في مفارقة سياسية ودبلوماسية لافتة، عبّر الكنديون عن مشاعر غير متوقعة تجاه الشركاء الدوليين، حيث كشف استطلاع حديث للرأي أن نظرتهم إلى العلاقات مع الولايات المتحدة أصبحت سلبية إلى حد مذهل، تعادل نظرتهم للعلاقات مع روسيا، بل وتقل سوءاً عن نظرتهم للعلاقات مع الصين.
فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ليجر ماركتنج لصالح جمعية الدراسات الكندية، قال 16% فقط من الكنديين إنهم يعتقدون أن كندا تحظى بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهي نسبة بالكاد تتفوق على تقييمهم للعلاقات مع روسيا، والتي بلغت 15%. هذا التقييم الصادم يعكس فجوة كبيرة بين التوقعات الكندية لما يجب أن تكون عليه العلاقات مع جارتها الجنوبية، وبين الواقع الذي يرونه اليوم.
في مفارقة سياسية ودبلوماسية لافتة، عبّر الكنديون عن مشاعر غير متوقعة تجاه الشركاء الدوليين، حيث كشف استطلاع حديث للرأي أن نظرتهم إلى العلاقات مع الولايات المتحدة أصبحت سلبية إلى حد مذهل، تعادل نظرتهم للعلاقات مع روسيا، بل وتقل سوءاً عن نظرتهم للعلاقات مع الصين.
فبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ليجر ماركتنج لصالح جمعية الدراسات الكندية، قال 16% فقط من الكنديين إنهم يعتقدون أن كندا تحظى بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهي نسبة بالكاد تتفوق على تقييمهم للعلاقات مع روسيا، والتي بلغت 15%. هذا التقييم الصادم يعكس فجوة كبيرة بين التوقعات الكندية لما يجب أن تكون عليه العلاقات مع جارتها الجنوبية، وبين الواقع الذي يرونه اليوم.
الصين تتفوّق على أمريكا؟!
أما المفاجأة الأخرى في نتائج الاستطلاع، فهي النظرة الأكثر إيجابية للعلاقات مع الصين مقارنة بالولايات المتحدة، حيث قال 36% من المشاركين إن العلاقات بين أوتاوا وبكين جيدة. ورغم أن هذه النسبة لا توصف بالمرتفعة، فإنها تمثل مؤشراً على انفتاح كندي على تحسين العلاقات مع الصين، خاصة في ظل التوترات الأخيرة التي خيمت على علاقة البلدين، بما في ذلك قضايا التجسس، والتدخلات السياسية، وملف هواوي.
وبالمقابل، عبّر أكثر من 75% من المشاركين عن اعتقادهم بأن علاقات كندا مع كل من المكسيك، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة جيدة، ما يعكس توجهاً نحو الشركاء التجاريين والدبلوماسيين التقليديين الذين لا تثير علاقاتهم التوترات أو الأزمات ذات الطابع الجيوسياسي الحاد.
تفسير المفارقة: التوقعات العالية من أمريكا
وفي تعليق على نتائج هذا الاستطلاع، أشار جاك جيدواب، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لجمعية الدراسات الكندية، إلى أن هذه النظرة القاتمة للعلاقات مع الولايات المتحدة تعود بالدرجة الأولى إلى التوقعات العالية التي يحملها الكنديون تجاه علاقتهم التاريخية والاستراتيجية مع واشنطن. وقال:
“عندما يمنح الكنديون علاقتهم مع الولايات المتحدة تقييماً بهذه الدرجة من السوء، فذلك يعود إلى الفجوة بين ما نتوقعه من هذه العلاقة وما يحدث فعلاً. إنها في العادة علاقة جيدة ومستقرة، ولهذا فإن تدهورها يُنظر إليه بشيء من الصدمة.”
وأضاف جيدواب: “أن تصل العلاقة إلى هذا الحد، بحيث تُصنف كما تصنَّف العلاقة مع روسيا – بل وتصبح الصين أفضل منها – فهذا أمر مذهل بكل المقاييس.”
ترامب… العنصر الحاسم في النظرة السلبية
وبينما لا يرتبط الاستطلاع بفترة انتخابية معينة، فإن الظلال السياسية للمرحلة الحالية كانت حاضرة بقوة في التفسيرات. إذ أشار جيدواب إلى أن الكثير من المشاعر السلبية تجاه الولايات المتحدة ترتبط بشخص الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد إلى الأذهان لدى الكنديين مفاهيم “التهديد”، سواء للسيادة الوطنية أو للاقتصاد الكندي.
