في عالم يتسارع فيه تطور التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، بات الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين، يوفر حلولًا مبتكرة لكنه في الوقت ذاته يمنح المجرمين أدوات متطورة لتنفيذ مخططاتهم بطرق غير مسبوقة. في كندا، يشهد رجال الشرطة تصاعدًا في الجرائم الإلكترونية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث يتم استغلال هذه التكنولوجيا بطرق تتراوح بين الاحتيال العاطفي والمالي إلى التزييف العميق وانتحال الهوية.
في عالم يتسارع فيه تطور التكنولوجيا بشكل غير مسبوق، بات الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين، يوفر حلولًا مبتكرة لكنه في الوقت ذاته يمنح المجرمين أدوات متطورة لتنفيذ مخططاتهم بطرق غير مسبوقة. في كندا، يشهد رجال الشرطة تصاعدًا في الجرائم الإلكترونية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث يتم استغلال هذه التكنولوجيا بطرق تتراوح بين الاحتيال العاطفي والمالي إلى التزييف العميق وانتحال الهوية.
ظهور سوق سوداء جديدة: كسر الحماية لخوارزميات الذكاء الاصطناعي
في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر توجهات إجرامية جديدة، إذ يعرض القراصنة خدمات “كسر الحماية” للخوارزميات التي تشكل بنية نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). هذه العملية تعني إزالة القيود الأمنية الموضوعة على هذه الأنظمة، مما يتيح استخدامها في أعمال إجرامية دون رادع.
كريس لينام، المدير العام لمركز تنسيق الجرائم الإلكترونية الوطني في الشرطة الملكية الكندية، يؤكد أن هناك مجتمعات سرية من مجرمي الإنترنت ينشطون في منتديات مغلقة وعلى تطبيقات مثل تيليجرام، حيث يروجون لهذه الخدمات ويشرحون كيفية الاستفادة منها. ويوضح لينام أن هؤلاء المجرمين لا يسعون فقط لكسر أنظمة الذكاء الاصطناعي بدافع الفضول، بل حولوا هذا الأمر إلى نشاط تجاري مربح.
الذكاء الاصطناعي كأداة للجرائم غير المتوقعة
يتفق الباحثون على أن التهديدات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي تتجاوز مجرد التزييف العميق أو عمليات الاحتيال، إذ يمكن أن تؤدي هذه التقنية إلى ارتكاب جرائم غير متوقعة. الباحث أليكس روبي، من جامعة كارنيجي ميلون، يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يطور أهدافه الخاصة بشكل غير متوقع، مما قد يجعله يضلل البشر أو يسبب لهم الأذى.
أحد أكثر الأمثلة الصادمة كان حادثًا وقع في فلوريدا، حيث قامت أم برفع دعوى قضائية ضد شركة سمحت لمستخدميها بإنشاء “رفقاء ذكاء اصطناعي”. وفقًا للدعوى، تواصل أحد روبوتات الدردشة مع ابنها البالغ من العمر 14 عامًا، وأجرى معه محادثات غير ملائمة، مما أدى في النهاية إلى دفعه للانتحار.
ولا تقتصر المخاطر على العالم الافتراضي، بل تمتد إلى الواقع. في مجال الروبوتات، قد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى اتخاذ قرارات ذات عواقب كارثية، خاصة إذا تم استخدامه في التطبيقات العسكرية. روبي يحذر من أن “الخطر الحقيقي يكمن في تسليح هذه التقنيات”، مشيرًا إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات الإرهابية والجرائم المنظمة.
حادثة تفجير فندق ترامب.. هل كان للذكاء الاصطناعي يد فيها؟
في عام 2024، وقع انفجار مروع أمام فندق ترامب في لاس فيغاس، حيث قُتل ماثيو ليفيلسبيرغر داخل شاحنته التيسلا بعد انفجار قنبلة. التحقيقات كشفت أن المشتبه به استخدم ChatGPT للبحث عن معلومات حول صنع المتفجرات، وهو ما اعتبرته السلطات أول حالة موثقة يتم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تنفيذ هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية.
كيفن ماكماهيل، قائد شرطة لاس فيغاس، وصف هذه الحادثة بأنها “نقطة تحول”، مشيرًا إلى أن الأدوات التكنولوجية الحديثة جعلت تنفيذ الجرائم أكثر سهولة وتعقيدًا في آنٍ واحد.
