غالبًا ما تُعتبر كندا منارة أمل للأفراد الباحثين عن حياة أفضل، حيث تجذب مهاجرين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم أولئك الفارين من الطغيان، والاضطهاد السياسي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغيرها من الظروف المأساوية. على سبيل المثال، دفعت أحداث “الربيع العربي” العديد إلى مغادرة أوطانهم بحثًا عن الاستقرار والفرص.
رغم أن سياسة الهجرة الكندية تسعى بشكل يُحسد عليه لتحقيق التوازن بين المساعدات الإنسانية واحتياجات سوق العمل الاقتصادية، إلا أنها تغفل عن عامل حاسم: مدى توافق قيم المهاجرين مع المبادئ الغربية الأساسية.
هذا المعيار المفقود—وهو موقف المهاجر تجاه القيم الغربية—ضروري جدًا. ففي عالم يزداد انقسامًا بسبب الأيديولوجيات المتنافسة، من المهم أن تضمن كندا أن الوافدين الجدد يتشاركون أو على الأقل منفتحون على المبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والأعراف الاجتماعية التي تُعتبر أساس المجتمع الكندي. إن الفشل في معالجة هذه الفجوة قد يؤدي إلى تحديات اجتماعية وأمنية على المدى الطويل.
تسلط الأحداث الأخيرة الضوء على مخاطر إهمال هذه المسألة. فقد شهدت مظاهرات في مدن كندية هتافات مثل “الموت لكندا”، “الموت لإسرائيل”، و”الموت لأمريكا”. هذه الحوادث لم تكن معزولة. فعلى سبيل المثال، أثارت احتجاجات في تورونتو ومونتريال أواخر عام 2023 انتباهًا بسبب خطابها التحريضي ومظاهر الكراهية، والتي شارك فيها بعض الأفراد من خلفيات مهاجرة. وتضخم وسائل التواصل الاجتماعي هذا الشعور، حيث ينشر بعض المستفيدين من كرم كندا دعوات علنية لتفكيك القيم الغربية.
المشكلة ليست فريدة من نوعها لكندا. فالدول الأوروبية تقدم أمثلة تحذيرية. واجهت دول مثل فرنسا، ألمانيا، والسويد تحديات كبيرة في دمج بعض فئات المهاجرين. في بعض الحالات، أدت الصراعات الثقافية والأيديولوجية إلى مجتمعات موازية يرفض فيها المهاجرون قيم الدول المضيفة. على سبيل المثال، تُظهر “المناطق المحظورة” في بعض أنحاء أوروبا—وهي مناطق تجد فيها السلطات صعوبة في فرض القانون—عواقب الفشل في ضمان التوافق القيمي خلال عملية الهجرة. كما أن التوترات حول قضايا مثل حقوق المرأة، وحرية التعبير، والحكم العلماني تُبرز إمكانيات حدوث صراعات عندما تفشل جهود الدمج.
يمكن لكندا أن تتعلم من هذه التجارب. يجب أن تتجاوز سياسة الهجرة الشاملة الاعتبارات الاقتصادية والإنسانية لتشمل تقييم استعداد المهاجرين لتبني القيم الكندية. ورغم أن هذا قد يبدو مثيرًا للجدل أو تدخليًا، إلا أنه حق أساسي ومسؤولية لأي دولة للحفاظ على إطارها الثقافي والاجتماعي. من خلال معالجة هذه الفجوة، لن تحمي كندا مبادئها الديمقراطية فحسب، بل ستعزز أيضًا المجتمعات المتماسكة.
يمكن اتخاذ خطوات عملية، مثل مطالبة المهاجرين بالإعلان عن موقفهم من القيم الاجتماعية الأساسية خلال عملية التقديم. قد يشمل ذلك تأكيد دعمهم للمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير، وسيادة القانون. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لكندا تنفيذ برامج توجيه إلزامية للوافدين الجدد، تُركز على المبادئ والتوقعات الأساسية للبلاد. لن تساعد هذه التدابير في الدمج فحسب، بل ستطمئن الكنديين إلى أن حكومتهم تتخذ خطوات استباقية للحفاظ على هوية البلاد.
قد يجادل النقاد بأن إدخال معايير قائمة على القيم قد يؤدي إلى نفور أو استبعاد المتقدمين المستحقين. ولكن الأمر لا يتعلق برفض المحتاجين، بل بضمان استعداد المهاجرين للإسهام بشكل إيجابي في المجتمع الكندي. كما أن نهجًا قائمًا على القيم سيوفر فرصة لحوار صادق، يساعد في تحديد المجالات التي قد يحتاج فيها الوافدون الجدد إلى الدعم للتكيف مع بيئتهم الجديدة.
تُعد كندا دولة مرحبة ومتنوعة، وهي واحدة من أعظم نقاط قوتها. وللحفاظ على هذا الإرث، يجب على الحكومة معالجة هذا الجانب غير المكتمل في سياسة الهجرة. إن الانسجام الاجتماعي والأمن على المدى الطويل يعتمدان على ذلك. ومع استمرار الهجرة في تشكيل مستقبل كندا، فإن دمج معيار قائم على القيم ليس مجرد خيار معقول، بل هو ضروري لازدهار البلاد في عالم يزداد انقسامًا.
دوتان روسو وُلد ونشأ في إسرائيل، ويحمل درجة الدكتوراه في القانون. عمل سابقًا كمدعٍ جنائي في إسرائيل، ويقيم حاليًا في ألبرتا، حيث يُدرس الفلسفة في معهد جنوب ألبرتا للتكنولوجيا (SAIT).
المصدر:اكسجين كندا نيوز
المحرر:هناء فهمي
المزيد
1