و بدأ شهر نوفمبر و اللي المفروض يكون أمتداد لشهر الخريف وآخر فصوله، لكن السنة دي الجو قلب تماما و تقريبا اختزل فصل الخريف لشهر أكتوبر فقط.. و بدأ التلج ينزل و درجة الحرارة تنخفض بشكل ملحوظ و سريع.. إعلانا عن قدوم فصل الشتاء، و إنذار انه هيكون شتاء قارس..
و مع الوقت ده بدأ الحمل يظهر علي و بطني تكبر شوية، و ده لأني بدأت الفصل الخامس و أكيد في تغيرات بدأت تظهر علي من أهمها إن لبسي بقى ضيق شوية خصوصا البنطلونات.. و هنا كان لازم أتسوق و اشتري لبس مخصوص للحوامل
و بتفكير منطقي و أفضل من أيام دبي بقى التسوق عندي له أصول ومعايير مختلفة، من أهمها: إني ما بروحش المحلات الكبيرة أو المولات، و ثانيها ببقى كاتبه و محددة أنا عايزة إيه بالظبط،و آخرها إني ما بقتش بشتري إلا الحاجة اللي أنا محتاجاها و بس!
و فعلا حددت ميزانية صغيرة جدا إني اشتري فقط عدد 2 بنطلون حمل مش اكتر اقضي بهم الفترة اللي جاية..
و فكرت من غير تردد في محل (ثريفت ستور) اللي عنده ملابس مستعملة، و رحت و نقيت بنطلونين حلوين جدا، و لقيت اللي بدور عليه بمنتهى السهولة و دفعت فيهم الأثنين 18 دولار!
أما روميو فبالرغم من أنه كان مكمل في شغله فكان باين عليه انه مش مبسوط و كنت حاسه انه هيسيب الشغل ده قريب و أنا صراحة إحساسي عمره ما كدب.. كان كثير الشكوى، و كان بيتكلم انه بيتخانق مع كل اللي هناك و مش عاجبة حد، و لا عاجبه حاجة .. بس أنا كنت بحاول اضغط عليه انه يستحمل لحد ما الإقامة تطلع، و ييجي على نفسه شوية زي ما أنا جاية على نفسي جدا في الشغل اللي حقيقي اكتر حاجة كنت بكرهها في حياتي في الوقت ده..
طبعا شغلي كان أكتر شيء محبط و حقيقية مرة بواجهها كل يوم.. يعني أنا بنزل من البيت الساعة 6 الصبح و اقعد اجري و اتنطط في المواصلات علشان اوصل لمكان مفهوش أي تقدير، و معظم الناس بتتعامل مع خدمة العملاء انه اقل حد في المكان، و أي حد و خلاص، و الموضوع ده بدأ يخلي نفسيتي تعبانة جدا، و كمان بدأ يأثر على ثقتي في نفسي اللي هي من أهم مميزاتي.. لكن طول مدة الشغل اللي كانت لحد الوقت ده 9 شهور بس طبعا كان إحساسي إنها أطول من كده بكتير.. بدأ يهلكني نفسيا..
محاولاتي الكتير في المكان و اللي كانت محورها إني انقل قسم تاني كانت دايما بتفشل و ده كان بيحبطني جدا.. كلامي مع مديرين كتير عن إني أزاي أترقى و أسيب خدمة العملاء كان محوره إني لازم اقعد في نفس القسم ده على الأقل 5 سنين كان بيزود إحساسي بالإحباط الشديد..
طبعا الكلام عن المعاملة و النفسيات المريضة مش هيلخص.. و التربص و تصيد الأخطاء كل ده كان له نصيب إني أشوف المكان ده زي السجن و إني مضطرة و مجبرة عليه لحد ما أشوف هقعد امتى من الشغل، اللي لسه مكانش عندي خطة واضحة، و لا تاريخ محدد للخطوة دي لأسباب كتير من أهمها: عدم استقرار شغل روميو، و عدم قدرته المادية انه يكون له الجانب الأكبر في المساهمة المادية في مصاريف البيت..
كنت حاسة إني هنفجر و تفكيري كان تاعبني جدا، و كل ما كنت أتكلم مع روميو في الموضوع ده كان يتنرفز جدا و يبدأ يزعق كمان و يقولي:” احمدي ربنا انت بتاخدي مرتب حلو عايزة ايه؟”
أقوله:” أنا مش خدمة عملاء.. لازم ارجع و اشتغل حاجة قريبة للي كنت بشتغلها في الملحق التجاري في دبي قبل ما أجي على كندا .. أنا كده ثقتي في نفسي هتروح و إمكانياتي كمان..”
يتضايق اكتر و يقولي:” دبي.. دبي.. أنا زهقت من دبي، و كلامك عن إنجازاتك و سفرياتك.. ما تشوفيني أنا .. أنا عمري ما رحت أي مكان غير إيطاليا و كندا و الشغل برضى و بمشي جنب الحيط مع إني بشتغل أي حاجة”
رديت بمنتهى الهدوء و قلت له:” آه بس ما تزعلش مني، لا خبراتك و لا تعليمك زيي.. أنا تعبت جدا السنين اللي فاتت علشان أوصل للمستوى ده، و كندا هتضيعني و هتخليني في حتة تانية خالص”

