في خطوة قد تعيد رسم ملامح قطاع صناعة السيارات في أمريكا الشمالية، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم توقيع أمر تنفيذي يوم الثلاثاء يهدف إلى تقديم “إغاثة حقيقية” لصناعة السيارات الأمريكية التي تعاني منذ شهور تحت وطأة رسوم جمركية متزايدة ومتعددة الجبهات.
في خطوة قد تعيد رسم ملامح قطاع صناعة السيارات في أمريكا الشمالية، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتزم توقيع أمر تنفيذي يوم الثلاثاء يهدف إلى تقديم “إغاثة حقيقية” لصناعة السيارات الأمريكية التي تعاني منذ شهور تحت وطأة رسوم جمركية متزايدة ومتعددة الجبهات.
رغم أن ليفيت لم تُفصح عن تفاصيل دقيقة بشأن طبيعة هذا الإجراء المرتقب، إلا أن وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، قدّم لمحة عن النوايا الرئاسية، مشيرًا إلى أن ترامب “عازم على إعادة عجلة تصنيع السيارات إلى الأراضي الأمريكية”، ومؤكدًا أن الإدارة تسعى إلى خلق بيئة محفّزة يمكن من خلالها للشركات أن تعيد توطين مصانعها بسرعة وكفاءة، بما يضمن خلق أكبر عدد ممكن من فرص العمل في هذا القطاع الحيوي.
شبكة معقدة من الرسوم الجمركية
وكان ترامب قد فرض في وقت سابق من الشهر الحالي رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات، ما أثار موجة من القلق داخل قطاع السيارات الذي يعتمد بدرجة كبيرة على سلسلة توريد عالمية متداخلة. ولم تكن هذه الرسوم الوحيدة، إذ فرضت الإدارة أيضاً تعريفات بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، علاوة على رسوم عامة بنسبة 10%، وأخرى باهظة بنسبة تصل إلى 145% على الواردات القادمة من الصين.
هذه التراكمات الجمركية خلقت ضغطًا هائلًا على الشركات، حيث اضطرت إلى دفع رسوم متراكبة على كل جزء من سلسلة التصنيع، ما رفع التكاليف وهدد جدوى الإنتاج المحلي.
لكن صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي كانت أول من كشف عن التوجه الجديد، أوضحت في تقريرها أن الإدارة تعتزم تخفيف هذا العبء المركب، من خلال منع تراكب الرسوم على الشركات العاملة في قطاع السيارات. بمعنى آخر، لن تُفرض رسوم إضافية على الشركات التي دفعت بالفعل رسومًا جمركية على السيارات المستوردة، مثل تلك المتعلقة بالصلب والألومنيوم.
إعفاءات جديدة وتعديلات على رسوم مرتقبة
ووفقًا لتقارير الصحيفة، يتضمن القرار المنتظر أيضًا تخفيفًا لبعض الرسوم المفروضة على الأجزاء الأجنبية التي تُستخدم في تصنيع السيارات داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعديلات على رسوم أخرى كانت ستدخل حيز التنفيذ في الثالث من مايو المقبل. هذا التغيير يُفهم على أنه محاولة لإنقاذ الصناعة من الانكماش ودفعها نحو النمو مجددًا من خلال مرونة أكبر في سلاسل الإمداد.
وفي هذا السياق، قال الوزير بيسنت: “لن أتطرق إلى تفاصيل كل بند من بنود الإعفاء الجمركي، لكن ما أستطيع قوله هو أن هذه الخطوة ستُحدث فرقاً حقيقياً في جهودنا لإعادة التصنيع إلى الأراضي الأمريكية.”
التأثير المحتمل على صناعة السيارات الكندية
ومع أن التركيز كان على الصناعة المحلية، فإن التأثيرات الإقليمية – خاصة على صناعة السيارات في كندا – لا تزال غير واضحة بالكامل. كندا كانت قد حصلت في وقت سابق على إعفاء جزئي من الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على السيارات، شريطة أن تتوافق تلك السيارات مع بنود اتفاقية التجارة الحرة الجديدة بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك (CUSMA).
هذه الاتفاقية تقضي بفرض الرسوم فقط على الأجزاء التي لا تُصنّع داخل أمريكا الشمالية، مما يعني أن معظم الإنتاج الكندي لا يزال يتمتع بحماية نسبية. ومع ذلك، فإن أي تغيير في السياسة الجمركية الأمريكية قد يؤثر بشكل غير مباشر على سلاسل التوريد والمنافسة داخل السوق الكندية والأمريكية على حد سواء.
