في خطوة لافتة ومثيرة للاهتمام، اختار رئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني، أن تكون أولى جولاته الخارجية في منصبه إلى أوروبا، حيث التقى الملك تشارلز الثالث والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متجاهلاً بذلك جاره الأقرب والأكثر تأثيرًا، الولايات المتحدة. تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، إذ تشهد العلاقات بين كندا والولايات المتحدة توترًا متزايدًا بسبب مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يكتفِ بفرض رسوم جمركية على الصادرات الكندية، بل وصل الأمر إلى التلميح بإمكانية ضم كندا إلى الولايات المتحدة، في خطوة غير مسبوقة أثارت ردود فعل غاضبة داخل كندا.
في خطوة لافتة ومثيرة للاهتمام، اختار رئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني، أن تكون أولى جولاته الخارجية في منصبه إلى أوروبا، حيث التقى الملك تشارلز الثالث والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متجاهلاً بذلك جاره الأقرب والأكثر تأثيرًا، الولايات المتحدة. تأتي هذه الزيارة في وقت حساس، إذ تشهد العلاقات بين كندا والولايات المتحدة توترًا متزايدًا بسبب مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يكتفِ بفرض رسوم جمركية على الصادرات الكندية، بل وصل الأمر إلى التلميح بإمكانية ضم كندا إلى الولايات المتحدة، في خطوة غير مسبوقة أثارت ردود فعل غاضبة داخل كندا.
رسالة كارني: أوروبا أولاً
اختيار كارني لبريطانيا وفرنسا كوجهته الأولى بعد توليه المنصب ليس مجرد خطوة بروتوكولية، بل هو رسالة سياسية واضحة مفادها أن كندا تبحث عن تعزيز تحالفاتها مع “الشركاء الموثوقين” في أوروبا. هذا التوجه تجلى بوضوح خلال اجتماعه بالملك تشارلز الثالث في قصر باكنغهام، حيث استقبله الملك بابتسامة دافئة، مما يعكس متانة العلاقة بين البلدين. بعد ذلك، واصل كارني زيارته إلى فرنسا حيث التقى الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، مؤكداً خلال مؤتمر صحفي مشترك على أن كندا تعتبر “الدولة الأكثر أوروبية بين الدول غير الأوروبية”.
وقال كارني في تصريحاته:
“من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تعزز كندا علاقاتها مع حلفاء موثوقين مثل فرنسا والمملكة المتحدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية.”
هذا التأكيد على العلاقات الأوروبية يأتي بينما يحاول كارني الحفاظ على روابط متينة مع واشنطن، رغم أن التوترات مع إدارة ترامب تزداد حدة.
تحديات اقتصادية وسياسية متعددة
يواجه كارني تحديات كبيرة على عدة جبهات، تبدأ بالحرب التجارية التي اندلعت نتيجة فرض ترامب لسلسلة من الرسوم الجمركية على السلع الكندية، وهو ما يهدد بإحداث ركود اقتصادي في البلاد. ولم تقتصر تهديدات ترامب على الجانب الاقتصادي فحسب، بل وصلت إلى التشكيك في سيادة كندا، عبر تصريحات مثيرة للجدل حول إمكانية ضمها لتصبح الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة. هذه التصريحات أثارت موجة من الغضب داخل الأوساط السياسية الكندية، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية ساحقة من الكنديين يرفضون هذه الفكرة تمامًا.
وبينما تشكل الحرب التجارية تهديدًا خطيرًا للاقتصاد الكندي الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الولايات المتحدة، يسعى كارني إلى إيجاد بدائل تجارية قوية. وهنا تأتي أهمية علاقاته مع أوروبا، حيث ترتبط كندا باتفاقية اقتصادية وتجارية شاملة مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى كونها عضوًا في اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، التي انضمت إليها بريطانيا مؤخرًا.
تعزيز الأمن والسيادة في ظل التوترات العالمية
إلى جانب القضايا الاقتصادية، تتزامن زيارة كارني إلى أوروبا مع تطورات حساسة على الساحة العالمية، خاصة فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. إذ تعد كل من كندا، فرنسا، وبريطانيا من بين الدول التي حافظت على دعم قوي لكييف منذ الغزو الروسي في فبراير 2022. وفي هذا السياق، ناقش كارني مع ماكرون أهمية ضمان “سلام دائم” في أوكرانيا، مع التشديد على ضرورة تقديم ضمانات أمنية قوية لمنع أي عدوان روسي مستقبلي.
وفي تصريحاته، أكد ماكرون على التزام فرنسا وكندا بالحفاظ على الأمن الأوروبي، قائلاً:
“نريد سلامًا دائمًا يضمن حماية أوكرانيا وأمن أوروبا بالكامل.”
كما شارك كارني في اجتماع افتراضي مع زعماء الدول الداعمة لأوكرانيا، بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث جدد دعمه للسيادة الأوكرانية، معتبرًا أن الدفاع عن سيادة الدول هو مبدأ لا يمكن التهاون فيه.
رسالة إلى ترامب: كندا تدافع عن سيادتها
يبدو أن كارني حريص على توجيه رسالة قوية إلى إدارة ترامب حول تمسك كندا بسيادتها، ليس فقط عبر تعزيز التحالفات الأوروبية، ولكن أيضًا من خلال زيارته المخطط لها إلى إيكالويت في إقليم نونافوت. هذه المنطقة، الواقعة في أقصى شمال كندا، ليست بعيدة عن جرينلاند، الجزيرة التي حاول ترامب سابقًا شراءها من الدنمارك في خطوة أثارت استغراب العالم. من خلال هذه الزيارة، يسعى كارني إلى إرسال إشارة واضحة بأن كندا لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها في القطب الشمالي، الذي أصبح محورًا استراتيجيًا متزايد الأهمية في ظل التنافس الدولي على موارده.
حقبة جديدة في السياسة الكندية؟
تؤكد التحركات الأولى لكارني كرئيس للوزراء أن كندا تدخل مرحلة جديدة في سياستها الخارجية، حيث يبدو أن الأولوية ستكون لتعزيز العلاقات مع أوروبا، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة كشريك اقتصادي وحليف استراتيجي. لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن كارني من الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين علاقاته الأوروبية والتعامل مع الضغوط الأمريكية المتزايدة؟
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة، تبدو الأيام القادمة حاسمة لمستقبل كندا على الساحة الدولية، بينما يستعد كارني لمواجهة واحدة من أكثر الفترات تعقيدًا في تاريخ البلاد الحديث.
ماري جندي
المزيد
1