي كنت أختار فيها الصمت. عندما كنت أشاهد نظرات العائلة والأصدقاء الذين كانوا يتحدثون عن “ابني” دون أن أعرف كيف أتعامل مع هذه الكلمة. كنت أستمع إلى حديثهم وأبتسم، ولكن في أعماقي كنت أتألم بشدة. كيف يمكنني أن أكون صادقة مع نفسي وأنا أعيش في عالم يدفعني إلى كتمان مشاعري الحقيقية؟ كيف يمكنني أن أكون أمًا بينما يُطلب مني أن أخفي حقيقة ابنتي؟
في النهاية، أصبح الصمت ملاذي الوحيد. عندما سألوني عن ابنتي، كنت أتجنب الإجابة، كنت أخشى أن يواجهوني بمزيد من الأسئلة التي لا أستطيع الإجابة عليها. أصبحت الحياة مزيجًا من القلق والحزن، وبينما كنت أتمنى أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه، كنت أعرف في أعماقي أنني ربما لن أستطيع أن أسترجع تلك الأيام البسيطة أبدًا.
نهاية مؤلمة: كيف تنتهي الحكاية؟
اليوم، وأنا أقف في هذه اللحظة، أرى أنني لا أزال في صراع مستمر. ليس فقط مع العالم الذي يتغير من حولي، ولكن مع نفسي أيضًا. كيف يمكنني أن أكون الأم التي أريد أن أكونها عندما يُطلب مني أن أغير كل شيء في حياتي؟ كيف يمكنني أن أقبل التغيير عندما لا أستطيع أن أقبل فقدان من كنت؟
أريد أن أظل قوية من أجل ابنتي، لكنني لا أستطيع أن أتجاهل الألم الذي في داخلي. لا أستطيع أن أنكر أنني فقدت جزءًا من نفسي مع كل تغيير يحدث. وفي كل مرة أسأل نفسي: هل سأظل أستطيع أن أحبها كما أحببتها من قبل؟
ماري جندي
المزيد
1