دعم من الصناعة… وتحذيرات من جماعات الضغط
من جانبها، أبدت الشركات الكبرى، وعلى رأسها جنرال موتورز، دعمًا واضحًا لهذه التوجهات الجديدة. حيث قالت الرئيسة التنفيذية للشركة، ماري بارا، إنهم يثمّنون “الحوار البنّاء مع الرئيس وإدارته”، وأعربت عن تطلعها لاستمرار التعاون بما يخدم مصلحة الاقتصاد الأمريكي.
وأضافت بارا في بيان عبر البريد الإلكتروني: “نعتقد أن قيادة الرئيس تسهم في خلق بيئة منافسة عادلة، مما يفتح أمامنا المجال للاستثمار بقوة أكبر داخل الولايات المتحدة.”
ومع ذلك، لم يخلُ المشهد من القلق، فقد وجّهت ست من أكبر جماعات الضغط في قطاع السيارات رسالة عاجلة إلى إدارة ترامب الأسبوع الماضي تحثه فيها على تخفيف الأعباء الجمركية، محذّرة من نتائج وخيمة قد تهدد استمرار سلاسل التوريد وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
وجاء في الرسالة، التي وقّعها “تحالف الابتكار في صناعة السيارات” ممثلاً معظم شركات السيارات الكبرى في البلاد – باستثناء تيسلا – أن معظم الموردين لا يمتلكون احتياطيات مالية تمكّنهم من امتصاص صدمات مفاجئة من هذا النوع. وأضاف التحالف أن “الكثير من الشركات تعاني فعليًا، وتواجه خطر الإغلاق، توقف الإنتاج، وتسريح العمال، وحتى الإفلاس”.
خلفية سياسية… وميدان ميشيغان
تزامن هذا الإعلان مع جدول ترامب الذي يتضمن زيارة إلى ولاية ميشيغان، القلب النابض لصناعة السيارات الأمريكية، حيث من المقرر أن يحضر تجمعًا جماهيريًا كبيرًا بمناسبة مرور 100 يوم على توليه الرئاسة.
وتكتسب الولاية أهمية خاصة، إذ تضم المقرات الرئيسية للشركات الثلاث الكبرى في القطاع: فورد، جنرال موتورز، وكرايسلر (التي أصبحت الآن جزءًا من مجموعة ستيلانتيس متعددة الجنسيات). وقد شكّلت هذه الشركات منذ فترة طويلة ثقلاً سياسياً واقتصادياً ضخماً، وكانت تضغط بقوة لإقناع الرئيس بإعادة النظر في السياسات التي أربكت سلاسل الإنتاج في أمريكا الشمالية.
ورغم أن ترامب سبق أن اتهم كندا بأنها “تسرق” وظائف صناعة السيارات من أمريكا، فإن الواقع يكشف عن قصة أكثر تعقيدًا. فقد تطورت صناعة السيارات في كندا والولايات المتحدة جنبًا إلى جنب منذ أوائل القرن العشرين، وتعمق التعاون مع اتفاقية السيارات التجارية التاريخية عام 1965، التي أرست الأساس لاندماج صناعي واسع عبر الحدود.
وقد عززت اتفاقية “CUSMA”، التي أُبرمت خلال ولاية ترامب الأولى، هذا التكامل من خلال بنود إضافية لحماية الصناعة وتشجيع الإنتاج المحلي، لكنها لم تمنع التعقيدات التي نتجت عن فرض رسوم جمركية مفاجئة خلال الشهور الأخيرة.
تكلفة الرسوم على المستهلكين
تشير تقديرات صدرت عن “مجموعة أندرسون الاقتصادية” – وهي شركة استشارية مقرها ميشيغان – إلى أن الرسوم الجمركية قد تزيد من أسعار السيارات داخل السوق الأمريكية بنحو 5000 دولار على الأقل لكل مركبة، بل وقد تصل الزيادة إلى 12,000 دولار أمريكي في حالة سيارات الدفع الرباعي كاملة الحجم.
هذه الأرقام أطلقت ناقوس الخطر داخل السوق، وجعلت من التعديلات الجمركية المعلنة مؤخرًا خطوة ضرورية لاحتواء الأزمة، حتى وإن كانت متأخرة.
خلاصة المشهد
قرار ترامب بتخفيف الرسوم الجمركية ليس مجرد إجراء اقتصادي؛ إنه تحوّل سياسي يعكس ضغوط الداخل الأمريكي وتحديات التصنيع في بيئة اقتصادية عالمية معقدة. وبينما يترقّب المصنعون والسياسيون والمستهلكون نتائج هذا التغيير، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الخطوة كافية لإعادة الحيوية لصناعة السيارات الأمريكية من جديد؟ أم أنها مجرّد مسكّن في مواجهة أزمة أعمق؟
المزيد
1