عندما تولى جاستن ترودو قيادة الحزب الليبرالي عام 2015، أحدث تحولًا مذهلًا، إذ انتقل بالحزب من وضعية الحزب الثالث إلى قيادة حكومة أغلبية بفضل شخصيته الجذابة وعلامته السياسية الفريدة. لكن بعد تسع سنوات، بدأت شعبية ترودو وحزبه تتراجع، وتعرض الحزب لضربات قاسية آخرها استقالة كبار الوزراء في الحكومة وتصاعد الدعوات من داخل الكتلة البرلمانية لاستقالة ترودو.
اليوم، يقف الحزب الليبرالي الكندي عند مفترق طرق: هناك دعوات لإعادة بناء الحزب من القاعدة، ومراجعة السياسات الأساسية، وإعادة تموضعه كقوة سياسية وسطية. فمع تقدم المحافظين بفارق يزيد عن 20 نقطة في استطلاعات الرأي، يتفق المطلعون أن النهج الحالي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات.
عندما تولى جاستن ترودو قيادة الحزب الليبرالي عام 2015، أحدث تحولًا مذهلًا، إذ انتقل بالحزب من وضعية الحزب الثالث إلى قيادة حكومة أغلبية بفضل شخصيته الجذابة وعلامته السياسية الفريدة. لكن بعد تسع سنوات، بدأت شعبية ترودو وحزبه تتراجع، وتعرض الحزب لضربات قاسية آخرها استقالة كبار الوزراء في الحكومة وتصاعد الدعوات من داخل الكتلة البرلمانية لاستقالة ترودو.
اليوم، يقف الحزب الليبرالي الكندي عند مفترق طرق: هناك دعوات لإعادة بناء الحزب من القاعدة، ومراجعة السياسات الأساسية، وإعادة تموضعه كقوة سياسية وسطية. فمع تقدم المحافظين بفارق يزيد عن 20 نقطة في استطلاعات الرأي، يتفق المطلعون أن النهج الحالي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات.
وفي محاولة لتوقع ملامح الحزب الليبرالي في حقبة ما بعد ترودو، قد يكون من المفيد النظر إلى الأحزاب الليبرالية الإقليمية التي تحاول هي الأخرى النهوض وإعادة بناء نفسها، لا سيما في المقاطعات الوسطى والشرقية حيث ما زالت العلامة الليبرالية قادرة على المنافسة.
النموذج الليبرالي الإقليمي: من نيو برونزويك إلى أونتاريو
في نيو برونزويك، تمكن الحزب الليبرالي الإقليمي من تحقيق نجاح إيجابي هذا العام، بينما يواصل الليبراليون في نيوفاوندلاند ولابرادور قيادة الحكومة هناك. على الجانب الآخر، تشهد المقاطعات الكبرى مثل أونتاريو وكيبيك معارك حاسمة لإعادة بناء الحزب واستعادة ثقة الناخبين.
بوني كرومبي في أونتاريو: العودة إلى الوسط
في ديسمبر 2023، اختار الليبراليون في أونتاريو بوني كرومبي زعيمةً جديدةً للحزب، وهي شخصية بارزة شغلت سابقًا منصب رئيسة بلدية ميسيسوجا. جاء هذا الانتخاب في وقت حساس؛ إذ تعرض الحزب لهزيمة ساحقة في انتخابات 2018 انتقل بعدها إلى وضعية الحزب الثالث، وهو الآن يحاول النهوض من جديد.
بوني كرومبي، بخلاف الاتجاه الليبرالي التقليدي، أكدت أنها تسعى للعودة إلى الوسط أو حتى التوجه نحو يمين الوسط سياسيًا.
“الحزب انحرف بعيدًا عن الوسط سابقًا”، تقول كرومبي. وهي تعلن بوضوح أنها تركز على سياسات أكثر تحفظًا من الناحية المالية، حيث تعهدت بخفض معدل ضريبة الدخل للطبقة المتوسطة وإزالة ضريبة المبيعات من فواتير الطاقة المنزلية.
