نجح مجلس النواب الأمريكي في تمرير مشروع قانون لتمويل الحكومة الفيدرالية، مُتجاهلًا مطالب الرئيس المنتخب دونالد ترامب ومستشاره المؤثر، إيلون ماسك، في حين تكتسب هذه الخطوة أهمية استثنائية كونها تأتي قبل أسابيع قليلة من عودة ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض؛ مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقة بين الرئيس المنتخب وحزبه الجمهوري.
معركة التصويت والتحالفات
شهدت أروقة الكونجرس الأمريكي معركة سياسية غير مسبوقة حول مشروع قانون التمويل الحكومي، كشفت عن تحولات عميقة في التحالفات السياسية التقليدية، وبحسب ما أوردته صحيفة الجارديان البريطانية، فقد حظي المشروع بدعم واسع من كلا الحزبين، حيث صوت لصالحه 196 نائبًا ديمقراطيًا و170 نائبًا جمهوريًا، في حين عارضه 34 نائبًا جمهوريًا فقط.
ويتضمن المشروع حزمة تمويل شاملة تمتد لثلاثة أشهر، مع تخصيص 100 مليار دولار كمساعدات للكوارث و10 مليارات دولار لدعم المزارعين الأمريكيين، في خطوة تهدف إلى تجنب الإغلاق الحكومي الذي كان يهدد بتعطيل الخدمات الفيدرالية خلال موسم العطلات.
وفي تفاصيل المعركة السياسية، كشفت الجارديان عن دور محوري لعبه رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي وجد نفسه في موقف صعب بين ضغوط ترامب من جهة، ومطالب أعضاء مجلسه من جهة أخرى.
وصرح جونسون للصحفيين قائلًا: “لدينا مؤتمر جمهوري موحد. هناك اتفاق بالإجماع في الغرفة على أننا بحاجة للمضي قدمًا.. لن يكون هناك إغلاق حكومي.”
صعود نفوذ ماسك
يمثل التدخل غير المسبوق لإيلون ماسك في المشهد السياسي الأمريكي تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقة بين المال والسياسة في الولايات المتحدة، إذ كشفت الجارديان أن ماسك، الذي أنفق أكثر من ربع مليار دولار لدعم حملة ترامب الانتخابية، لعب دورًا محوريًا في إفشال الاتفاق الحزبي الأول حول الميزانية.
وفي تغريدة مثيرة للجدل، هدد ماسك بأن أي مشرع يدعم مشروع القانون “يستحق أن يُصوت ضده بعد عامين”، مما أثار موجة من الانتقادات حول تدخل أصحاب المليارات في صناعة القرار السياسي.
وأدى هذا التدخل السافر من قبل ماسك إلى ظهور مصطلح “الرئيس ماسك” على وسائل التواصل الاجتماعي، في إشارة ساخرة إلى نفوذه المتزايد في السياسة الأمريكية.
وتشير الجارديان إلى أن هذا التطور قد يشكل مصدر إزعاج كبير لترامب، المعروف بحساسيته الشديدة تجاه مشاركة الأضواء مع شخصيات أخرى، خاصة مع اقتراب موعد عودته إلى البيت الأبيض.
كما برز دور إيلون ماسك بشكل لافت في مجريات الأحداث، إذ كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تفاصيل اتصالات مكثفة أجراها رئيس مجلس النواب مايك جونسون مع كليهما.
ونقلت الصحيفة عن جونسون حديثه عن اتصال هاتفي مع ماسك قبل التصويت بساعة واحدة، حيث عرض عليه منصب رئيس مجلس النواب مازحًا، ليرد ماسك بأن هذا قد يكون “أصعب منصب في العالم”.
وفي تطور لافت للنظر، تحول موقف ماسك بشكل كبير مع بدء التصويت، حيث أشاد بأداء جونسون قائلًا إنه “قام بعمل جيد في ظل الظروف القائمة”، مضيفًا أن مشروع القانون تحول من وثيقة ثقيلة إلى أخرى خفيفة الوزن، في إشارة إلى تخفيف المطالب المثيرة للجدل
تصدعات بالمعسكر الجمهوري
كشفت أحداث الأسبوع الماضي عن تصدعات عميقة داخل الحزب الجمهوري، إذ أظهر التصويت الأخير أن سيطرة ترامب على الحزب ليست مطلقة، كما كان يُعتقد سابقًا، فعلى الرغم من تهديداته المباشرة بدعم منافسين للجمهوريين المعارضين في الانتخابات التمهيدية، فشل ترامب في حشد الدعم الكافي لنسخة معدلة من مشروع القانون كانت تتضمن مطلبه برفع سقف الدين العام.