و تنتهي المناقشة انه يعلي صوته و يبدأ يقلل مني جدا، و ينزل و يسيبني و طبعا أنا أقعد أعيط.. متنفسي الوحيد هي شوية الدموع دي بدل ما أطق!
كنت بحس إني لوحدي تماما و محدش حاسس بي حتى روميو بدأ يبين انه مش مدعمني و لا بيشجعني، بالعكس هو كمان عايز يلعب على نقطة ثقتي بنفسي علشان ما احسش إني سابقاه في أي حاجة..
و لما رجع و لاقاني بعيط بدأ يزعقلي بشكل هستيري و من الوقت ده مكنتش بعرف ارد على الطريقة دي أبدا لأني اتصدمت فيه و في طريقة و اسلوب الزعيق اللي هيكون أسلوبه من هنا و رايح..
و لما طلب مني إني ارد عليه و ازعق أنا كمان بدل ما أعيط و اروح استخبى في اوضتي رديت و قولتله:” أنا مضغوطة و كل اللي بطلبه منك انك تديني مساحتي بعد إذنك”
معجبهوش الكلام و كان مصمم إني لازم اقف و أتكلم و أنا مش قادرة .. ثانيا هو بيزعق بشكل هستيري و صوته عالي جدا فإيه نوع الكلام اللي ممكن أتكلم معاه و هو بيكلمني بالأسلوب ده..
و بمنتهى الهدوء اتجهت ناحية باب الشقة ونزلت و مشيت..
لقيت نفسي رجلي واخداني على جنينة كانت بعيدة شوية عن البيت، و رحت هناك و قعدت اتمرجح على مرجيحة.. و بالرغم إني كنت في الأول بتمرجح وانا بعيط، إلا إنه بعد نص ساعة كانت ضحكتي رجعتلي تاني..
و أنا على المرجيحة دي حاجات كتير مرت قدامي، بس كلها عن الوقت من أول ما جيت كندا لحد اللحظة دي.. يعني أخر سنة و نص من عمري. حسيت قد إيه إن كندا بتعاملني إني فعلا لازم ابدأ حياتي كلها من نقطة الصفر، و ده كان مجنني و دفعني إني اكتب مقالة صغيرة و انشرها على صفحتي في الفيس بوك و سميتها:” أكبر تحدياتي الكندية” و اتكلمت فيها عن قد إيه الشغل تحدي كبير و تجربة مجحفة، و عدم أعتراف الشركات بالخبرات الخارجية شيء غير إنساني و محبط و يحطم أحلام ناس كتير و من ضمنهم أنا..
كتاباتي للمقال حسنت حالتي المزاجية شوية و دفعتني إني أقوم و ارجع البيت، و في نص الطريق لقيت روميو و كانت الدنيا ضلمة و البرد مكانش قليل و الثلج كان نازل..
مسك ايدي و اعتذر لي و أنا قولتله :” انت عارف السنة اللي فاتت في التوقيت ده كنت بتجبلي ورد أحمر و بتسمعني كلام حب، و السنة دي أنا مشيت و أنا زعلانة منك و دموعي على خدي من كلامك و أسلوبك”
حاول يهدي الجو لكن من جوايا كنت زعلانة جدا .. كنت زعلانة منه و من كندا و من كل حاجة..
و أتعلمت من الدرس ده إني ما اقولش له على حاجة، خصوصا عن الشغل لأنه ما بقاش بيساندي و لا بيساعدني زي ما كنت فاكرة، و لازم أتقبل حقيقية و واقع إني بقيت في أبعد مكان لوحدي، و أحاول دايما اكون اقرب الناس لنفسي، و ما اشغلش نفسي بحد تاني..
و استكمالا لإحساسي بنقص الدعم النفسي، قررت إني أغير الدكتورة بتاعتي و اسجل مع (الميد وايف)، و فعلا سجلت معاهم و أدوني ميعاد إني أروح أول زيارة..
و كانت الزيارة ميعادها الساعة 4 عصرا، و ده صعب جدا لأني عقبال ما أوصل من شغلي هتكون الساعة 7م، و هنا رحت و سألت المشرف بتاعي.. هو أنا ينفع أيام كشفي امشي و أسيب الشغل بدري؟
قالي:” لا هو ما ينفعش، بس هنحاول نخلي زيارات قليلة و تكون بمعدل مرتين في الشهر بحد أقصى”
كنت حاسة إن فكرة إني أتابع الحمل طول ما أنا شغالة هتكون صعبة جدا بسبب المواعيد، و طبعا بعد المكان كان له دور كبير في النقطة دي..
و هنا سألت المشرف و قولتله:” انتم مش ناويين تعينوا ناس جديدة؟ بصراحة القسم محتاج ناس..”
قالي:” إحنا بقالنا اكتر من 3 شهور بندور بس ماخترناش حد..”

قولتله:” طيب يلا بقى شدوا حيلكم و اختاروا.. انت عارف أنا حامل يعني قربت امشى..”
قالي:” على كلامك انت ممكن تفضلي معانا لحد أول مارس”
قولتله” لا أنا ما قولتلش كده، و لسه مش عارفة هقعد امتى! و هبدأ اعمل بحث و اعرف كمان المعلومات الخاصة بالتأمين الاجتماعي”
و هنا وش المشرف جاب ألوان لإنه فاكر إني مثلا معتمدة على إني أجيب المعلومات منه أو من مديرة الموارد البشرية، بس طبعا على مين..
و بكده هيكون مستنيني بكرة أول زيارة عند (الميد وايف)، و كمان بحث طويل محتاجه اعمله علشان اعرف موضوع إجازة الأمومة
دي.. يا ترى عملت ايه؟ ووصلت لأيه؟

9