بينما تتجه الأنظار إلى الانتخابات الفيدرالية المقبلة، يبرز عنصر مفصلي قد يُحدث فارقًا حاسمًا في نتائجها: الناخبون الشباب، وتحديدًا جيل الألفية وجيل زد. هؤلاء الذين طالما وُصفوا بأنهم غير مبالين سياسيًا، يملكون اليوم قوة تصويتية قادرة على تحديد ملامح الحكومة القادمة، بشرط أن يستخدموا هذه القوة ويشاركوا في التصويت.
بينما تتجه الأنظار إلى الانتخابات الفيدرالية المقبلة، يبرز عنصر مفصلي قد يُحدث فارقًا حاسمًا في نتائجها: الناخبون الشباب، وتحديدًا جيل الألفية وجيل زد. هؤلاء الذين طالما وُصفوا بأنهم غير مبالين سياسيًا، يملكون اليوم قوة تصويتية قادرة على تحديد ملامح الحكومة القادمة، بشرط أن يستخدموا هذه القوة ويشاركوا في التصويت.
جيل Z يدخل ساحة التأثير السياسي
منظمة “نيو ماجوريتي” (New Majority)، وهي مؤسسة وطنية غير حزبية، تسعى حثيثًا لضمان ألا تمر هذه الفرصة مرور الكرام. وتعمل حاليًا على تحفيز الشباب الكندي – وخاصة طلاب الجامعات والكليات – على المشاركة الفعالة في التصويت. ويبدو أن الوقت مثالي لذلك، فقد تم فتح مراكز التصويت المبكر في الحرم الجامعي، وستظل متاحة حتى يوم الأربعاء.
تقول أماندا مونداي، المديرة التنفيذية للمنظمة، بلهجة مليئة بالحماس:
“لطالما كان جيل طفرة المواليد هو الكتلة الانتخابية الأكبر، لكن الآن هناك تحوّل واضح. البيانات الإحصائية تؤكد أن جيل الألفية (1981–1996) وجيل زد (1997–2012) يشكلون الأغلبية بين الناخبين المؤهلين. لديهم القدرة الفعلية على تغيير المسار السياسي لهذا البلد”.
لكن، هل سيصوتون فعلاً؟
الإحصائيات السابقة تعطي لمحة مثيرة للقلق. ففي الانتخابات الفيدرالية الأخيرة، شارك فقط 47% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، وهي نسبة أقل من 54% التي سُجّلت في عام 2019. والسبب؟ تقول مونداي إن إلغاء التصويت داخل الجامعات بسبب جائحة كوفيد-19 كان له الأثر الكبير في ذلك.
لكن الوضع تغيّر. فمع عودة التصويت المبكر داخل الحرم الجامعي هذا العام، تتوقع مونداي ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة المشاركة بين الشباب. تقول بثقة:
“لدينا فرصة قوية الآن لرفع نسبة الإقبال. قد لا نصل إلى قفزة كبيرة جدًا، ولكن زيادة بنسبة 5% تبدو واقعية، وربما نطمح لأكثر من ذلك”.
الطريق إلى صناديق الاقتراع: إزالة الحواجز النفسية والمعلوماتية
رغم الصورة النمطية التي تصف الشباب بأنهم غير مهتمين، ترى مونداي أن هذا الاعتقاد لا يعكس الواقع، وتصفه بالخرافة.
“المشكلة الحقيقية ليست في اللامبالاة، بل في الحواجز. كثير من الشباب لا يعرفون ببساطة كيف يصوتون، أو إن كانوا مؤهلين، أو ما هي الخطوات المطلوبة”.
خصوصًا أولئك الذين يدرسون في مقاطعة غير التي نشأوا فيها، ويعيشون في مساكن طلابية، حيث يُتاح لهم قانونيًا التصويت في إما منطقتهم الأصلية أو الجامعية – وهو أمر قد يكون محيّرًا للبعض دون توجيه.
ولهذا تعتمد منظمة “نيو ماجوريتي” على التفاعل المباشر، وجهًا لوجه. حيث يتنقل أعضاء الفريق بين الجامعات، يتحدثون إلى الطلاب، يجيبون على أسئلتهم، يشرحون لهم كيفية التصويت، ويزيلون عنهم رهبة التجربة الأولى.
