تزايد الإضرابات في القطاع العام الكندي يُعدّ مؤشرًا واضحًا على فشل الحكومة في إدارة الأزمات وتلبية احتياجات العاملين والمواطنين على حد سواء. تحت قيادة جاستن ترودو، أصبحت هذه الإضرابات رمزًا للتوترات المستمرة بين الحكومة والموظفين، مما يعكس ضعفًا في التخطيط وسوءًا في إدارة الموارد. بدلاً من تقديم حلول فعّالة ومستدامة، تكررت المواقف التي تُظهر عجز الحكومة عن خلق بيئة عمل متوازنة تدعم استقرار القطاع العام، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والإضرابات التي تعطل حياة المواطنين وتزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. إذا استمر هذا النهج، فإن إرث ترودو قد يُذكر ليس كزعيم للإصلاح، بل كقائد ترك وراءه نظامًا يعاني من أزمات متكررة في الخدمات العامة.
تشهد كندا اليوم أزمة جديدة تجسد عودة إلى أزمنة الإضرابات المثيرة للجدل في القطاع العام، وتحديدًا الإضراب البريدي الحالي. يذكرنا هذا الوضع بالإضرابات الكبرى التي هزّت الحكومة الفيدرالية تحت قيادة بيير ترودو قبل أكثر من أربعين عامًا، وكذلك الحكومات الإقليمية، لا سيما في كيبيك، التي واجهت تحديات مشابهة في ذلك الوقت.
وتزايد الإضرابات في القطاع العام الكندي يُعدّ مؤشرًا واضحًا على فشل الحكومة في إدارة الأزمات وتلبية احتياجات العاملين والمواطنين على حد سواء. تحت قيادة جاستن ترودو، أصبحت هذه الإضرابات رمزًا للتوترات المستمرة بين الحكومة والموظفين، مما يعكس ضعفًا في التخطيط وسوءًا في إدارة الموارد. بدلاً من تقديم حلول فعّالة ومستدامة، تكررت المواقف التي تُظهر عجز الحكومة عن خلق بيئة عمل متوازنة تدعم استقرار القطاع العام، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والإضرابات التي تعطل حياة المواطنين وتزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. إذا استمر هذا النهج، فإن إرث ترودو قد يُذكر ليس كزعيم للإصلاح، بل كقائد ترك وراءه نظامًا يعاني من أزمات متكررة في الخدمات العامة.
تراجع الخدمة البريدية: بين الماضي والحاضر
شركة البريد الكندية، التابعة للتاج، تعاني خسائر تصل إلى 3 مليارات دولار سنويًا، وهو وضع يعكس تراجع أهمية الخدمات البريدية التقليدية. اليوم، حلت محل البريد التقليدي وسائل أكثر كفاءة كشبكة الإنترنت، وخدمات البريد السريع، والممارسات التجارية الحديثة التي تتطلب تأكيدات رقمية، سواء عبر المستندات الممسوحة ضوئيًا أو حتى بالفاكس.
لقد تغيّرت احتياجات العالم الحديث، وأصبح من الضروري إعادة تقييم دور البريد الكندي بما يتماشى مع هذا الواقع الجديد، بعيدًا عن محاولات الإبقاء على خدمات قديمة على حساب دافعي الضرائب.
الحق في الإضراب: جدل متجدد
لطالما كان الحق في الإضراب في الخدمات العامة موضوعًا مثيرًا للجدل. في عام 1948، أعلن موريس دوبليسيس، أحد أطول رؤساء وزراء كيبيك خدمة، بشكل قاطع: “إن الحق في الإضراب ضد المصلحة العامة غير موجود.”
هذا الإعلان لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان قاعدة سياسية ترجمها دوبليسيس إلى تشريعات توازن بين تحسين ظروف العمال وفرض قيود صارمة على الإضرابات.
