في أول 100 يوم له في البيت الأبيض، أطلق دونالد ترامب العنان لثورة سياسية غير مسبوقة استهدفت إعادة تعريف مفهوم السلطة التنفيذية في واشنطن. بشعار “تجفيف المستنقع”، اندفع ترامب نحو سحق مؤسسات الحكومة التقليدية، مهاجمًا البيروقراطية الفيدرالية ومقلصًا سلطات الوكالات الحكومية التي طالما اعتبرها معاقل للمقاومة ضد برنامجه الشعبوي. شن حربًا مفتوحة على القواعد واللوائح التنظيمية، موقّعًا أوامر تنفيذية لتفكيك سياسات بيئية وتجارية وصحية امتدت لعقود. في علاقاته الخارجية، اتبع ترامب سياسة الصدمة والإجبار، مستخدمًا التهديد بالانسحاب من الاتفاقات الدولية والضغط العلني لإجبار الحلفاء على التنازل لصالح المصالح الأمريكية، سواء عبر زيادة مساهماتهم في الدفاع المشترك أو إعادة التفاوض على شروط التجارة. لم يكتفِ بذلك، بل أشعل حروبًا تجارية مفتوحة، بدءًا بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، مهددًا بتمزيق الاتفاقيات التقليدية مثل “نافتا”، مما أدخل الاقتصاد العالمي في حالة ترقب وتوتر. بهذه الاندفاعة الجامحة، أثبت ترامب أن رئاسته ليست امتدادًا للسياسات السابقة، بل كانت انقلابًا صريحًا على النظام القائم، معلنًا بداية عصر سياسي لا يحترم القواعد التقليدية، ولا يتردد في استخدام القوة الاقتصادية والسياسية لإعادة تشكيل موازين القوى الداخلية والخارجية.
في أول 100 يوم له في البيت الأبيض، أطلق دونالد ترامب العنان لثورة سياسية غير مسبوقة استهدفت إعادة تعريف مفهوم السلطة التنفيذية في واشنطن. بشعار “تجفيف المستنقع”، اندفع ترامب نحو سحق مؤسسات الحكومة التقليدية، مهاجمًا البيروقراطية الفيدرالية ومقلصًا سلطات الوكالات الحكومية التي طالما اعتبرها معاقل للمقاومة ضد برنامجه الشعبوي. شن حربًا مفتوحة على القواعد واللوائح التنظيمية، موقّعًا أوامر تنفيذية لتفكيك سياسات بيئية وتجارية وصحية امتدت لعقود. في علاقاته الخارجية، اتبع ترامب سياسة الصدمة والإجبار، مستخدمًا التهديد بالانسحاب من الاتفاقات الدولية والضغط العلني لإجبار الحلفاء على التنازل لصالح المصالح الأمريكية، سواء عبر زيادة مساهماتهم في الدفاع المشترك أو إعادة التفاوض على شروط التجارة. لم يكتفِ بذلك، بل أشعل حروبًا تجارية مفتوحة، بدءًا بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، مهددًا بتمزيق الاتفاقيات التقليدية مثل “نافتا”، مما أدخل الاقتصاد العالمي في حالة ترقب وتوتر. بهذه الاندفاعة الجامحة، أثبت ترامب أن رئاسته ليست امتدادًا للسياسات السابقة، بل كانت انقلابًا صريحًا على النظام القائم، معلنًا بداية عصر سياسي لا يحترم القواعد التقليدية، ولا يتردد في استخدام القوة الاقتصادية والسياسية لإعادة تشكيل موازين القوى الداخلية والخارجية.
