في أحدث مؤلفاته، شدد الباحث والمحلل السياسي أندرس كور على ضرورة أن تبقى كندا والولايات المتحدة متماسكتين كحليفين استراتيجيين لمواجهة النفوذ المتزايد للصين. وأكد أن الحفاظ على هذا التحالف الوثيق هو مفتاح أساسي لحماية المصالح المشتركة للبلدين، خاصةً في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية مع بكين.
في أحدث مؤلفاته، شدد الباحث والمحلل السياسي أندرس كور على ضرورة أن تبقى كندا والولايات المتحدة متماسكتين كحليفين استراتيجيين لمواجهة النفوذ المتزايد للصين. وأكد أن الحفاظ على هذا التحالف الوثيق هو مفتاح أساسي لحماية المصالح المشتركة للبلدين، خاصةً في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية مع بكين.
الولايات المتحدة تتبنى موقفًا أكثر صرامة تجاه الصين
على مدار السنوات الأخيرة، تبنّت الولايات المتحدة موقفًا أكثر حزمًا في تعاملها مع الصين، معتبرة أن سلوكها العدواني لم يعد مقبولًا. وهذا الموقف الصارم قد يدفع العديد من الدول الغربية وحلفاء أمريكا إلى انتهاج نهج مماثل، لكن يبقى السؤال: هل تفعل واشنطن ما يكفي للحفاظ على علاقاتها القوية مع حلفائها ومنعهم من الانجراف نحو الصين؟
سياسة العصا والجزرة الصينية.. هل تنجح؟
يرى أندرس كور أن الصين تتبنى سياسة تقوم على مزيج من التهديدات والعقوبات التجارية، إلى جانب محاولات تحسين العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وكندا. فالحزب الشيوعي الصيني يواصل التهديد بفرض عقوبات اقتصادية ضد الدول التي تتخذ مواقف لا تتماشى مع مصالحه، بينما يحاول في الوقت ذاته تعزيز العلاقات معها. لكن هل تنجح هذه الاستراتيجية؟
يعتقد كور أن هذا النهج لن يحقق النتائج المرجوة، خاصةً في ظل قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يبدو أقوى من أي وقت مضى. وبالنسبة لواشنطن، فإن اتخاذ خطوات مثل تخفيف الرسوم الجمركية المفروضة على كندا قد يكون خطوة استراتيجية لمواجهة السياسة الاقتصادية الصينية دون تكبد خسائر كبيرة.
كندا.. الحليف الديمقراطي الذي يستحق الدعم
من المعروف أن الكنديين يفضلون التعامل مع أنظمة ديمقراطية صديقة على التعامل مع الصين، ولهذا تستحق كندا إشادة أمريكية. ومؤخرًا، اتخذت أوتاوا خطوة هامة بتوقيعها على قرار صارم تجاه الصين، وهو قرار تم التفاوض عليه بقيادة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو وحظي بموافقة وزراء خارجية مجموعة السبع.
يؤكد كور أن الحفاظ على رضا كندا ودعمها للسياسات الأمريكية لن يكون صعبًا إذا حرصت الولايات المتحدة على تحسين العلاقات الثنائية، التي شهدت بعض التوترات مؤخرًا. وهذا يمكن تحقيقه بسهولة من خلال تقديم الدعم لكندا بدلًا من فرض المزيد من العقوبات التجارية عليها.
المزارعون الكنديون في مواجهة العقوبات الصينية
إحدى أبرز القضايا الاقتصادية الحالية تتعلق بالمزارعين الكنديين الذين يواجهون تحديات متزايدة بسبب العقوبات التجارية الصينية. فبكين تعتزم فرض رسوم جمركية على مجموعة من المنتجات الزراعية الكندية، مثل زيت الكانولا، وكعك الزيت، والبازلاء، ولحم الخنزير، والمنتجات المائية، بدءًا من 20 مارس.
وفي المقابل، تهدد الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على غالبية السلع الكندية، اعتبارًا من 2 أبريل. وهنا يبرز تساؤل مهم: هل من المنطقي أن تفرض واشنطن هذه الرسوم على أحد أقرب حلفائها؟
يرى كور أن فرض مثل هذه الرسوم الجمركية على كندا لا يخدم المصالح الأمريكية، لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية الأمنية. فالقرب الجغرافي والعلاقات التاريخية بين البلدين يجب أن تكون عوامل مشجعة لتعزيز التعاون بدلًا من خلق المزيد من العقبات التجارية.
