لندن (رويترز) – في لحظة تحمل دلالات كبيرة، ظهر الملك تشارلز الثالث يوم الجمعة ولوّح للمهنئين في وسط لندن أثناء مغادرته العاصمة متوجهًا إلى ضيعته الريفية في غرب إنجلترا، وذلك بعد يوم واحد فقط من دخوله المستشفى لفترة وجيزة بسبب آثار جانبية ناتجة عن علاجه المستمر من السرطان.
لندن (رويترز) – في لحظة تحمل دلالات كبيرة، ظهر الملك تشارلز الثالث يوم الجمعة ولوّح للمهنئين في وسط لندن أثناء مغادرته العاصمة متوجهًا إلى ضيعته الريفية في غرب إنجلترا، وذلك بعد يوم واحد فقط من دخوله المستشفى لفترة وجيزة بسبب آثار جانبية ناتجة عن علاجه المستمر من السرطان.
هذا الظهور العلني، على الرغم من بساطته، كان بمثابة تذكير حاد للمملكة المتحدة بأن ملكها، البالغ من العمر 76 عامًا، لا يزال يصارع المرض الخبيث، رغم النشاط الملحوظ الذي أبداه في الأشهر الأخيرة.
تفاصيل الوعكة الصحية الأخيرة
أعلن قصر باكنغهام يوم الخميس أن الملك اضطر إلى إلغاء التزاماته المقررة بناءً على نصيحة طبية بعد تعرضه لآثار جانبية مؤقتة من علاجه المجدول للسرطان. لم يكشف القصر عن طبيعة هذه الأعراض، لكنه أكد أنها لم تستدعِ سوى فترة قصيرة من المراقبة الطبية داخل المستشفى.
ومع ذلك، فإن مجرد حاجة الملك لدخول المستشفى، حتى لو لفترة وجيزة، أثارت تساؤلات حول مدى تقدمه في العلاج وحالته الصحية العامة. فالملك، الذي تم تشخيصه بنوع غير معلن من السرطان في فبراير 2024، بدا طيلة الأشهر الماضية وكأنه يتحدى المرض، حيث استأنف أنشطته الملكية وواصل التزاماته العامة كالمعتاد.
هل المرض أثر على جدول الملك؟
بعد فترة العلاج الأولي التي استمرت نحو ثلاثة أشهر، عاد تشارلز بقوة إلى المشهد العام، حيث حضر فعاليات مهمة مثل إحياء ذكرى يوم النصر في فرنسا، وقاد حفل الافتتاح الرسمي للبرلمان البريطاني، كما قام بجولة طويلة شملت أستراليا وساموا.
ومع ذلك، فإن الوعكة الصحية الأخيرة تطرح تساؤلات حول مدى قدرته على الاستمرار بنفس الوتيرة. ورغم أن القصر أكد أن الملك سيواصل مهامه كالمعتاد، بما في ذلك زيارة دولة مرتقبة إلى إيطاليا في أبريل، إلا أن المتابعين بدأوا يتساءلون عن مدى تأثير المرض على قدرته على أداء دوره.
شفافية غير مسبوقة في التعامل مع صحة الملك
في الماضي، كان القصر الملكي يتبع نهجًا صارمًا في عدم الإفصاح عن تفاصيل الحالة الصحية للملوك. فعلى سبيل المثال، عندما بدأت الملكة إليزابيث الثانية في التراجع صحيًا، اكتفى القصر بالإشارة إلى أنها تعاني من “مشاكل في الحركة”، دون تقديم أي تفاصيل إضافية. حتى جد تشارلز، الملك جورج السادس، لم يكن يعلم بخطورة إصابته بسرطان الرئة قبل وفاته في عام 1952.
لكن تشارلز الثالث قرر كسر هذا التقليد، حيث كان أكثر انفتاحًا في الحديث عن حالته الصحية منذ البداية. ففي يناير 2024، أعلن القصر أنه يخضع لعلاج لتضخم البروستاتا، قبل أن يكشف لاحقًا عن تشخيص إصابته بالسرطان.
هذا النهج الجديد في التعامل مع صحة الملك أثمر عن نتائج إيجابية، حيث أشادت السلطات الصحية بقراره، مشيرة إلى أن شفافيته شجعت آلاف الرجال على إجراء فحوصات البروستاتا، ما أدى إلى إنقاذ العديد من الأرواح. كما أن صراحته في الحديث عن مرضه جعلته أكثر قربًا من الشعب، حيث بات المواطنون ينظرون إليه على أنه، رغم مكانته الملكية، يواجه التحديات الصحية نفسها التي يمر بها الكثيرون.
لماذا يواصل تشارلز العمل بهذه الوتيرة؟
بالنظر إلى عمره وحالته الصحية، قد يتساءل البعض: لماذا لا يأخذ الملك استراحة من مسؤولياته؟ لكن الإجابة تكمن في شخصية تشارلز نفسه، الذي انتظر عقودًا طويلة ليصل إلى العرش، ويريد الآن أن يستثمر كل لحظة من وقته لخدمة المملكة.
طوال حياته، كان الملك معروفًا بحبه للعمل، حيث يقال إنه كان ينام أحيانًا على مكتبه بسبب كثافة جدول أعماله. وفي العام الماضي فقط، رغم فترات علاجه، شارك في 372 مناسبة رسمية، ما جعله ثاني أكثر أفراد العائلة المالكة نشاطًا بعد شقيقته الأميرة آن، التي حضرت 474 مناسبة.
حتى المقربون منه يؤكدون أنه لا يميل إلى التراخي، إذ صرّحت الملكة كاميلا العام الماضي بأن زوجها “يرفض التخفيف من جدول أعماله” رغم نصائحها المتكررة له. حتى الأمير هاري سبق أن ذكر أن والده يعمل بجهد يفوق الحد، حيث يستيقظ أحيانًا ليجد أوراق العمل ملتصقة بوجهه بعد أن غلبه النوم أثناء قراءتها.
رسالة غير مباشرة من الملك لشعبه
يرى بعض المراقبين أن تشارلز الثالث لا يسعى فقط للحفاظ على استمرارية النظام الملكي، بل يريد أيضًا أن يرسل رسالة واضحة مفادها أن العرش البريطاني لا يزال قويًا، وأن السرطان لن يعيقه عن أداء دوره.
ومع ذلك، فإن حقيقة كونه رجلًا في منتصف السبعينات من عمره، ويخضع لعلاج السرطان، تجعل أي انتكاسة صحية محل اهتمام وترقب. وكما قال الكاتب الملكي روبرت هاردمان: “لقد بدا وكأنه عاد إلى طبيعته، لكن هذه الواقعة الأخيرة هي بمثابة تذكير بأننا أمام ملك لا يزال يخوض معركته مع المرض”.
وفي ظل هذه الظروف، ستبقى صحة تشارلز الثالثة موضوعًا حساسًا داخل المملكة المتحدة، مع استمرار التساؤلات حول مدى تأثير ذلك على استمرارية دوره الملكي في السنوات المقبلة.
ماري جندي
المزيد
1