وأظهر أعضاء بارزون في تجمع الحرية المحافظ، وهم تقليديًا من أشد المؤيدين لترامب، استعدادهم لمعارضته في قضايا معينة.
وتضم قائمة المعارضين شخصيات بارزة مثل آندي بيجز وبول جوسار وتشيب روي وسكوت بيري، الذين رفضوا دعم مطالب ترامب برفع سقف الدين، مما يشير إلى تحول محتمل في ديناميكيات القوة داخل الحزب الجمهوري.
برزت الانتقادات من داخل الحزب الجمهوري، حيث عبر ميتش مكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، عن إحباطه من تجاهل نصائحه المتكررة بشأن مخاطر الإغلاق الحكومي.
ونقلت فاينانشال تايمز عنه قوله بنبرة ساخرة إنه لو أخذ الأمر بشكل شخصي في كل مرة تم تجاهل نصائحه، لما استمر في منصبه كل هذه المدة.
كما كشفت الصحيفة عن انتقادات حادة وجهها الديمقراطيون لتدخل ماسك في العملية التشريعية، إذ نقلت عن النائبة الديمقراطية روزا ديلاورو تصريحات غاضبة اتهمت فيها أغنى رجل في العالم بإلقاء الكونجرس في حالة من الفوضى.
وفي المقابل، احتفل زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، هاكيم جيفريز، بما اعتبره نجاحًا في منع ما وصفه بـ”نادي المليارديرات” من الحصول على شيك على بياض بقيمة 4 تريليونات دولار.
تحديات المرحلة المقبلة
مع اقتراب موعد تنصيب ترامب في يناير 2025، تلوح في الأفق تحديات كبيرة أمام إدارته المقبلة، إذ كشفت الجارديان أن الأغلبية الضئيلة للجمهوريين في مجلسي الكونجرس ستتقلص بشكل فعلي لعدة أشهر، بسبب استقالة أعضاء تم اختيارهم لشغل مناصب في حكومة ترامب القادمة.
وتأتي هذه التحديات في وقت يسعى فيه ترامب لتنفيذ أجندة طموحة تشمل تمديد تخفيضاته الضريبية التاريخية لعام 2017 وتنفيذ وعده بترحيل نحو 11 مليون مهاجر غير موثق.
ووجهت كارين جان-بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، انتقادات لاذعة للجمهوريين، متهمة إياهم بتدمير الاتفاق الأصلي والانحياز لمصالح المليارديرات على حساب المواطنين العاديين.
وفي تصريحات نقلتها الجارديان، قالت جان-بيير: “عليهم التوقف عن التلاعب السياسي بإغلاق الحكومة، وهم يقومون بتنفيذ رغبات أصدقائهم المليارديرات على حساب الأمريكيين العاملين.”
مستقبل غامض
تشير هذه التطورات المتسارعة إلى تحول جوهري في المشهد السياسي الأمريكي، إذ يبدو أن العلاقة بين ترامب والحزب الجمهوري تدخل مرحلة جديدة من التعقيد.
ومع تزايد نفوذ شخصيات مثل إيلون ماسك، وظهور معارضة داخلية قوية حتى من أقرب حلفاء ترامب السابقين، تبقى التساؤلات مطروحة حول قدرة الرئيس المنتخب على تنفيذ أجندته السياسية في ظل هذه التحديات غير المسبوقة.
وتختتم الجارديان بالإشارة إلى أن هذه الأحداث قد تكون مؤشرًا على فترة رئاسية مضطربة لترامب، حيث سيواجه تحديات كبيرة في إدارة العلاقة مع الكونجرس، وسط تنامي نفوذ شخصيات جديدة في المشهد السياسي الأمريكي، وتزايد الانقسامات داخل الحزب الجمهوري نفسه.
المصدر:اكسجين كندا نيوز
المحرر:هناء فهمي
المزيد
1