في مشهد غير مسبوق، تشهد كندا موجة من الإحجام الجماعي عن السفر إلى الولايات المتحدة، حيث يقوم العديد من رجال الأعمال الكنديين بإلغاء رحلات العمل، والانسحاب من المؤتمرات، وتجميد أي خطط مستقبلية للسفر جنوب الحدود. هذه التحركات لا تأتي من فراغ، بل تغذيها مشاعر القلق والغضب تجاه السياسات الأمريكية، وخاصة تلك التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب، والتي باتت تُلقي بظلالها الكثيفة على العلاقة بين الجارتين.
أوسكار أكوستا، رجل الأعمال الكندي الذي يقود شركة ناشئة في أوتاوا متخصصة في إنتاج أجهزة تتبع اللياقة البدنية المصممة للبيئات القاسية، كان من بين أولئك الذين قرروا التراجع عن حضور ثلاثة مؤتمرات كبرى في الولايات المتحدة. القرار لم يكن سهلاً، لكنه اتخذه بعد أن طالع قصة صادمة عن رائدة الأعمال الكندية جاسمين موني، البالغة من العمر 35 عامًا، والتي تعرضت للاحتجاز لمدة 12 يومًا بعد محاولتها تجديد تأشيرة عملها عند معبر حدودي في سان دييغو. الصدمة لم تقف عند هذا الحد، فقد تم حظر موني من دخول الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات، في خطوة فجرت القلق في أوساط مجتمع الأعمال الكندي.
في مشهد غير مسبوق، تشهد كندا موجة من الإحجام الجماعي عن السفر إلى الولايات المتحدة، حيث يقوم العديد من رجال الأعمال الكنديين بإلغاء رحلات العمل، والانسحاب من المؤتمرات، وتجميد أي خطط مستقبلية للسفر جنوب الحدود. هذه التحركات لا تأتي من فراغ، بل تغذيها مشاعر القلق والغضب تجاه السياسات الأمريكية، وخاصة تلك التي يفرضها الرئيس دونالد ترامب، والتي باتت تُلقي بظلالها الكثيفة على العلاقة بين الجارتين.
أوسكار أكوستا، رجل الأعمال الكندي الذي يقود شركة ناشئة في أوتاوا متخصصة في إنتاج أجهزة تتبع اللياقة البدنية المصممة للبيئات القاسية، كان من بين أولئك الذين قرروا التراجع عن حضور ثلاثة مؤتمرات كبرى في الولايات المتحدة. القرار لم يكن سهلاً، لكنه اتخذه بعد أن طالع قصة صادمة عن رائدة الأعمال الكندية جاسمين موني، البالغة من العمر 35 عامًا، والتي تعرضت للاحتجاز لمدة 12 يومًا بعد محاولتها تجديد تأشيرة عملها عند معبر حدودي في سان دييغو. الصدمة لم تقف عند هذا الحد، فقد تم حظر موني من دخول الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات، في خطوة فجرت القلق في أوساط مجتمع الأعمال الكندي.
يقول أكوستا، متحدثًا بنبرة لا تخلو من التوتر:
“لقد بعث ذلك الرعب في قلبي. كوني من أصل إسباني، وأنا من الأقليات الظاهرة، يجعلني أتساءل: هل سأواجه المصير نفسه إذا حاولت عبور الحدود؟”
القلق الذي يشعر به أكوستا لم يكن شعورًا فرديًا، بل هو انعكاس لحالة عامة تنتشر عبر كندا. قطاع السفر التجاري، الذي كان يعج بالنشاط بين كندا والولايات المتحدة، شهد تراجعًا حادًا. ففي شركة Flight Centre Travel Group Canada، تراجعت الرحلات الجوية التجارية عبر الحدود بنسبة تقارب 40% في فبراير مقارنة بالعام السابق، وفقًا لما صرح به المدير الإداري كريس لينز.
ويضيف لينز:
“لقد لاحظنا موجة فورية من الإلغاءات لرحلات كان من المقرر أن تُجرى إلى مؤتمرات في الولايات المتحدة. وصلنا إلى ذروة الإلغاءات قبل نحو شهرين، وكان السبب الرئيسي هو التوتر الكبير الذي يشعر به الناس عند التفكير في السفر إلى الولايات المتحدة وسط الأجواء السياسية المتوترة.”
