فانكوفر – في خضم معركة أمنية متصاعدة، بات الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين، حيث يستخدمه المجرمون لخلق تهديدات غير مسبوقة، بينما تسعى الشرطة الكندية إلى تطويعه لتعقبهم والحد من جرائمهم. ولكن مع هذا التقدم، يبرز تساؤل محوري: هل يمكن أن تتحول هذه التكنولوجيا إلى سلاح ضد الخصوصية والحقوق المدنية؟
فانكوفر – في خضم معركة أمنية متصاعدة، بات الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذا حدين، حيث يستخدمه المجرمون لخلق تهديدات غير مسبوقة، بينما تسعى الشرطة الكندية إلى تطويعه لتعقبهم والحد من جرائمهم. ولكن مع هذا التقدم، يبرز تساؤل محوري: هل يمكن أن تتحول هذه التكنولوجيا إلى سلاح ضد الخصوصية والحقوق المدنية؟
صعود الذكاء الاصطناعي: ساحة معركة رقمية بين الشرطة والمجرمين
يشير مركز تنسيق استغلال الأطفال الوطني التابع للشرطة الملكية الكندية في تقريره بمجلة “غازيت” الرسمية إلى تطور استخدام الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم المتعلقة باستغلال الأطفال. إذ أصبح من الممكن الآن البحث في المواد المسيئة المُنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي قد يتم إنتاجها عن طريق دمج صور ومقاطع فيديو حقيقية.
في الماضي، كان الضباط يواجهون تحديًا شاقًا يتمثل في فحص كميات هائلة من البيانات المخزنة على أقراص صلبة يدويًا، مما كان يتسبب في إجهاد نفسي كبير للمحققين، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال. يقول العريف فيليب جرافيل، أحد المحققين في المركز، إن الذكاء الاصطناعي أتاح إمكانية تسريع هذه العمليات وتقليل تعرض الضباط لمواد مؤذية قد تؤثر على صحتهم النفسية.
“بعض المحققين هم آباء، وهم يعملون في هذه المهمة تحديدًا لحماية الأطفال، ولكن التعرض المستمر لهذه المواد يشكل عبئًا نفسيًا هائلًا. بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن تقليل هذا التعرض دون المساس بكفاءة التحقيقات”، يقول جرافيل.
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: هل هي الحل السحري؟
أصبح الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها في التحقيقات، حيث يتمكن من تحليل كميات هائلة من الأدلة بسرعة غير مسبوقة، سواء كانت تسجيلات مراقبة، أو بيانات جنائية، أو محركات أقراص صلبة، مما يساعد في الكشف عن الأنماط والتهديدات المحتملة.
في أونتاريو، تعتمد الشرطة على تقنية التعرف على الوجه لمقارنة صور المشتبه بهم بالمقاطع المسجلة، بينما تستخدم الشرطة في نيو برونزويك الذكاء الاصطناعي لتحويل تسجيلات الكاميرات المثبتة على أجساد الضباط إلى تقارير مكتوبة. أما في ألبرتا، فتعمل شرطة إدمونتون على تطوير تقنيتين داخليتين: الأولى لنسخ التسجيلات الصوتية، والثانية لإدارة السجلات وربط القضايا.
ولكن رغم هذه الفوائد، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنفاذ القانون يثير جدلاً واسعًا بين الحقوقيين.
مخاوف أخلاقية وحقوقية: هل يمكن أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة قمع؟
تحذر آنايس بوسيريس ماكنيكول، المحامية في الجمعية الكندية للحريات المدنية، من أن بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة التعرف على الوجه، قد تهدد حقوق الأفراد وتعرض بياناتهم الشخصية للانتهاك.
“البيانات البيومترية مثل بصمة الوجه هي معلومات حساسة ودائمة، وعندما يتم استخدامها دون إذن أو معرفة الشخص، فإن ذلك يمثل تهديدًا خطيرًا للخصوصية”، تقول بوسيريس ماكنيكول.
المخاوف لا تتعلق فقط بالخصوصية، بل أيضًا بإمكانية تحيز الخوارزميات ضد مجموعات معينة، كما هو الحال في الولايات المتحدة حيث تم انتقاد أنظمة الشرطة التنبؤية بسبب تركيزها على أحياء معينة ذات أغلبية سكانية من ذوي الدخل المنخفض والأقليات العرقية.
في عام 2021، كشف تقرير لمكتب مفوض الخصوصية في كندا أن الشرطة الملكية الكندية استخدمت برنامج التعرف على الوجه من شركة Clearview AI، الذي جمع أكثر من 3 مليارات صورة من الإنترنت دون موافقة المستخدمين، مما اعتبر انتهاكًا لقوانين الخصوصية. كما تبين أن بعض ضباط شرطة تورنتو استخدموا هذا البرنامج دون إبلاغ رؤسائهم.
هل هناك تنظيم قانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الشرطة؟
رغم تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرطة، لا تزال القوانين غير واضحة تمامًا بشأن تنظيم هذه الأدوات. ففي أونتاريو، تم إقرار أول قانون ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الوكالات الحكومية، لكنه لا يزال يعاني من نقص في التفاصيل، ولا يحدد بشكل واضح كيف يمكن تضمين الشرطة والمحاكم ضمن اللوائح المقترحة.
تطالب الجمعيات الحقوقية والباحثون بفرض رقابة صارمة على استخدام الذكاء الاصطناعي في إنفاذ القانون، وإنشاء هيئة تنظيمية مستقلة للإشراف على هذه التقنيات، وضمان الشفافية والمساءلة.
فك تشفير الهواتف: مشروع سري لإضعاف الأمان الرقمي؟
كجزء من سعيها لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التحقيقات، تسعى الشرطة الملكية الكندية إلى تطوير نظام يمكنه فك تشفير الهواتف المصادرة قانونيًا في التحقيقات الجنائية. المشروع، الذي تموله الحكومة الفيدرالية، يهدف إلى إنشاء خوارزمية تستطيع تحليل بيانات الأجهزة المضبوطة واقتراح كلمات مرور محتملة لاختراقها.
لكن هذا يثير أسئلة خطيرة حول الخصوصية الرقمية، فبينما ترى الشرطة أن هذه الأداة ستساعد في التحقيقات الجنائية، يحذر الخبراء من إمكانية استخدامها بطرق تنتهك حقوق الأفراد في الأمان الرقمي.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعلنا أكثر أمانًا؟
يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في الحد من الجريمة وتحسين كفاءة التحقيقات، بينما يحذر آخرون من العواقب غير المقصودة لهذه التقنيات، مثل انتهاكات الخصوصية، والاعتقالات الخاطئة، والتحيزات الخوارزمية.
يقول بنيامين بيرين، أستاذ القانون في جامعة بريتش كولومبيا :
“صحيح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تعزيز الأمن، ولكن بأي ثمن؟ لا يكفي أن تكون التكنولوجيا فعالة، بل يجب أن تكون عادلة ومنظمة بطريقة تحترم حقوق الإنسان”.
بينما تسابق الشرطة الكندية الزمن لاعتماد المزيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لدفع الثمن المحتمل لهذه التكنولوجيا على حساب حرياتنا وحقوقنا الأساسية؟
ماري جندي
المزيد
1