حرب تجارية مشتركة ضد الصين.. ولكن هل ترد واشنطن الجميل؟
تمامًا مثل الولايات المتحدة، تجد كندا نفسها في مواجهة حرب تجارية مع الصين. فقد ردّت بكين على الرسوم الجمركية التي فرضتها أوتاوا على السيارات الكهربائية والصلب والألمنيوم الصينية بفرض عقوبات مماثلة. ومن الجدير بالذكر أن هذه الرسوم الكندية تتماشى مع الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على نفس المنتجات، لمنع الصين من استخدام كندا كنقطة عبور لتفادي الضرائب الأمريكية.
وفي هذا السياق، تمتلك واشنطن فرصة ذهبية لرد الجميل لكندا عبر إلغاء بعض أو كل الرسوم الجمركية المخطط فرضها عليها. ويمكن للولايات المتحدة أيضًا قيادة جهود دولية لتخفيف الرسوم المفروضة على السلع الكندية في الأسواق العالمية، مما يساعد على تعويض الخسائر التي قد تتكبدها أوتاوا بسبب العقوبات الصينية.
استراتيجية جديدة لمواجهة الضغط التجاري الصيني
يقترح كور أن أفضل طريقة لمواجهة النفوذ الاقتصادي الصيني هي تبني استراتيجية جماعية تقوم على مبدأ الدعم المتبادل بين الحلفاء. فبدلًا من السماح للصين باستخدام العقوبات التجارية لإضعاف أحد حلفاء الولايات المتحدة، يمكن لجميع الحلفاء التعاون لتعويض أي خسائر اقتصادية من خلال تعزيز التجارة بينهم.
على سبيل المثال، إذا فرضت الصين عقوبات على الصادرات الكندية، يمكن للحلفاء الغربيين شراء هذه المنتجات لتعويض الخسائر، مما يحد من قدرة الصين على ممارسة الضغط الاقتصادي. وإذا تم تنسيق هذه الجهود بشكل فعال، فإن الصين ستجد نفسها عاجزة عن استخدام سلاح العقوبات التجارية لتحقيق مكاسب سياسية.
هل يغيّر رئيس الوزراء الكندي الجديد موقفه تجاه الصين؟
مع وصول مارك كارني إلى رئاسة الوزراء في كندا، تتزايد التوقعات بشأن موقفه تجاه الصين. فكارني لديه تاريخ من التعامل مع بكين عبر الشركات التي عمل بها سابقًا، كما أن موقفه تجاه الهجمات الإلكترونية الصينية لم يكن واضحًا بما يكفي خلال سباق قيادة الحزب الليبرالي.
وفي الوقت نفسه، لم يخفِ كارني انتقاداته لواشنطن، حيث دعا إلى تنويع الشراكات الأمنية والتجارية لكندا بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة. بل إنه يراجع حاليًا قرار كندا بشأن شراء طائرات إف-35، على خلفية تراجع الولايات المتحدة عن تقديم دعم تقني مماثل لطائرات إف-16 الأوكرانية.
الوحدة الكندية الأمريكية ضرورة استراتيجية
في ظل هذه التحديات، يرى كور أن اللحظة الحالية تمثل فرصة مثالية لكندا والولايات المتحدة لإظهار وحدتهما في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي. ومن شأن اتخاذ خطوات بسيطة مثل إعفاء المنتجات الكندية من الرسوم الجمركية أن يكون بادرة إيجابية تعزز العلاقات بين البلدين.
فالتحالف الأمريكي الكندي ليس مجرد شراكة اقتصادية، بل هو عنصر أساسي في الأمن القومي لكلا البلدين. ومن مصلحة واشنطن الحفاظ على قوة هذا التحالف، سواءً في مواجهة التهديدات الصينية في المحيط الهادئ، أو المخاطر الروسية في القطب الشمالي.
ويتطلب الحفاظ على هذا التحالف بعض المرونة من الجانب الأمريكي، خاصةً فيما يتعلق بالسياسات التجارية. فتخفيف الرسوم الجمركية وإظهار دعم أكبر لكندا سيعزز العلاقات الثنائية، ويبعث برسالة واضحة للصين بأن تحالف أمريكا الشمالية أقوى من أي وقت مضى.
في النهاية، التحالف بين الولايات المتحدة وكندا ليس مجرد علاقة عابرة، بل هو شراكة استراتيجية طويلة الأمد تستحق أن تحظى بكل الدعم الممكن.
ماري جندي
المزيد
1