في خطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى كندا، طرحت حكومة ألبرتا مشروع قانون مثيرًا للجدل يُمكن أن يُحدث تحوّلاً جذريًا في كيفية التعامل مع الإدمان، وخاصة في حالاته المتقدمة والخطيرة. فقد تم تقديم مشروع القانون رقم 53، والذي أُطلق عليه اسم “قانون التدخل الرحيم”، أمام المجلس التشريعي الإقليمي في الخامس عشر من أبريل الجاري، في محاولة من الحكومة لوضع حدٍ لتدهور حياة الأفراد الذين بات إدمانهم يُهدد سلامتهم وسلامة من حولهم.
في خطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى كندا، طرحت حكومة ألبرتا مشروع قانون مثيرًا للجدل يُمكن أن يُحدث تحوّلاً جذريًا في كيفية التعامل مع الإدمان، وخاصة في حالاته المتقدمة والخطيرة. فقد تم تقديم مشروع القانون رقم 53، والذي أُطلق عليه اسم “قانون التدخل الرحيم”، أمام المجلس التشريعي الإقليمي في الخامس عشر من أبريل الجاري، في محاولة من الحكومة لوضع حدٍ لتدهور حياة الأفراد الذين بات إدمانهم يُهدد سلامتهم وسلامة من حولهم.
تدخل “رحيم” ولكن.. غير طوعي
القانون يُمكّن أفراد الأسرة، الأوصياء، الكوادر الصحية، بل وحتى ضباط الشرطة من تقديم طلب رسمي إلى لجنة مستقلة، يلتمسون فيه إصدار أمر علاج إجباري لأي شخص يُعاني من إدمان شديد قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بنفسه أو بالآخرين.
وزير الصحة العقلية والإدمان، دان ويليامز، دافع عن مشروع القانون بشدة، مؤكدًا أن المسألة ليست جنائية، بل صحية وإنسانية في المقام الأول. وقال في خطاب عاطفي ألقاه خلال تقديم مشروع القانون:
“أن نترك أحبّاءنا يتعرضون للانهيار بسبب هذا المرض الفتّاك، ليس من الرعاية في شيء، وليس من الشفقة في شيء، ولا يمتّ للقيم الكندية بأي صلة. لقد آن الأوان لأن نتدخل – تدخلًا رحيمًا – لإنقاذ الأرواح وإعادة الأمل.”
آلية تطبيق معقدة ولكن مدروسة
بحسب تفاصيل مشروع القانون، تبدأ العملية بتقديم طلب إلى لجنة قانونية مستقلة. يقوم محامٍ بمراجعة الحالة لتحديد ما إذا كانت تستوفي الشروط الأساسية التي تُتيح احتجاز الشخص لمدة تقييم أولي تصل إلى 72 ساعة.
إذا تم اجتياز هذه المرحلة، تُصدر اللجنة أوامر اعتقال وتقييم طبي، لتقوم الشرطة بتنفيذها ونقل المريض إلى مركز خاص بالتدخل القسري.
هناك، يتم إجراء تقييم طبي شامل، تليه مراجعة من قبل لجنة من ثلاثة أعضاء، تشمل فحصًا دقيقًا للسجلات الطبية والتقارير الأمنية وسوابق المريض. في حال اقتنعت اللجنة بضرورة العلاج، يتم إدراج المريض في خطة رعاية قابلة للتجديد، طالما استمرت المعايير التي تستدعي التدخل.
لكن هذه الخطوة لا تنتهي بخروج المريض من المركز، بل يُمنح بعد العلاج خطة شاملة لدعم ما بعد التعافي، تشمل المتابعة المستمرة وتقديم الخدمات الضرورية لضمان عدم الانتكاس.
الحكومة: القانون لا يعني التخلي عن الحريات الفردية
في مواجهة الانتقادات المحتملة، شددت حكومة ألبرتا على أن التشريع الجديد سيحتوي على ضمانات لحماية الحقوق الفردية للمرضى. وتشمل هذه الضمانات الحق في الحصول على دعم قانوني، والقدرة على تقديم طعن قانوني ضد أوامر العلاج القسري.
