في تطور لافت في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس بجدية إمكانية تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، ولكن ذلك مشروط بالتزام الحكومة السورية الجديدة بجملة من المطالب الأميركية، وعلى رأسها التعاون في مكافحة الإرهاب.
في تطور لافت في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس بجدية إمكانية تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، ولكن ذلك مشروط بالتزام الحكومة السورية الجديدة بجملة من المطالب الأميركية، وعلى رأسها التعاون في مكافحة الإرهاب.
موقف حذر من الحكومة الإسلامية الجديدة
ووفقًا لما أوردته الصحيفة الأميركية المرموقة، فإن الإدارة الأميركية تنتهج سياسة “العصا والجزرة” تجاه الحكومة السورية التي يقودها الإسلاميون حاليًا، حيث لوّحت واشنطن بتخفيف محدود للعقوبات إذا ما استجابت دمشق لمطالب محددة. من بين هذه المطالب، قمع الجماعات المتطرفة، وطرد الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تتخذ من الأراضي السورية قاعدة لأنشطتها منذ عقود.
وبحسب مصادر الصحيفة، فإن البيت الأبيض أصدر توجيهات سياسية جديدة تطالب الحكومة السورية الانتقالية باتخاذ خطوات جادة لضمان السيطرة على ترسانة البلاد من الأسلحة الكيميائية، وهي إحدى القضايا الحساسة التي لطالما كانت مصدر قلق للغرب.
تفصيل في الشروط والمطالب
كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن إدارة ترامب على استعداد للنظر في إعادة تفعيل بعض الإعفاءات المحدودة من العقوبات التي كانت إدارة بايدن قد أقرتها بهدف تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري، شرط التزام الحكومة الجديدة بخريطة الطريق التي وضعتها واشنطن.
من بين الشروط الأخرى التي وردت في التوجيهات الأميركية:
التعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتأمين ما تبقى من مخزون الأسلحة الكيميائية في البلاد.
تأمين المواد النووية، وعلى رأسها اليورانيوم عالي التخصيب.
تعيين ضابط اتصال مختص للمساعدة في الكشف عن مصير 14 أميركياً مفقوداً داخل الأراضي السورية.
إصدار بيان رسمي من الحكومة السورية يدين الجماعات الجهادية، ويوضح موقفها من الإرهاب بشكل علني لا يقبل اللبس.
منع الفصائل الفلسطينية المسلحة من ممارسة أي نشاط داخل البلاد، بما في ذلك جمع الأموال، مع طرد عناصرها من سوريا نهائياً.
وتدرك واشنطن أن هذا الشرط الأخير قد يُحدث توتراً داخليًا، نظرًا لحساسية وضع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا منذ عام 1948، ولكنها تصر على أنه شرط لا بد منه لإعادة العلاقات السياسية والاقتصادية.
روسيا خارج المعادلة.. مؤقتًا
أحد الجوانب اللافتة في تقرير وول ستريت جورنال هو غياب أي ذكر لروسيا، الحليف التقليدي للنظام السوري السابق، في السياسة الأميركية الجديدة. واعتبرت الصحيفة أن هذا التجاهل مؤقت ويأتي في سياق تفاوض أميركي–روسي أوسع بشأن الحرب في أوكرانيا.
فقد خفَّ الضغط الذي كانت إدارة بايدن تمارسه سابقًا على دمشق لإجبارها على إنهاء الوجود العسكري الروسي، ما يُعدّ تغيّرًا تكتيكيًا في الموقف الأميركي، ربما لإفساح المجال لمفاوضات أكثر شمولًا على الجبهات الدولية الأخرى.
موقف غامض من واشنطن.. ولكن الملامح تتشكل
ورغم أن السياسة الأميركية الجديدة لا تعترف رسميًا بالحكومة السورية الحالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، إلا أن مسؤولًا في وزارة الخارجية أوضح أن “الولايات المتحدة لا تعترف بأي كيان كحكومة سورية في الوقت الراهن”، وأضافت المتحدثة باسم الخارجية: “على السلطات المؤقتة في سوريا أن تنبذ الإرهاب بشكل كامل وواضح”.