وفي تصريح لافت، قال جيدواب: “ربما يكون دونالد ترامب قد بذل جهداً أكبر من أي زعيم منذ فترة ما بعد الكونفدرالية لتوحيد الكنديين – ولكن هذه المرة ضد سياسة خارجية أمريكية يعتبرونها عدائية.”
رؤية جديدة للعلاقة مع المكسيك
من جانب آخر، لفتت نتائج الاستطلاع الانتباه إلى نظرة الكنديين المتزايدة إيجابية نحو المكسيك، التي بلغت نسبة الثقة في علاقاتها مع كندا أكثر من 75%. ويعد هذا الأمر مفاجئًا بالنظر إلى الخطابات السياسية الأخيرة التي سعت إلى خلق نوع من التباعد بين كندا والمكسيك، خاصة من قبل شخصيات سياسية مثل دوج فورد، رئيس وزراء أونتاريو، الذي عبّر في عدة مناسبات عن قلقه من تهريب الفنتانيل وتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من الحدود الجنوبية.
ولكن جيدواب أوضح هذا التناقض بقوله: “هناك شعور متزايد لدى الكنديين بأن التحديات التي نواجهها – سواء على صعيد التجارة أو الهجرة أو الأمن – هي نفسها التي تواجهها المكسيك، مما يجعل من البلدين حليفين محتملين في مواجهة الضغوط القادمة من الولايات المتحدة.”
الصين تعرض الشراكة ضد “التنمر الأمريكي”
وفي توقيت لا يخلو من الدلالة، صرّح السفير الصيني لدى كندا، وانغ دي، هذا الأسبوع بأن بلاده مستعدة لتشكيل “شراكة استراتيجية” مع كندا لمواجهة ما أسماه بـ”التنمر الأمريكي”. وذهب إلى حد القول بأن الصين وكندا يمكن أن تقودا جهوداً دولية لكبح جماح السياسات التجارية الأمريكية الأحادية التي تُضعف النظام التجاري العالمي.
علّق جيدواب على هذا الطرح قائلاً: “هذا يعكس وجود فرص – ولو نظرية – لإعادة ترتيب بعض الأوراق الجيوسياسية. لكن بالطبع، هذا لا يعني أن الطريق مفروش بالورود، فهناك الكثير من التحديات التي تجعل من التقارب مع الصين مغامرة محسوبة لا أكثر.”
الاختلافات الإقليمية في تقييم العلاقة مع الصين
المثير للاهتمام في تفاصيل الاستطلاع أن تقييم العلاقة مع الصين لم يكن موحداً في جميع أنحاء كندا، بل أظهرت المقاطعات الغربية مثل ألبرتا وكولومبيا البريطانية مستويات أعلى من السلبية تجاه بكين. ويرى المحللون أن السبب يعود إلى العلاقات التجارية الوثيقة التي تربط هذه المقاطعات بالصين، ما يجعل أي توتر سياسي أو اقتصادي أكثر تأثيراً على سكانها.
الساحة السياسية: نظرة أمنية أكثر حدة
على صعيد السياسة الداخلية، لم تُخفِ الأحزاب الكبرى مواقفها الحادة تجاه الصين. إذ وصف زعيم الحزب الليبرالي، مارك كارني، الصين بأنها “أكبر تهديد أمني يواجه كندا”. أما زعيم حزب المحافظين، بيير بواليفير، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك واعتبر أن بكين تمثل نموذجاً استبدادياً يسعى لزعزعة النظام العالمي، داعياً إلى إعادة صياغة العلاقة معها بشكل جذري.
العلاقات لا تُقاس فقط بالإيجابية
وفي خلاصة حديثه، شدد جيدواب على أن الكنديين قد يشعرون أحيانًا بأنهم في علاقة “إيجابية” مع دولة معينة، لكنهم في الوقت نفسه يقيمون هذه العلاقة بشكل سلبي. “المفارقة تكمن في أن نظرتنا لا تستند فقط إلى الواقع، بل إلى التوقعات أيضاً. وهذا يعني أن من سيفوز برئاسة الوزراء في كندا خلال الفترة القادمة، سيجد نفسه أمام مهمة دقيقة: إعادة بناء الثقة مع الولايات المتحدة، وتوجيه هذه العلاقات إلى اتجاه أكثر بنّاءً.”
ماري جندي
المزيد
1