تُعتبر الانتخابات الفيدرالية الكندية عملية شاملة تنطوي على مراحل متعددة، تبدأ قبل فترة طويلة من يوم الاقتراع وتستمر حتى بعد انتهاء الانتخابات بفترة ليست بالقصيرة. فمنذ لحظة حلّ البرلمان، وحتى فرز آخر صوت، تخضع العملية الانتخابية لسلسلة من الإجراءات التنظيمية الدقيقة التي تهدف إلى ضمان الشفافية والنزاهة في اختيار ممثلي الشعب.
تُعتبر الانتخابات الفيدرالية الكندية عملية شاملة تنطوي على مراحل متعددة، تبدأ قبل فترة طويلة من يوم الاقتراع وتستمر حتى بعد انتهاء الانتخابات بفترة ليست بالقصيرة. فمنذ لحظة حلّ البرلمان، وحتى فرز آخر صوت، تخضع العملية الانتخابية لسلسلة من الإجراءات التنظيمية الدقيقة التي تهدف إلى ضمان الشفافية والنزاهة في اختيار ممثلي الشعب.
بداية العملية الانتخابية: دعوة إلى صناديق الاقتراع
عند حل البرلمان، يُصدر الحاكم العام توجيهًا إلى كبير مسؤولي الانتخابات (CEO) لإطلاق العملية الانتخابية رسميًا. وبحسب قانون الانتخابات الكندي (CEA)، فإن الانتخابات العامة تُعقد وفق جدول زمني محدد، بحيث تُجرى في ثالث يوم اثنين من شهر أكتوبر كل أربع سنوات بعد الانتخابات السابقة. ومع ذلك، لا يمنع القانون إمكانية الدعوة إلى انتخابات في مواعيد أخرى، إذا اقتضت الظروف السياسية ذلك.
تمتد الحملة الانتخابية لفترة تتراوح بين 37 إلى 51 يومًا، حيث يُحدد يوم الاثنين عادةً ليكون يوم الاقتراع، مع بعض الاستثناءات المحدودة. ومنذ عام 2018، يبدأ ما يُعرف بـ “الفترة السابقة للانتخابات” في 30 يونيو/حزيران الذي يسبق الانتخابات، حيث تخضع الكيانات السياسية منذ ذلك الحين لقيود مالية فيما يتعلق بإنفاقها الانتخابي.
الإشراف على الانتخابات: إدارة دقيقة لكل دائرة انتخابية
يتولى كبير مسؤولي الانتخابات (CEO) مسؤولية تعيين مسؤول انتخابي (RO) لكل دائرة انتخابية، والذي يُشرف على إدارة العملية الانتخابية محليًا وفقًا للقوانين والتعليمات المنظمة. رغم أن الانتخابات الفيدرالية تُنظّم على مستوى الدولة، إلا أنها عمليًا تتكون من مجموعة من الانتخابات المحلية التي تُجرى بشكل متزامن في جميع الدوائر الانتخابية البالغ عددها 338 دائرة.
استعدادات ضخمة قبل الانتخابات: عمل لا يتوقف
قد تبدو عملية التصويت بسيطة للناخب الذي يستغرق دقائق معدودة للإدلاء بصوته، إلا أن التحضير لهذا الحدث يستغرق سنوات من التخطيط، خاصة في ظل الحكومات الأقلية، حيث يكون احتمال الدعوة إلى انتخابات مبكرة واردًا في أي وقت.
تشمل استعدادات الانتخابات تجهيز كل ما هو مطلوب لإدارة العملية بسلاسة، من الأدوات المكتبية مثل الأوراق والأقلام، إلى الأنظمة التكنولوجية الحديثة التي تُشغَّل عبر آلاف أجهزة الكمبيوتر الموزعة في جميع أنحاء البلاد. وإضافة إلى ذلك، تشمل التحضيرات:
1. تدريب العاملين في الانتخابات
يحتاج آلاف العاملين في الانتخابات إلى تدريب مكثف ليكونوا جاهزين لتقديم خدماتهم فور تعيينهم. لذا، تقوم هيئة الانتخابات الكندية بإعداد وتحديث مواد تدريبية بشكل مستمر لمواكبة أي تغييرات في الإجراءات أو القوانين.
2. حملة توعية الناخبين
حرصًا على تمكين الكنديين من ممارسة حقهم الديمقراطي، تُنظم هيئة الانتخابات الكندية حملات توعية واسعة تمتد لأشهر قبل الانتخابات، وتتضمن وسائل إعلانية، وصفحات إلكترونية، ونشاطًا مكثفًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تزويد الناخبين بمعلومات دقيقة حول كيفية التصويت وأين ومتى يمكنهم الإدلاء بأصواتهم.