جدير بالذكر أن إدارة بايدن كانت قد أدرجت “هيئة تحرير الشام” على قائمة المنظمات الإرهابية، ما يترك قرار مستقبل هذه الجماعة وزعيمها أحمد الشرع بيد إدارة ترامب التي قد تعتمد أسلوبًا مختلفًا، خصوصًا بعد تصريحات من شخصيات نافذة داخل الإدارة تشير إلى تغيّر في رؤية الشرع.
تقليص الحضور العسكري الأميركي في سوريا
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن نيتها خفض عدد القوات الأميركية في سوريا من قرابة 2000 جندي إلى النصف، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وأكد مسؤولون دفاعيون أن تلك الخطوة تأتي في إطار مراجعة أوسع للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، قد تُفضي لاحقًا إلى انسحابات إضافية بحلول الصيف.
وكانت مهمة هذه القوات هي الحيلولة دون عودة تنظيم داعش إلى الواجهة، ومنع سوريا من أن تتحول مجددًا إلى ملاذ للجماعات المتطرفة.
في هذا الإطار، صرّح المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف قائلاً: “الرئيس الشرع لم يعد كما كان في السابق.. الناس يتغيرون”، وهو تصريح يعكس نوعًا من التمهيد لتغيير محتمل في الموقف الأميركي الرسمي من الحكومة السورية الجديدة.
تغيّر الصورة الدولية للرئيس الشرع
وبحسب التقرير، فإن الرئيس أحمد الشرع عمل على مدار السنوات الماضية على تحسين صورته أمام المجتمع الدولي. فقد اتخذ خطوات ملموسة في محاربة تنظيم داعش، وسعى لمنع أي هجمات خارجية تنطلق من الأراضي السورية.
كما عمل على تشكيل حكومة جديدة ضمت وزارات رئيسية بيد الإسلاميين، لكنها أيضًا شملت شخصيات من الأقليات وممثلين عن المجتمع المدني، في محاولة لتقديم صورة لحكم أكثر شمولية وتنوعًا.
وقد وعدت الحكومة السورية الجديدة بتجنّب الدخول في أي صراع مع إسرائيل، وهو عنصر أساسي في طمأنة الغرب وكسب القبول الإقليمي والدولي.
الاقتصاد السوري.. بين الركام والعقوبات
رغم هذه الخطوات، إلا أن الشرع يواجه تحديات جسيمة، أبرزها الوضع الاقتصادي المنهار والبنية التحتية المدمّرة بعد سنوات من الحرب. فقد أسفرت الحرب عن دمار واسع، خاصة بعد أن دعمت روسيا وإيران النظام السابق في حملاته العسكرية ضد الشعب السوري.
ويظل ملف العقوبات الاقتصادية حجر عثرة في طريق إعادة إعمار البلاد. فبدون رفع العقوبات الأميركية، لا تستطيع الحكومة الجديدة تمويل مشاريع إعادة البناء أو تأمين رواتب موظفي الدولة، ما يجعل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم أمرًا بالغ الصعوبة.
وفي حين خفف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعض العقوبات خلال الأشهر الماضية، فإن غياب الدعم الأميركي والوصول إلى النظام المالي العالمي يظل العائق الأكبر.
وفي هذا السياق، أكدت ناتاشا هول، الباحثة البارزة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: “هناك حاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة لتأمين البلاد، ناهيك عن إطلاق أي عملية تنموية حقيقية. الوقت ينفد”.
نحو سياسة جديدة مشروطة
في ختام التقرير، تشير وول ستريت جورنال إلى أن الولايات المتحدة، في حال التزام الحكومة السورية الجديدة بجميع الشروط الموضحة، قد تُبدي استعدادًا علنيًا لاحترام وحدة الأراضي السورية، والنظر في استئناف العلاقات الدبلوماسية، بل وربما شطب بعض أعضاء الحكومة من قوائم الإرهاب.
كما أن إدارة ترامب قد تنظر في تمديد الإعفاءات التي أصدرتها إدارة بايدن في يناير الماضي، والتي سمحت لمنظمات الإغاثة وشركات الطاقة بإرسال المساعدات الأساسية، من كهرباء ونفط وغاز، إلى داخل سوريا.
ماري جندي
المزيد
1