الانعكاسات لم تتأخر. فمع نهاية أول 100 يوم، كانت الولايات المتحدة تعيش حالة غليان داخلي وخارجي لم تشهد لها مثيلًا منذ عقود. داخليًا، أثارت سياسات ترامب موجة عارمة من الاحتجاجات والانقسامات الحادة، حيث رأى البعض فيه منقذًا يعيد الاعتبار لـ”أمريكا المنسية”، بينما اعتبره آخرون تهديدًا وجوديًا للمؤسسات الديمقراطية. الأسواق المالية، رغم تحقيقها مكاسب قصيرة الأمد بفعل توقعات بتخفيف القيود التنظيمية، دخلت في حالة توتر مزمن نتيجة التخبط في التصريحات والسياسات التجارية العدوانية. أما خارجيًا، فقد تسببت سياسات الضغط القصوى بإثارة سخط الحلفاء التاريخيين؛ إذ شعرت دول مثل ألمانيا وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية بأن علاقتها مع واشنطن لم تعد قائمة على شراكة بل على ابتزاز علني. وفيما استعدت بعض الدول للرد بالمثل عبر فرض رسوم مضادة، بدأت بوادر حرب تجارية عالمية تلوح في الأفق، مع تهديد حقيقي باضطراب سلاسل التوريد وزيادة الأسعار عالميًا. هكذا، وبدل أن يحقق استقرارًا أو ازدهارًا سريعًا، زرع ترامب في أول 100 يوم بذور صراع طويل المدى مع الداخل والخارج على حد سواء، دافعًا بالولايات المتحدة إلى مرحلة غير مسبوقة من المخاطرة السياسية والاقتصادية.
رد فعل خصومه السياسيين ووسائل الإعلام:
مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض، كان الرد الأول من خصومه السياسيين حادًا للغاية. الديمقراطيون، الذين اعتقدوا أن الهزيمة الانتخابية كانت بمثابة ضربة قاسية للنظام الأمريكي، استنكروا سياساته الفوضوية وسعيه المستمر لتفكيك النظام المؤسسي الذي كان قائماً لعقود. حملة التشويه كانت في أوجها، حيث استخدموا كل فرصة لتسليط الضوء على قراراته المثيرة للجدل، بدءًا من قرار حظر السفر وصولًا إلى الهجوم المتكرر على الإعلام. وسائل الإعلام الليبرالية، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، لم تترك مجالًا للشك في إدانة سياسات ترامب، حيث وصفته بـ “الرئيس الأكثر إثارة للانقسام” و”تهديد الديمقراطية”.
لكن الرد لم يكن أقل قسوة من اليمين، حيث اعتبر المحافظون قرار ترامب بمثابة نقطة تحول تاريخية في إعادة بناء أمريكا بعد سنوات من التقاعس. فوكس نيوز، التي كانت على علاقة وثيقة مع إدارة ترامب، سعت إلى تجميل سياساته، مدافعة عن كل خطوة يتخذها مع التأكيد على أنه يُظهر الزعامة القوية التي كان الشعب بحاجة إليها. الإعلام المحافظ وصف ترامب بـ “رئيس الشعب”، على الرغم من الضغوط المتزايدة على حكومته.
المعارضة لم تقتصر على الداخل فقط، بل امتدت إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، التي كانت تصطف لمعارضة سياساته الخارجية الجريئة. وعلى صعيد آخر، خرجت الاحتجاجات في الشوارع، بما في ذلك تظاهرات ضخمة في اليوم التالي لتنصيبه، لتمثل بداية رفض مجتمعي واسع النطاق. تأثير هذه الاحتجاجات كان واضحًا في التحركات السياسية التالية في الكونغرس، حيث بدأت الأصوات تعلو مطالبة بتوسيع التحقيقات في قضايا تدخلات روسيا في الانتخابات، والحديث المتزايد عن عزل ترامب في حال ثبوت مخالفات قانونية.
ومع استمراره في فرض رؤيته المدمرة لما اعتبره “الركود” الأمريكي، بدأ خصومه السياسيون يركزون على التشكيك في صحة قراراته وأهدافه، بينما ظل هو يروج لقوة سياسته الخارجية التي ترى أنها ستغير مسار التاريخ الأمريكي بشكل غير مسبوق. لكن في النهاية، بين الاستقطاب السياسي والإعلامي، كانت الأمة الأمريكية قد بدأت بالفعل في الانقسام بشكل لم تشهده منذ سنوات. بينما كان ترامب يواجه هجومًا لا هوادة فيه، إلا أنه كان أيضًا في طريقه لتحقيق فوزه الأعظم على خصومه: تغيير نمط التفكير السياسي الأمريكي للأبد.