الأمر لم يتوقف عند قطاع معين، بل طال قطاعات متعددة تشمل البنوك، التأمين، التصنيع، وحتى الشركات الناشئة. إحدى البنوك الكبرى في كندا، مثلًا، ألغت ست فعاليات أعمال كانت موجهة إلى مدن أمريكية بارزة مثل نيويورك، دالاس، واشنطن العاصمة، ولاس فيغاس. كما أبلغت وكالات السفر موظفيها أنها تتفهم شعورهم بعدم الارتياح إزاء السفر لحضور اجتماعات عمل أو فعاليات داخل الأراضي الأمريكية.
ويؤكد لينز:
“هناك شعور عام بعدم الأمان. البعض يحمل تأشيرة أو جواز سفر مزدوجًا، أو ينتمي إلى فئة مستهدفة. كل هذه الأمور تجعل فكرة السفر إلى الولايات المتحدة مخيفة للكثيرين.”
تأثير ممتد لما بعد اللحظة
ولم تكن هذه الإلغاءات عابرة، بل يُتوقع أن تستمر تداعياتها حتى عام 2027، بحسب ما يشير إليه الخبراء. كثير من الشركات باتت تبحث عن وجهات بديلة لعقد فعالياتها – كندا نفسها، أو المكسيك، أو حتى دول أبعد. يعود جزء من هذه التحولات إلى تنامي الشعور الوطني الرافض للرسوم الجمركية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، ورفضًا للتصريحات المثيرة للجدل من ترامب، الذي سخر من كندا واصفًا إياها بـ”الولاية رقم 51″، وهاجم رئيس وزرائها السابق جاستن ترودو، واصفًا إياه بـ”الحاكم”.
هذه الأجواء المحتقنة أدت إلى انقسام داخل بعض المؤسسات، حيث تجد الشركات نفسها في حالة تردد بين المضي في تنظيم الفعاليات داخل الولايات المتحدة، أو الاستجابة لمخاوف الموظفين.
شركة رويال لوباج العقارية، على سبيل المثال، قررت المضي قدمًا في عقد مؤتمرها السنوي في ناشفيل، تينيسي، رغم الشكوك الداخلية. وبرّر الرئيس التنفيذي فيل سوبر هذا القرار في مذكرة داخلية اطلعت عليها وسائل الإعلام، قائلاً إن الالتزامات المالية قد تم توقيعها منذ فترة طويلة، وإن إلغاء المؤتمر الآن سيضر بالشركة أكثر من أي طرف خارجي. وأضاف:
“القرار صعب، وندرك أن بعض الوكلاء قد يختارون عدم الحضور، لكن إلغاء المؤتمر لن يعاقب ترامب، بل سيعاقب شبكتنا الخاصة.”
الأرقام لا تكذب
البيانات الرسمية تؤكد هذا التوجه، فقد كشفت إحصاءات كندا أن عدد الرحلات البرية العائدة من الولايات المتحدة انخفض بنسبة 32% في الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق، كما تراجعت الرحلات الجوية القادمة من الولايات المتحدة إلى كندا بنسبة 13.5%.
من جانب آخر، فرضت إدارة ترامب قيودًا جديدة على سفر موظفي الحكومة الفيدرالية، حيث أصبحت تلك الرحلات تتطلب مبررات مكتوبة، وخضعت لإشراف مشدد، مما ألقى بظلاله على المؤتمرات المقامة داخل كندا أيضًا. فبحسب مينتو شنايدر، رئيس منظمة Meetings Mean Business Canada، فإن العديد من المشاركين الأمريكيين في الفعاليات الكندية لم يتمكنوا من الحضور بسبب تجميد الميزانيات الحكومية.
قرار لا يخلو من الألم
وبالعودة إلى أوسكار أكوستا، يتضح أن قراره بإلغاء رحلاته لم يكن سهلًا. لقد خطط بعناية لسفره إلى بوسطن في مايو، وسان دييغو في يوليو، وأورلاندو مطلع العام المقبل، حيث كان من المفترض أن يشارك في مؤتمرات مهمة، ويلتقي مستثمرين، بل ويقود جلسات نقاش.
“اشتريت إطارات جديدة للسيارة، واستخرجت جواز سفر لكلبي كي أضمن راحته أثناء السفر، خططت للمسار بالكامل… لكنني ألغيت كل شيء.” يقول أكوستا بأسى.
وبينما يشعر بالحزن لأنه قد يفوّت فرصًا ذهبية لبناء شراكات أو جذب تمويل، يؤكد أن قراره ينبع من رغبته في حماية نفسه.
“لماذا أضع نفسي تحت أي خطر؟” يتساءل، وهو يحمل في قلبه خوفًا حقيقيًا من أن يتحول حلم التوسع والنمو إلى تجربة مريرة، كتلك التي عاشتها جاسمين موني.
ماري جندي
1