عندما وطأت قدمَا أسامة الحداد أرض مطار بيرسون في تورنتو قادمًا من اليمن، لم تكن رحلته بحثًا عن حياة جديدة فقط، بل كانت أيضًا اختبارًا لنظام الهجرة الكندي. تقدَّم الحداد بطلب اللجوء فور وصوله، لكنه واجه عقبةً كبيرة: افتقاره إلى الوثائق التي تُثبِت هويته. هذا النقص جعله واحدًا من آلاف المحتجزين في مراكز احتجاز الهجرة الكندية، حيث قضى أكثر من شهرٍ داخل منشأة تابعة لـوكالة خدمات الحدود الكندية (CBSA) قرب المطار، قبل أن يُفرَج عنه في 19 فبراير بعد التحقق من هويته.
اللجوء بلا وثائق: رحلة أسامة من اليمن إلى تورنتو
عندما وطأت قدمَا أسامة الحداد أرض مطار بيرسون في تورنتو قادمًا من اليمن، لم تكن رحلته بحثًا عن حياة جديدة فقط، بل كانت أيضًا اختبارًا لنظام الهجرة الكندي. تقدَّم الحداد بطلب اللجوء فور وصوله، لكنه واجه عقبةً كبيرة: افتقاره إلى الوثائق التي تُثبِت هويته. هذا النقص جعله واحدًا من آلاف المحتجزين في مراكز احتجاز الهجرة الكندية، حيث قضى أكثر من شهرٍ داخل منشأة تابعة لـوكالة خدمات الحدود الكندية (CBSA) قرب المطار، قبل أن يُفرَج عنه في 19 فبراير بعد التحقق من هويته.
لكن رغم صعوبة الموقف، كانت تجربة الحداد داخل المركز مفاجأةً إيجابيةً بالنسبة له. فخلافًا للصورة النمطية عن مراكز الاحتجاز، وصف المعاملة التي تلقاها بأنها “إنسانية ومحترمة”، بل وشبَّهها بالرعاية التي قد يجدها المرء في منزله.
داخل مركز الاحتجاز: بيئة مفاجئة بأجواء “شبيهة بالمجتمع”
في جولةٍ نادرةٍ لوسائل الإعلام – بما فيها وكالة الصحافة الكندية (The Canadian Press) – داخل مركز الاحتجاز الواقع في الطرف الغربي من تورنتو، ظهرت صورةٌ مختلفة تمامًا عما يُشاع عن مثل هذه الأماكن حول العالم.
مرافق تشبه “سكنًا جامعيًا” أكثر من سجن!
حرية الحركة: يتمتع المحتجزون بحرية التجول داخل وحدات تشبه المهاجع الجامعية، مع إمكانية التفاعل الاجتماعي ومشاهدة التلفاز.
خدمات متكاملة: يشمل المركز صالة ألعاب رياضية، غرفة صلاة متعددة الأديان، مكتبة، وحتى قوائم طعام تُراعي القيود الغذائية لكل محتجز.
برامج دعم نفسي وبدني: تُقدَّم جلسات اليوغا الأسبوعية، استشارات علاج الإدمان، ودعمٌ صحيٌّ منتظم.
“جعلونا نشعر بأننا بشر”
بعد إطلاق سراحه، عبَّر الحداد – عبر مترجم – عن امتنانه:
“كان الضباط يهتمون بصحتنا، طعامنا، شرابنا، وروتيننا اليومي. وفَّروا لنا كل احتياجاتنا… أنا مندهش من هذه المعاملة. مثل هذه الرعاية لا أجدها إلا في بيتي!”
كندا × أمريكا: وجهان متناقضان لسياسة احتجاز المهاجرين
لا تُشبه تجربة الاحتجاز في كندا تلك التي تُنقل عن الولايات المتحدة، حيث تُوصف مراكز الاحتجاز هناك بـ”القاسية” و”غير الإنسانية”، خاصةً تحت إدارة دونالد ترامب.
