لا ينبغي التعامل مع الكشف الذي أوردته صحيفة ذا غلوب آند ميل بشأن إغلاق بنك “تي دي” لحسابات مرتبطة بجماعات يُشتبه بتأييدها للصين، كإجراء روتيني لإدارة المخاطر. فهذه الخطوة، التي شملت حسابات على صلة بالنائب الليبرالي السابق هان دونغ، تمثل علامة واضحة على مواجهة أعمق وأخطر: حرب هجينة يشنها الحزب الشيوعي الصيني ضد كندا، تتعدى الأطر التقليدية للصراع السياسي.
لا ينبغي التعامل مع الكشف الذي أوردته صحيفة ذا غلوب آند ميل بشأن إغلاق بنك “تي دي” لحسابات مرتبطة بجماعات يُشتبه بتأييدها للصين، كإجراء روتيني لإدارة المخاطر. فهذه الخطوة، التي شملت حسابات على صلة بالنائب الليبرالي السابق هان دونغ، تمثل علامة واضحة على مواجهة أعمق وأخطر: حرب هجينة يشنها الحزب الشيوعي الصيني ضد كندا، تتعدى الأطر التقليدية للصراع السياسي.
وفقًا للتقارير، استند قرار البنك إلى “مخاطر السمعة” ومخاوف من تدخل أجنبي، وركّز على أفراد مصنفين كـ”أشخاص معرضين سياسيًا” (PEPs)، وهي فئة يستخدمها القطاع المصرفي والأمني للإشارة إلى شخصيات يُحتمل استغلال نفوذها. عندما يتخذ بنك كبير مثل “تي دي” هذا النوع من الإجراءات، في وقت لا تزال فيه الحكومة الفيدرالية مترددة، فإن ذلك يعكس حجم التهديد الذي لم يعد افتراضيًا بل واقعًا ملموسًا.
الحرب الهجينة، كما نُعرّفها، تعتمد على أدوات غير عسكرية – مثل الهجمات السيبرانية، والتأثير المالي، والتدخل السياسي، والدعاية المضللة – لتقويض مؤسسات الدول من الداخل. وفي كتاب تأثير الفسيفساء: كيف بدأ الحزب الشيوعي الصيني حربًا هجينة في الفناء الخلفي لأمريكا، الذي ألّفته بالشراكة مع إينا ميتشل، رصدنا بدقة بنية النفوذ التي أنشأتها بكين داخل النسيج الكندي. ما نراه الآن هو بداية تفكك تلك الشبكة، حسابًا بنكيًا تلو الآخر.
التلاعب المالي يشكل حجر زاوية في هذه الاستراتيجية؛ فالأموال تُحوّل عبر منصات مشبوهة مثل WeChat Pay وUnionPay والعملات المشفرة، بعيدًا عن أعين أنظمة الامتثال. وهذه التدفقات المالية تخترق قطاعات حساسة مثل العقارات والبنية التحتية والجامعات – وكلها محورية لأمن كندا القومي.
إلى جانب ذلك، يُستخدم نظام “الائتمان الاجتماعي” الصيني كأداة ضغط تمتد حتى إلى المواطنين والشركات الصينية في الخارج، ما ينفي فعليًا وجود كيان اقتصادي صيني مستقل بالكامل. ويُضاف إلى هذا النظام آلية “جوانكسي”، وهي شبكة من العلاقات الشخصية التي يمكن تسخيرها لتجاوز القوانين والتأثير في صناع القرار دون أن تُرصد رسميًا.
وفي الوقت نفسه، تواجه كندا تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات الإلكترونية المدعومة من الدولة الصينية، والتي تستهدف مؤسسات حكومية وشركات خاصة، وتسرق بيانات، وتُضعف الثقة العامة في البنية التحتية الرقمية.
إجراء بنك “تي دي” يجب ألا يُفهم على أنه حدث معزول، بل على أنه ناقوس خطر. القطاع المالي بدأ يدق الجرس؛ والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: إذا كانت المؤسسات الخاصة تستشعر الخطر وتتصرف، لماذا لا تزال الحكومة الكندية مترددة؟
في ظل مزاعم متكررة بالتدخل في الإنتخابات وتهديد الجاليات الكندية ذات الأصول الأجنبية، ومع انكشاف بُعد مالي لهذه التدخلات، لم يعد بالإمكان الاكتفاء بردود فعل جزئية ومؤقتة. ما تحتاجه كندا هو استجابة وطنية شاملة، تشمل:
• تشريع جديد وفعّال لمكافحة التدخل الأجنبي؛
• تعزيز أطر الامتثال في القطاعين المالي والتقني؛
• نشر الوعي العام بأن كندا تواجه تهديدًا متعدد الأبعاد على أرضها.
استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني تقوم على التخطيط بعيد المدى، والاعتماد على أدوات سياسية واقتصادية وسيبرانية منظمة. وللتعامل مع هذا التهديد، ينبغي أن تكون استجابتنا بنفس القدر من التنسيق والحسم.
التهديد لم يعد نظرية. والفسيفساء التي طالما حذرنا منها لم تعد مجرد احتمالات – إنها واقع يتكشف أمام أعيننا. ويبقى السؤال: هل ننتظر المزيد من الانكشاف؟ أم نتحرك قبل أن تُصبح مؤسساتنا رهينة لنفوذ أجنبي؟
المصدر : أوكسيجن كندا نيوز
المحرر : رامى بطرس
المزيد
1