“نحن لا نستخدم لهجة واعظة أو متعالية. لا نُشعرهم بالخزي لعدم تصويتهم سابقًا. بل نقول لهم: ’هيّا، نحن نعلم أن الأمر جديد عليك، ونحن هنا لمساعدتك حتى يكون الأمر سهلًا وطبيعيًا‘”، تضيف مونداي.
هل تكفي الحملات الرقمية؟
قد يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على تحفيز الشباب، لكن مونداي ترى أن لها حدودًا. فحتى لو شاهد الطالب 15 منشورًا حول الانتخابات على إنستغرام أو تيك توك، فإن ذلك لن يدفعه بالضرورة إلى النهوض والتوجه لصندوق الاقتراع، خاصةً إذا كان يشعر بالحيرة أو القلق من خطوات التصويت.
وتزداد الأمور تعقيدًا في ظل منع بعض المنصات لمشاركة الروابط الإخبارية، مما يصعّب على الشباب الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة عن الانتخابات.
ما القضايا التي تهم الشباب فعلًا؟
عند الحديث عن اهتمامات الشباب الانتخابية، لا تتردد مونداي في الإجابة:
تكاليف المعيشة: الرسوم الدراسية، الإيجار، العمل الصيفي – هذه هي الأولويات القصوى.
الصحة النفسية: موضوع متزايد الأهمية لدى الجيل الجديد.
تغير المناخ: ما زال ملف البيئة على رأس أولوياتهم.
سيادة كندا: وهنا المفاجأة الجديدة.
فقد أصبح موضوع السيادة الكندية أكثر حضورًا، لا سيما بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي ألمح فيها إلى “رغبته” في ضم كندا لتكون الولاية الـ51. وبحسب مونداي، لم يكن لدى فريقها نصوص جاهزة للتعامل مع هذه الفكرة، واضطروا لإعداد محتوى خاص لها بسبب كثرة الأسئلة التي تلقوها من الطلاب بشأنها.
“حتى الحديث عن السيادة الوطنية لم يكن في حساباتنا. لكن الشباب باتوا يشعرون بقلق حقيقي تجاه هذه التهديدات. وهذا يعكس مدى تطور وعيهم السياسي”، تقول مونداي.
حاجز آخر: لغة الخطاب السياسي
يرى العديد من الشباب أن وعود الأحزاب السياسية لا تُترجم إلى واقعهم، حتى إن وُجدت حلول لبعض مشكلاتهم. وغالبًا، ما تكون العلة في اللغة، لا في المضمون.
توضح مونداي:
“حين نعرض عليهم برامج الأحزاب، يقولون: ’أرى الوعود، وأفهم أن هناك حلولاً، لكن هذه ليست اللغة التي نتحدث بها، ولا هي انعكاس مباشر لحياتنا اليومية‘”.
ولذلك، يسعى فريقها لتوصيل رسالة أساسية:
“أنتَ اليوم تنتمي إلى أكبر كتلة تصويتية في البلاد. لم يعد بإمكان أي سياسي تجاهلك. صوتك يمكن أن يُغيّر كل شيء.”
دعوة للتصويت بروح جماعية
من ضمن الأساليب التي تستخدمها المنظمة، الدعوة للتصويت بطريقة تشاركية. فهم لا يطلبون فقط من الشباب التوجه لصناديق الاقتراع، بل يدعونهم لذلك بروح مجتمعية، كأنها مغامرة جماعية ستجعلهم يشعرون بالرضا.
تقول مونداي:
“نقول لهم: تعالوا معنا. لنذهب الآن سويًا إلى مركز الاقتراع. ستشعرون أنكم فعلتم شيئًا حقيقيًا لأجل القضايا التي تهمكم. شيء سيمنحكم إحساسًا بالرضا طوال الحملة الانتخابية”.
مَن سيحصد أصوات الشباب؟
بحسب آخر استطلاع أجرته مؤسسة “نانوس” للأبحاث، فإن المنافسة حامية الوطيس بين حزب المحافظين بقيادة بيير بويليفيري وحزب الليبراليين بقيادة مارك كارني:
41% من الناخبين بين 18 و34 عامًا يفضلون حزب المحافظين
37% يخططون للتصويت لصالح الليبراليين
وهذا يُظهر بوضوح أن فئة الشباب لا يمكن الاستهانة بها – لا كمجرد أرقام، بل كقوة فعلية قادرة على قلب المعادلة السياسية في كندا.
ماري جندي
المزيد
1