مقارنة صادمة:
في أمريكا: احتجاز مهاجرين لأيام أو أسابيع دون اتصال بمحامين أو عائلاتهم، مثل حالة امرأة كندية احتُجزت 12 يومًا في أريزونا.
في كندا: التركيز على الكرامة الإنسانية، مع ضمان حقوق أساسية مثل الطعام، الرعاية الصحية، والوصول إلى الاستشارة القانونية.
حتى “غوانتانامو” دخلت المعادلة!
دفع سياسة ترامب الصارمة بعض المهاجرين إلى مركز احتجاز غوانتانامو سيئ السمعة – ذاته الذي شهد تعذيب مشتبه بهم إرهابيين بعد أحداث 11 سبتمبر.
لماذا يُحتجز الأشخاص في كندا؟
بحسب سجاد بهاتي، مدير عمليات إنفاذ الهجرة في CBSA، فإن الاحتجاز ليس عقابًا، بل إجراءً مؤقتًا لأسباب مثل:
قضايا الهوية (مثل حالات انعدام الوثائق).
خطر الهروب قبل البت في طلباتهم.
الإدانات الجنائية لبعض المحتجزين المقرر ترحيلهم لتهديدهم “الأمن العام”.
أرقام صادمة عن الاحتجاز والترحيل:
مراكز الاحتجاز الرئيسية: تورنتو (195 سريرًا)، لافال في كيبيك (150 سريرًا)، ساري في كولومبيا البريطانية (70 سريرًا).
أكثر من 4000 حالة احتجاز سُجلت بين 2023 و2024.
13 ألف شخص أُفرج عنهم بضمانات في برنامج “البديل عن الاحتجاز”، بينما وُضع 54 في السجون.
نظام يحتاج إصلاحًا: انتقادات من الخبراء
رغم الإيجابيات، يرى خبراء مثل روبرت إسرائيل بلانشاي (محامي هجرة منذ 10 سنوات) أن النظام ليس مثاليًا:
مشكلة الاختلاط: يجمع المركز بين عديمي الوثائق والمجرمين الخطيرين، ما يعرّض الأبرياء لضغوط نفسية.
صعوبة الوصول للمحامين: بعض المحتجزين يواجهون عوائق قانونية بسبب بطء الإجراءات.
الأطفال في الاحتجاز: رغم انخفاض الأعداد (3 قاصرين فقط هذا العام)، يطالب بلانشاي بمنع احتجازهم تمامًا.
كندا تُسرع عمليات الترحيل: أرقام قياسية بانتظار 2025
كشفت بيانات CBSA عن:
ترحيل 16,860 شخصًا في 2024 (زيادة 11% عن 2023).
هدف الترحيل: 20 ألف سنويًا من 2025 إلى 2027، كجزء من خطة أمنية بقيمة 1.3 مليار دولار.
485,395 أجنبيًا على قوائم الانتظار للترحيل، بينهم 30 ألف “مطلوبين” لم تُحدد أماكنهم.
كيف تتم عمليات الترحيل؟
خلال أسبوعين إذا وافق المحتجز.
عبر رحلات تجارية في أغلب الأحيان.
حقوق مضمونة: مترجمون، مستشارون قانونيون، وجلسات استماع شهرية للمحتجزين.
الخلاصة: كرامة مهشمة أم نظام يُحتذى به؟
بينما تُظهر كندا نموذجًا أكثر إنسانية في احتجاز المهاجرين مقارنةً بجارتها الجنوبية، تبقى التحديات قائمة، خاصةً في:
فصل المحتجزين الأبرياء عن المجرمين.
تسريع الإجراءات القانونية.
حماية الأطفال والأسر.
قصة أسامة الحداد تثبت أن “احتجاز المهاجرين” قد لا يكون دائمًا مرادفًا للقمع، لكن الطريق طويلٌ أمام تحقيق التوازن بين الضوابط الأمنية والرحمة الإنسانية.
“لا أحد يحب البقاء في الاحتجاز… كل ما يطلبه عملائي هو: أخرجوني من هنا!”
ماري جندي
المزيد
1