وفي السنوات الأخيرة، شهد الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة تحوّلًا جذريًا لم يكن في الحسبان، تمثل في صعود دونالد ترامب وتحكمه العميق بمفاصل الحزب. لم يأتِ هذا التحول بسهولة، بل جاء نتيجة صراع مفتوح بين ترامب والمؤسسة التقليدية التي لطالما سيطرت على الحزب لعقود. ورغم أن النخبة السياسية، ورجال المال، وصنّاع القرار داخل الحزب حاولوا مرارًا إقصاء ترامب أو تحجيم نفوذه، إلا أنهم فشلوا فشلًا ذريعًا. فما الذي حدث بالضبط؟ وكيف تمكن ترامب من فرض هيمنته؟
منذ إعلان ترشحه عام 2015، واجه ترامب مقاومة شرسة من كبار القادة الجمهوريين. اعتُبر دخيلًا غير مرغوب فيه على المشهد السياسي الراسخ، رجلًا غريب الأطوار بمواقفه غير التقليدية وخطابه الذي لا يخلو من التحدي والهجوم. في البداية، سخر منه الجميع، من وسائل الإعلام إلى سياسيي الحزب ذاته. غير أن ترامب أدرك مبكرًا أن قوته لا تكمن في نيل رضا الطبقة السياسية، بل في التواصل المباشر مع القاعدة الشعبية الغاضبة والمحبطة. هؤلاء المواطنون، الذين شعروا بتخلي الحزبين التقليديين عنهم، وجدوا في ترامب صوتًا حقيقيًا يعبر عن إحباطاتهم.
مع مرور الوقت، استخدم ترامب وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا تويتر، ليبني علاقة لا مثيل لها مع قاعدته. لم يكن بحاجة إلى قنوات الإعلام التقليدية، بل أصبح هو نفسه المصدر المباشر للأخبار والنقاشات، مما أفقد الحزب الجمهوري أدواته التقليدية في ضبط الخطاب السياسي. ومع كل هجوم تعرض له من المؤسسة، كان ترامب يزداد قوة، لأنه حول نفسه إلى رمز لمقاومة ما كان يُسمى بـ”الدولة العميقة” والنخبة السياسية الفاسدة بنظر كثير من أنصاره.
خلال فترة رئاسته (2017-2021)، عمل ترامب على تطهير الحزب من الأصوات المعارضة. دعم المرشحين الموالين له في الانتخابات التمهيدية، وقام بتهديد أو تحجيم الأصوات التي حاولت الوقوف ضده. الشخصيات الجمهورية التي عارضته بوضوح – مثل جيف فليك، بوب كوركر، وليز تشيني – إما فقدوا مناصبهم أو تعرضوا للتهميش والإقصاء. بالمقابل، صعدت وجوه جديدة تدين بالولاء الكامل له، حتى أصبح ولاء الحزب مرتبطًا بشخصه أكثر من ارتباطه بأيديولوجيا محافظة تقليدية.
اليوم، رغم خروجه من البيت الأبيض، لا يزال ترامب الزعيم الفعلي للحزب الجمهوري. أي مرشح جمهوري لا يستطيع تجاهل تأثيره أو معارضته دون أن يدفع الثمن سياسيًا. بل إن كثيرين يرون أن الحزب قد تحول فعليًا إلى “حزب ترامب”، حيث لا تمر السياسات ولا تصاغ الخطط إلا بمراعاة موقفه ورؤيته. هذا الوضع غير مسبوق في تاريخ الحزب، الذي لطالما كان قائمًا على التحالف بين مختلف الأجنحة المحافظة.
في النهاية، يمكن القول إن سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري لم تكن مجرد نتيجة لقوته الشخصية أو لخطابه الشعبوي، بل كانت تعبيرًا عن تحولات عميقة داخل المجتمع الأمريكي نفسه. قاعدته الشعبية، المتشككة في المؤسسات، الغاضبة من العولمة، والخائفة من فقدان الهوية الوطنية، وجدت فيه زعيمًا يلبي تطلعاتها ويمثل تمردها. وهكذا، شاء الحزب أو أبى، أصبح ترامب مركز ثقله الجديد، ومعه دخلت السياسة الأمريكية فصلًا مختلفًا تمامًا، لا يبدو أنه سينتهي قريبًا.
1