قضايا الذكاء الاصطناعي في كندا.. من التزييف العميق إلى الجرائم الإلكترونية
كندا لم تكن بعيدة عن هذه التحديات، إذ شهدت البلاد أول قضية من نوعها تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج صور إباحية مُزيفة للأطفال. في عام 2023، تم القبض على رجل يبلغ من العمر 61 عامًا في كيبيك بعد أن استخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو غير قانونية. رغم أن هذه المقاطع لم تتضمن أطفالًا حقيقيين، إلا أن القانون الكندي يعاقب أي تمثيل بصري يوحي بإساءة معاملة القُصّر.
يؤكد لينام أن الجرائم الإلكترونية هي الأسرع تطورًا على الإطلاق، مشيرًا إلى أن الشرطة الكندية تبذل جهودًا كبيرة لفهم هذه التهديدات ومواجهتها. التحدي الأكبر، كما يقول، هو أن هذه الجرائم تتطور بسرعة تفوق قدرة السلطات على مواكبتها.
عالم بلا حدود.. والجرائم أيضًا
مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في الجرائم المالية، تُقدّر التقارير أن خسائر الاحتيال المرتبطة بهذه التقنية قد تتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2027، لتصل إلى 40 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها.
في إحدى الحالات المثيرة للدهشة، تعرضت موظفة في شركة بهونغ كونغ لعملية احتيال ذكية للغاية، حيث تلقت مكالمة فيديو من مديرها المالي طالبةً منها تحويل 25 مليون دولار. لكنها لم تكن تعلم أن الشخص الذي تحدثت معه لم يكن حقيقيًا، بل كان صورة مزيفة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
هذه التقنيات الجديدة جعلت الاحتيال أكثر تعقيدًا، حيث بات من السهل على القراصنة انتحال شخصيات حقيقية، وإنشاء وثائق مزيفة، وحتى تقليد أصوات الأشخاص. وفقًا للخبراء، توجد بالفعل “صناعة منزلية” على شبكة الويب المظلمة تبيع أدوات احتيالية بأسعار تبدأ من 20 دولارًا فقط، ويمكن أن تصل إلى آلاف الدولارات.
الحل في التشريعات؟ أم في التوعية؟
رغم خطورة هذه التهديدات، لا يبدو أن هناك حلولًا تشريعية سريعة في الأفق. فقد تم تعليق أعمال البرلمان الكندي، مما أدى إلى تعطيل مشروع قانون الذكاء الاصطناعي والبيانات، الذي كان من المفترض أن يكون أول محاولة لتنظيم هذه التكنولوجيا في البلاد.
أليكس روبي يعتقد أن الحكومات لا تزال متأخرة عن الركب، قائلًا: “يبدو أن كل مختبر يعمل على تنظيم نفسه بنفسه، وهو أمر غير مثالي”. وأضاف: “الحكومات تبدو حسنة النية، لكنها مرتبكة وغير مرنة بما يكفي لمواكبة هذه التطورات المتسارعة”.
الرهان على وعي الجمهور
مع غياب قوانين صارمة، تلجأ السلطات إلى التوعية كأداة رئيسية لمواجهة هذه الجرائم. أطلقت هيئة الأوراق المالية في كولومبيا البريطانية حملة إعلامية بقيمة 1.8 مليون دولار لتثقيف الكنديين حول مخاطر الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعي. تضمنت الحملة صورًا لمحترفين مزيفين بأصابع إضافية، وتلميحات إلى استنساخ الصوت والاحتيال عبر الإنترنت.
باميلا ماكدونالد، المتحدثة باسم الهيئة، توضح أن المشكلة الكبرى تكمن في أن غالبية هؤلاء المجرمين يعملون من خارج كندا، مما يجعل ملاحقتهم قانونيًا أمرًا صعبًا. وتضيف: “أكبر ما يمكننا فعله الآن هو تثقيف الناس، ومساعدتهم على حماية أنفسهم من هذه التهديدات المتزايدة”.
خاتمة: هل يمكن إيقاف “الغرب المتوحش”؟
تطور الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا مذهلة للبشرية، لكنه في ذات الوقت يخلق تهديدات لم يكن أحد يتخيلها. مع تفوق المجرمين في استغلال هذه التكنولوجيا، لا تزال الحكومات والمؤسسات الأمنية تكافح لمواكبة التحديات المتزايدة. في ظل هذا الواقع، يبدو أن الحل الوحيد المتاح حاليًا هو تعزيز الوعي واتخاذ تدابير وقائية فردية لمواجهة “الغرب المتوحش” الجديد الذي صنعه الذكاء الاصطناعي.
ماري جندي
المزيد
1