في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، طالبت لجنة تابعة للأمم المتحدة الحكومة الكندية بوقف العمل بما يُعرف بـ”المسار الثاني” من برنامج المساعدة الطبية في الموت (MAID)، والذي يتيح للأشخاص المصابين بأمراض جسدية مزمنة غير مميتة، طلب إنهاء حياتهم بمساعدة طبية. جاء هذا المطلب ضمن تقرير حديث قُدّم في اجتماع للجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة.
في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، طالبت لجنة تابعة للأمم المتحدة الحكومة الكندية بوقف العمل بما يُعرف بـ”المسار الثاني” من برنامج المساعدة الطبية في الموت (MAID)، والذي يتيح للأشخاص المصابين بأمراض جسدية مزمنة غير مميتة، طلب إنهاء حياتهم بمساعدة طبية. جاء هذا المطلب ضمن تقرير حديث قُدّم في اجتماع للجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة.
انتقادات دولية حادة: ما الذي يحدث في كندا؟
أكد التقرير أن تقديم الموت بمساعدة طبية لا يجب أن يكون بديلاً عن توفير الرعاية الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة. بل اعتبر أن كثيرًا من حالات طلب الموت تنبع من فشل الحكومة الكندية في تأمين الاحتياجات الأساسية لهؤلاء الأفراد، مثل السكن، والرعاية الصحية، والدعم النفسي والاجتماعي، وفرص العمل. وأضاف أن الفقر والتهميش ونقص الخدمات كلها عوامل تدفع البعض إلى اتخاذ هذا القرار الصعب، لا لأنهم يريدون الموت، بل لأنهم لا يجدون سواه خيارًا متاحًا.
ولم يخفِ التقرير قلق اللجنة العميق بشأن توسّع كندا في قوانين المساعدة الطبية في الموت منذ عام 2021، حين تم تعديلها لتشمل الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة غير مميتة. هذه التوسعة، رغم أنها لم تشكل سوى 4% فقط من إجمالي 15,323 حالة مسجلة ضمن المسارين (1 و2) في عام 2023، إلا أنها أثارت جدلاً أخلاقيًا واسعًا داخل كندا وخارجها.
أصوات من الداخل: دعم غائب وموت حاضر
شارلوت آن ماليشيوسكي، رئيسة اللجنة الكندية لحقوق الإنسان، قدّمت شهادة قوية أمام لجنة الأمم المتحدة، مؤكدة أن كثيرًا من الأشخاص ذوي الإعاقة في كندا لا يحصلون على أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية. وعبّرت عن أسفها العميق بقولها:
“بعض الأشخاص ذوي الإعاقة يلجأون إلى الموت بمساعدة طبية لأنهم يشعرون ببساطة أنه لا خيارات أخرى أمامهم، وهذا أمر مرعب.”
“لا نقدّم الموت، بل يجب أن نقدّم الدعم”
هذا ما شددت عليه البروفيسورة إيزابيل غرانت، أستاذة القانون الجنائي في جامعة كولومبيا البريطانية، والتي لعبت دورًا بارزًا في تقديم مذكرة احتجاجية إلى الأمم المتحدة نيابةً عن “التحالف النسوي للعمل الدولي”. واعتبرت غرانت أن المسار الثاني في برنامج المساعدة الطبية ينبني على تصور خطير وهو أن “الموت خيار أفضل من الحياة” بالنسبة لذوي الإعاقة.
وأوضحت غرانت في تصريحاتها:
“عندما يريد أي شخص آخر الموت، فإننا نقدم له الوقاية من الانتحار والدعم النفسي. لا نعرض عليه الموت كحل. فلماذا نعرضه على ذوي الإعاقة؟”
وأكدت أن هذه الفئة، والتي تعاني أصلًا من تمييز اجتماعي واقتصادي واضح، لا تُمنح الأدوات لتخفيف معاناتها، بل تُعرض عليها نهاية الحياة كحل وحيد.
النساء ذوات الإعاقة: الفئة الأكثر هشاشة
وأشارت المذكرة التي قُدمت إلى لجنة الأمم المتحدة أن النساء، لا سيما المسنات من ذوات الإعاقة، يمثلن أكثر من نصف حالات المسار الثاني. وفسّرت غرانت ذلك بقولها إن هؤلاء النساء يواجهن طبقات متداخلة من التمييز، تشمل العنف، والفقر، والعزلة، وقلة الوصول إلى الرعاية الصحية والخدمات.