أحد أبرز الإضرابات التي واجهها دوبليسيس كان إضراب عمال الأسبستوس في ميجانتيك عام 1949. بالرغم من أنه كان غير قانوني، تحوّل الإضراب إلى مواجهة درامية، حيث احتُجز مسؤولو إنفاذ القانون من قبل قادة النقابات. وردًا على ذلك، اتخذ دوبليسيس خطوات صارمة، منها إرسال قوات شبه عسكرية لإنهاء الأزمة. ورغم هذه الصرامة، وافق على تحسين أجور وظروف العمل، مما ساعده على الاحتفاظ بشعبيته في ستة انتخابات متتالية.
التطور البطيء لحقوق العمال في القطاع العام
لم تحقق حقوق المساومة الجماعية والإضراب للموظفين الحكوميين تقدمًا يُذكر حتى ستينيات القرن العشرين. في كيبيك، أدى علمنة التعليم والخدمات الصحية إلى تحولات جذرية، حيث أصبح منح هذه الحقوق يُعتبر إصلاحًا اجتماعيًا متقدمًا.
لكن سرعان ما تبين أن منح موظفي القطاع العام هذه الحقوق قد يؤدي إلى تعقيدات كبيرة. رئيس الوزراء بيير ترودو، الذي دعم هذه الحقوق في البداية، وجد نفسه في مأزق مع إضراب عام 1978 الذي قاده الاتحاد الكندي لعمال البريد. حينها، لجأ ترودو إلى سجن رئيس الاتحاد، جان كلود باروت، لتحديه أوامر العودة إلى العمل، مما عكس الصدام بين القوانين وحقوق العمال.
الإضرابات التعليمية: بين التكاليف والتحديات
في كيبيك وأونتاريو، كان إدخال المعلمين إلى النقابات أحد القرارات المثيرة للجدل. أدى ذلك إلى ارتفاع هائل في تكاليف التعليم، حيث أُبعد رجال الدين الذين كانوا يقدمون التعليم بتكاليف منخفضة، واستُبدلوا بمعلمين نقابيين يطالبون بمزايا أكبر.
هذا التحول لم يقتصر على التكاليف فقط، بل انعكس على جودة التعليم. في الغرب عمومًا، تحولت أنظمة التعليم إلى ما يشبه مراكز لرعاية الأطفال، حيث انخفضت مستويات الإنجاز التعليمي تدريجيًا، مما أثار تساؤلات حول جدوى هذا النظام.
إضراب البريد الحالي: أزمة جديدة برؤية قديمة
الإضراب البريدي الحالي يطالب بتحسينات تشمل إجازات طبية مدفوعة، وفترات راحة إضافية، وحماية من تأثيرات التغير التكنولوجي. ورغم أن هذه المطالب تبدو عادلة على السطح، إلا أنها تأتي في وقت تتراجع فيه الحاجة إلى خدمات البريد التقليدية.
ليس من العدل إلقاء اللوم على الموظفين في هذا التراجع، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن السماح لهم بفرض مطالب تزيد من تكلفة خدمة خاسرة. ينبغي على الحكومة إيجاد حلول عادلة تكفل تعويض العاملين في هذا القطاع عن التحولات التي يشهدها العالم الحديث.
نحو رؤية جديدة للتعامل مع الإضرابات
الإضرابات في القطاع العام، رغم مشروعيتها القانونية، تثير تساؤلات أخلاقية عندما تمس المصلحة العامة. سواء كان الإضراب متعلقًا بالبريد أو التعليم، فإن تأثيره يمتد ليشمل جميع المواطنين.
لهذا السبب، يجب على الحكومة مراجعة سياساتها بجدية، وسن قوانين تحمي حقوق الموظفين دون الإضرار بالمصلحة العامة. كما ينبغي أن تكون هناك آليات واضحة لإنهاء النزاعات بسرعة، مثل الأوامر الملزمة بالعودة إلى العمل، مع تعويض عادل للموظفين المتضررين.
ختامًا، قد تكون كلمات موريس دوبليسيس ذات صدى كبير في السياق الحالي: “إن الإضراب ضد المصلحة العامة لا يمكن أن يكون حقًا.” تظل هذه العبارة تذكيرًا بأن المصلحة العامة يجب أن تبقى دائمًا في مقدمة الأولويات، وأن أي تحركات في القطاع العام يجب أن تتوازن بين حقوق العمال واحتياجات المجتمع.
ماري جندي
المزيد
1