في الوقت نفسه، ابتعدت كرومبي عن السياسات الفيدرالية المثيرة للجدل مثل ضريبة الكربون. ففي مارس 2024، أكدت أنها لن تفرض ضريبة كربون إقليمية إذا أصبحت رئيسة وزراء أونتاريو. تقول كرومبي: “أفضل خفض الضرائب مباشرة بدلاً من إرسال شيكات خصم”، في إشارة إلى الخصومات التي تقدمها أوتاوا للتعويض عن ضريبة الكربون.
هذا الخطاب يعكس اتجاهًا جديدًا لدى الليبراليين الإقليميين نحو تخفيف الالتزام بسياسات ترودو المناخية، خاصة في ظل الاستياء الشعبي المتزايد من ضريبة الكربون. وفي استطلاع أجرته “أباكوس داتا”، أظهرت النتائج أن 44% من الكنديين يرفضون الضريبة مقابل 36% يؤيدونها.
نيو برونزويك: التوازن بين الاقتصاد والعدالة الاجتماعية
في نيو برونزويك، قدمت زعيمة الحزب سوزان هولت نموذجًا مختلفًا يُركز على الميزانيات المتوازنة والاستثمار في القضايا اليومية مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان. هذه الاستراتيجية حققت نجاحًا كبيرًا وجعلت الحزب الليبرالي في نيو برونزويك موضع إشادة بوصفه ناقلًا للأخبار الإيجابية الوحيدة للعلامة الليبرالية على مستوى البلاد.
ومع ذلك، فإن هولت فضلت التراجع عن بعض الوعود السابقة، مثل إلغاء ضريبة المبيعات الإقليمية على فواتير الكهرباء، واستبدلتها ببرنامج خصومات شهرية.
في كيبيك: مشهد سياسي مختلف
المشهد السياسي في كيبيك يظل مختلفًا ومعقدًا. الحزب الليبرالي الكيبيكي يعاني بعد تحقيقه أدنى نسبة من الأصوات في تاريخه خلال انتخابات 2022. إلا أن سباق الزعامة الحالي قد يغير قواعد اللعبة، خاصة مع احتمالية فوز الوزير الفيدرالي السابق بابلو رودريجيز. فاستطلاع أجرته مؤسسة “ليجر” أشار إلى أن رودريجيز قد يعيد الليبراليين إلى المقدمة بنسبة 28% من الأصوات.
رغم ذلك، يحاول الحزب الليبرالي الكيبيكي الابتعاد عن السياسات الفيدرالية الحالية، لا سيما في ملف الإنفاق الحكومي. وقد أظهر مواقف أكثر تحفظًا في بعض القضايا الاجتماعية، مثل الدعوة لحظر مواقع استهلاك المخدرات بالقرب من المدارس، وهو ما يتوافق مع مواقف المحافظين الإقليميين.
إصلاح الحزب الليبرالي: التحديات والفرص
يرى الخبراء أن الحزب الليبرالي الفيدرالي أصبح مرادفًا لاسم جاستن ترودو.
يقول أندرو بيريز، الاستراتيجي السياسي: “بناء علامة الحزب حول شخصية واحدة فقط يُضعفه. عندما تتراجع شعبية هذا القائد، ينهار الحزب بأكمله.”
ويُحذر من أن التراجع الحاد للحزب الليبرالي قد يؤدي إلى خسارة المانحين والمؤيدين، مما يُعيده إلى وضعية مشابهة لوضع الليبراليين في أونتاريو بعد هزيمتهم في 2018.
من جانبه، يرى دان ماك تيج، النائب الليبرالي السابق، أن التوجه اليساري الحالي للحزب قد يقود إلى اندماجه مع الحزب الديمقراطي الجديد لتشكيل قوة يسارية جديدة على الساحة السياسية الكندية.
ويبدو الحزب الليبرالي في مرحلة إعادة تقييم شاملة. نجاح الأحزاب الليبرالية الإقليمية في تبني سياسات وسطية وواقعية قد يقدم نموذجًا للحزب الفيدرالي. ومع تراجع شعبية جاستن ترودو وتزايد الاستياء من سياسات مثل ضريبة الكربون، يواجه الليبراليون خيارات صعبة.
هل يمكنهم العودة إلى جذورهم الوسطية واستعادة ثقة الناخبين؟ أم أنهم سيظلون عالقين في ظل سياسات ترودو؟ المستقبل وحده يحمل الإجابة.
ماري جندي
المزيد
1