ومع ذلك، فإن هذه الضمانات لم تمنع موجة من الانتقادات، حيث عبّرت جمعية الحريات المدنية الكندية عن رفضها الشديد لمشروع القانون، واصفة إياه بأنه:
“انتهاك صارخ للحقوق الأساسية، وتعدٍ على حرية الأفراد في اتخاذ قراراتهم الخاصة المتعلقة بأجسادهم وصحتهم.”
كما أشار البيان إلى أن العلاج القسري قد يُلحق ضررًا أكبر، من خلال رفع احتمالية الانتكاس وزيادة خطر الجرعات الزائدة، ناهيك عن شعور المرضى بالوصم والعزلة.
المعارضة ترفع صوتها: لا علاج إجباري دون دعم شامل
من جانبها، عبّرت النائبة عن الحزب الديمقراطي الجديد جانيت إيريمنكو، والتي تشغل منصب الناقدة الرسمية لملف الصحة العقلية والإدمان، عن قلقها من التركيز على الحلول القسرية دون تعزيز البنية التحتية الداعمة للراغبين في التعافي طوعًا.
وقالت خلال جلسة للمجلس التشريعي:
“نحن لا نرفض فكرة التعافي، بل ندعمه بشكل كامل، لكن يجب أن يكون التعافي قائمًا على إرادة الشخص ودعمه الفعلي، من خلال السكن، وخدمات الرعاية المستمرة، والوصول السهل للعلاج. بدون ذلك، التدخل القسري ليس هو الحل الفعّال، بل حل محفوف بالمخاطر.”
استثمارات ضخمة ومشاريع طموحة
رغم الجدل، تستمر حكومة ألبرتا في الاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالصحة العقلية والإدمان. فقد خصصت 1.7 مليار دولار في ميزانية عام 2025 لهذا القطاع، مؤكدة أن هذه الأموال ستُستخدم لتوسيع نطاق خدمات الدعم والتعافي، وتطبيق قانون التدخل الجديد.
وتشمل المشاريع المعلنة:
إنشاء مركزين رئيسيين لعلاج الإدمان، أحدهما في كالجاري والآخر في إدمونتون، بطاقة استيعابية تبلغ 150 سريرًا لكل منهما.
تخصيص 180 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات لتشييد هذه المرافق، على أن يبدأ العمل بها في العام القادم.
دراسة خيارات لتوفير مساحات مؤقتة للتدخل القسري في منشآت قائمة، إلى حين الانتهاء من المراكز الجديدة.
وفي جانب آخر من التشريع، ستحل البنود الجديدة محل القانون القديم المعروف باسم قانون حماية الأطفال الذين يتعاطون المخدرات (PChAD)، ليتم تحديثه وتوسيعه ليشمل خطط علاج طويلة الأمد وإجراءات تقديم أكثر سهولة، مع إشراك العائلة بشكل أعمق في رحلة تعافي الطفل.
وفي هذا السياق، شرعت المقاطعة أيضًا في إنشاء مركز شمال ألبرتا للتعافي الشبابي في إدمونتون، وهو مشروع تبلغ قيمته 23 مليون دولار، سيرفع عدد الأسرّة المخصصة لعلاج الإدمان لدى الشباب من 70 إلى 175 سريرًا، مع مساحة مخصصة للتدخل القسري بموجب القانون الجديد.
ختامًا: معركة بين “الرحمة” والحقوق الفردية
مع تزايد حالات الإدمان وتبعاتها الكارثية في ألبرتا، يُشكّل قانون التدخل الرحيم محاولة طموحة – وإن كانت مثيرة للجدل – لمواجهة الأزمة من زاوية مختلفة. وبينما تصفه الحكومة بأنه تدخل منقذ، يراه المعارضون قيدًا جديدًا على حرية الأفراد.
الأسابيع القادمة قد تكشف الكثير، لكن المؤكد أن النقاش حول حدود الرحمة، وأين تنتهي حرية الفرد وتبدأ مسؤولية المجتمع، سيبقى محتدمًا.
ماري جندي
المزيد
1