يُحذّر خبراء الأوبئة والعاملون في المجال الإنساني من أن القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID) وتقليص التمويل المخصص للجهود الصحية العالمية، تضع العالم أمام تهديد خطير بتحول مرض جدري القرود إلى حالة طوارئ عالمية واسعة النطاق.
تفشي الوباء
يشهد العالم حاليًا تفشيًا مقلقًا لفيروس جدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية والدول المجاورة في إفريقيا، ما دفع منظمة الصحة العالمية في أغسطس الماضي إلى إعلان الوضع “حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا”.
وكانت الولايات المتحدة حتى وقت قريب تقود الجهود العالمية لاحتواء هذا التفشي، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، حيث خصصت العام الماضي مساعدات طارئة بقيمة 55 مليون دولار لدعم جهود التطعيم والاختبار والمراقبة الوبائية.
في هذا الصدد، كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال لم يتم صرفه بعد، وهو الآن مجمد بموجب أوامر صارمة أصدرتها إدارة ترامب بوقف جميع المساعدات الإنسانية تقريبًا.
وأكد ستيفن مورس، أستاذ علم الأوبئة في جامعة كولومبيا والمتخصص في تقييم مخاطر الأمراض المعدية، في تصريحات للصحيفة البريطانية أن “التراجع عن دعم جهود المكافحة خطأ حقيقي، إذ إن عدم بذل كل ما في وسعنا للسيطرة على الوضع بينما لا نزال قادرين على ذلك، واتخاذ خطوات كبيرة إلى الوراء، سيؤدي فقط إلى تفاقم كل شيء”.
بالتزامن مع تجميد التمويل، تم إجلاء موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من جمهورية الكونغو الديمقراطية في نهاية يناير الماضي، ما أحدث فراغًا في جهود الاستجابة العالمية، وترك منظمات دولية أخرى تكافح لتغطية النقص في الموارد والخبرات التي كانت توفرها الولايات المتحدة.
الانسحاب الأمريكي
نقلت “الجارديان” عن أحد العاملين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قوله: “في اجتماعات التخطيط، تتجه الأنظار مباشرة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: ماذا ستفعلون؟ والجميع في حالة ضياع الآن”. وأضاف أن تجميد المساعدات أدى إلى تجريد بعض المقاطعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعتمد حصريًا على تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، من أي موارد لاحتواء الفيروس.
الواقع على الأرض أكثر قتامة مما تعكسه الأرقام الرسمية، إذ تشهد مناطق واسعة في وسط إفريقيا نقصًا حادًا في المستلزمات الطبية واللقاحات بعد توقف التمويل الأمريكي.
وقال عامل آخر في الوكالة، على دراية وثيقة باستجابة جدري القرود: “كنا نعمل على إنشاء نظام مُستدام يُمكن أن يستجيب ليس فقط لتفشي جدري القرود الحالي، بل يمكن استخدامه في المستقبل لأي تفشٍ آخر، والآن لسنا متأكدين ما إذا كان ذلك سينجح”.
وتابع الموظف في حديثه للجارديان: “تمامًا مثل كل هذه الحالات المتزايدة من الإيبولا ومرض ماربورج في البلدان المجاورة، الأمر ليس متعلقًا بـ”إذا” ستحدث الموجة التالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بل “متى” ستحدث، وكيف ستكون البلاد مستعدة لها، فالبنية التحتية الصحية الهشة في المنطقة تحتاج إلى دعم مستمر لبناء القدرات المحلية، وهذا الدعم تم قطعه فجأة مع تغير السياسة الأمريكية”.
تهديد يمتد لأمريكا
ويتفق خبراء الصحة العامة على أن قطع الموارد المخصصة لاحتواء التفشي الحالي في إفريقيا لا يهدد فقط سكان القارة الإفريقية، بل يزيد بشكل كبير من فرص انتشار جدري القرود إلى مناطق أخرى من العالم، بما فيها أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.
باحث أمريكي متخصص في دراسة الأمراض المعدية، طلب عدم الكشف عن هويته بسبب مشاريعه الجارية مع المعاهد الوطنية للصحة ومراكز مكافحة الأمراض، وصف الوضع للجارديان بقوله: “الكارثة والمأساة هما الكلمتان المناسبتان لوصف إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الأمر لا يتعلق فقط بالأشخاص في الخارج الذين سيتأثرون، بل هناك احتمال كبير لانتشار جدري القرود أو الوباء التالي إلى الولايات المتحدة نفسها”.
وتزداد المخاوف من هذا السيناريو في ضوء ما حدث خلال التفشي العالمي السابق لجدري القرود في عام 2022، والذي أدى إلى تسجيل أكثر من 100,000 حالة في 122 دولة، وكانت تلك المرة الأولى التي ينتشر فيها المرض على نطاق واسع خارج وسط وغرب إفريقيا.
ورغم أن ذلك التفشي تم احتواؤه إلى حد كبير بفضل جهود التطعيم العالمية، إلا أن التفشي الحالي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ينطوي على مخاطر إضافية، كونه ناجمًا عن نوع متميز (متحور) من فيروس جدري القرود الذي تسبب في تفشي عام 2022.
المصدر: أكسجين كندا نيوز
المحرر: هناء فهمي
المزيد
1