3. تأمين مواقع الاقتراع
يُعتبر تحديد مواقع الاقتراع خطوة حاسمة في التحضير للانتخابات. يبدأ مسؤولو الانتخابات عملهم قبل أشهر من إعلان موعد الانتخابات، حيث يقومون بزيارة آلاف المواقع في جميع أنحاء البلاد، لضمان توافرها وإمكانية وصول الناخبين إليها بسهولة. عند الدعوة للانتخابات، يتم تأجير هذه المواقع رسميًا، وفي الانتخابات العامة الأخيرة، تم تخصيص أكثر من 14,000 مركز اقتراع ليوم الانتخابات، إضافة إلى 3,600 مركز للاقتراع المبكر.
التواصل مع المجتمعات: تعزيز المشاركة الديمقراطية
تلعب التوعية والتواصل دورًا أساسيًا في ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع في العملية الانتخابية. ومن ضمن جهود التواصل:
تعزيز مشاركة السكان الأصليين: تعمل هيئة الانتخابات الكندية على بناء علاقات قوية مع المجتمعات الأصلية لضمان تزويدهم بالمعلومات حول عملية التصويت وفرص العمل داخل الانتخابات.
التصويت في الحرم الجامعي: يهدف برنامج “التصويت في الحرم الجامعي” إلى تمكين الطلاب من التصويت بسهولة داخل جامعاتهم، ويشمل أكثر من 120 موقعًا جامعيًا في جميع أنحاء البلاد.
بعد الانتخابات: لا ينتهي العمل بانتهاء التصويت
تبدأ مرحلة ما بعد الانتخابات فور إغلاق صناديق الاقتراع، حيث تتضمن هذه المرحلة عمليات التحقق من النتائج، والمراجعات القانونية، وإعداد التقارير النهائية.
1. التحقق من النتائج
عادةً ما يتم اعتماد النتائج النهائية خلال الأسبوع التالي ليوم الانتخابات، حيث يقوم مسؤولو الانتخابات بمراجعة عمليات الفرز والتأكد من دقة الأرقام المعلنة.
2. إعادة الفرز القضائي
في بعض الحالات، يتم اللجوء إلى إعادة فرز الأصوات تحت إشراف قاضٍ من المحكمة العليا بالمقاطعة، خصوصًا إذا كان الفارق بين المتنافسين ضئيلًا جدًا، أو في حال وجود طلب رسمي بإعادة الفرز بسبب وجود خطأ في العد الأولي.
3. الطعون القانونية والانتخابات المتنازع عليها
في حال وجود ادعاءات بالتلاعب أو المخالفات، يمكن للمرشحين أو الناخبين الطعن في نتائج الانتخابات أمام القضاء. ونادرًا ما يتم اللجوء إلى هذا الإجراء، لكنه يظل آلية قانونية لحماية نزاهة العملية الديمقراطية.
4. التدقيق المستقل
منذ عام 2014، أصبح التدقيق المستقل إلزاميًا لكل انتخابات عامة أو فرعية، حيث يتم التحقق من مدى التزام المسؤولين بإجراءات الانتخابات وفقًا للقانون.
إعداد التقارير والتقييمات
بعد انتهاء الانتخابات، تُصدر هيئة الانتخابات الكندية سلسلة من التقارير الرسمية، والتي تشمل:
التقرير القانوني: يصف تفاصيل إدارة الانتخابات.
تقرير تقييم الأداء: يُقيّم مدى نجاح الانتخابات مقارنة بالمؤشرات المحددة مسبقًا.
تقرير التوصيات: يقدّم مقترحات لتحسين العمليات الانتخابية في المستقبل.
الامتثال والتنفيذ: ضمان الشفافية والمحاسبة
لا تتوقف الرقابة عند انتهاء الانتخابات، بل تستمر لضمان الامتثال للقوانين. ويشمل ذلك:
التدقيق المالي لحملات المرشحين والأحزاب، حيث يتم مراجعة النفقات والتمويلات الانتخابية للتأكد من التزام الجميع بالحدود القانونية.
مراجعة المواد الانتخابية، للتحقق من أي مخالفات محتملة مثل التصويت المزدوج أو التصويت غير القانوني.
إحالة الانتهاكات المحتملة إلى مفوض الانتخابات الكندية، والذي يملك صلاحية فرض العقوبات أو إحالة القضايا إلى المحاكم عند الحاجة.
ختامًا: الانتخابات الكندية بين الدقة والالتزام
يُظهر هذا الاستعراض كيف أن الانتخابات في كندا ليست مجرد حدثٍ سياسي بل عملية إدارية ضخمة تتطلب تخطيطًا متقنًا وجهودًا متواصلة لضمان نزاهة التصويت وسلاسة العملية الديمقراطية. من خلال التخطيط الدقيق، والرقابة الصارمة، والانفتاح على التحسينات المستمرة، تظل كندا نموذجًا يُحتذى به في إدارة الانتخابات بشفافية وفعالية.
ماري جندي
المزيد
1