وقالت بوضوح:
“شعور هؤلاء النساء بعدم وجود مخرج من معاناتهن يؤدي بهن إلى اللجوء للمساعدة الطبية في الموت، رغم أن ما يحتجن إليه فعلاً هو دعم ورعاية حقيقية.”
أين الرقابة؟ غياب فاضح للمساءلة
أحد الجوانب المثيرة للقلق، كما ترى غرانت، هو غياب الرقابة الفيدرالية على برنامج المساعدة الطبية في الموت. فالتقارير، كما تشير، تقتصر غالبًا على ملء بعض الخانات الإدارية في نماذج تُرسل للحكومة بعد الوفاة، دون وجود مراجعة مستقلة حقيقية، أو تدخل قبل وقوع قرار الإنهاء.
رد كندي رسمي: نحمي الحياة.. ونحترم القرار
رغم الانتقادات، فإن الحكومة الكندية لم تبدِ أي نية لإلغاء المسار الثاني. وقال متحدث باسم وزارة الصحة الكندية في بيان لـ CTVNews.ca إن الإطار القانوني للمساعدة الطبية في الموت صُمّم مع ضمانات مشددة تهدف إلى حماية كرامة الإنسان، والتأكد من أن أي قرار يتم اتخاذه يخضع لشروط صارمة.
وأكد البيان أن الأشخاص المؤهلين للمسار الثاني يُعرض عليهم أولًا مجموعة من البدائل لتخفيف المعاناة، تشمل الدعم النفسي، والرعاية التلطيفية، وخدمات المجتمع، والمساعدات الخاصة بالإعاقة.
كما أوضح أن الحكومة الكندية تدرس التوصيات التي قدّمتها لجنة الأمم المتحدة وسترد عليها بشكل رسمي بعد مراجعة شاملة.
قضية معقدة: ما بين الحقوق والمخاوف
الدكتور جيمس داونار، أستاذ الرعاية التلطيفية في جامعة أوتاوا، أوضح أن اعتماد المسار الثاني جاء نتيجة لقضية دستورية رفعها شخصان من ذوي الإعاقة، مطالبَين بالحق في الحصول على المساعدة الطبية في الموت أسوةً بغيرهم.
ويقول داونار إن القانون لا يمنح أي امتيازات خاصة، فذوو الإعاقة لا يمكنهم التقدم بطلب للمساعدة الطبية إلا إذا استوفوا جميع المعايير الصارمة المعتمدة، والتي لا تنطبق على الغالبية العظمى منهم.
وأشار إلى أن إلغاء القانون بشكل كلي قد يؤدي إلى خلق ظلم من نوع جديد، إذ يُحرم بعض الأفراد من حق دستوري حصلوا عليه عبر معركة قانونية طويلة.
ما الحل؟ دعم قبل النقاش حول الموت
في ختام تصريحاته، أشار داونار إلى أن النقاش الحقيقي لا يجب أن يتركز فقط على وجود المسار الثاني أو غيابه، بل على الأسباب العميقة التي تدفع الأشخاص إليه: الفقر، العزلة، نقص الدعم، ضعف خدمات الرعاية.
وقال بوضوح:
“إذا كانت الحجة هي ضرورة الاستثمار في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتحسين دخلهم وضمان سكنهم واستقرارهم الصحي، فهذه حجة ممتازة. يجب أن نقوم بكل ذلك ليس لنمنع الموت الرحيم فقط، بل لأنه ببساطة هو الشيء الصحيح إنسانيًا وأخلاقيًا.”
يذكر أن تشجيع الأشخاص على اختيار الموت بمساعدة طبية بدلاً من تقديم الدعم والعلاج المناسب يعد بمثابة فشل ذريع من الدولة في الوفاء بمسؤولياتها الأساسية تجاه مواطنيها. بدلاً من توفير الرعاية الصحية الضرورية، والخدمات النفسية، والدعم الاجتماعي، تجد الحكومة الكندية نفسها تُسهم في دفع الأفراد إلى اتخاذ قرار الموت كحل بديل لمعاناتهم. هذا لا يعكس فحسب عجز البلاد في مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية، بل يشير أيضًا إلى تقاعسها عن تلبية احتياجات ذوي الإعاقة وتوفير الحياة الكريمة التي يستحقونها. بدلاً من أن تكون هناك أنظمة رعاية شاملة تهتم بصحة الأفراد وتعالج آلامهم الجسدية والنفسية، نجد أن الخيارات المتاحة تقتصر على الموت، مما يخلق شعورًا بالعجز وغياب الأمل في الحياة.
ماري جندي
المزيد
1