ترددت كثيرا في مشاركة تجربتي الشخصية مع كوفيد-19، مع جمهور القراء، لشعوري بتواضع التجربة أمام تجارب الكثيرين ممن فقدوا أحباء أو أقارب لهم، لكني اتخذت قرار المشاركة ليقيني بأن بين القراء من يتلمس فرصة المشاركة والمساندة الشعورية.
ترددت كثيرا في مشاركة تجربتي الشخصية مع كوفيد-19، مع جمهور القراء، لشعوري بتواضع التجربة أمام تجارب الكثيرين ممن فقدوا أحباء أو أقارب لهم، لكني اتخذت قرار المشاركة ليقيني بأن بين القراء من يتلمس فرصة المشاركة والمساندة الشعورية.
كنت أشغل وظيفة مرموقة، وبرغم تميزي على المستوى المهني والإداري، إلا أن نهمي للعلم لا سقف له، وكلما تعلمت أدركت مساحة جهلي المعرفي بالكثير. لذا، في الربع الأخير من عام 2019 بحثت عن فرصة الالتحاق ببرنامج لدراسة الدكتوراه يترجم خبرتي المهنية إلى رصيد أكاديمي أجمع فيه بين النظرية والتطبيق، وكنت آنذاك على يقين بأن خبرتي المهنية التي امتدت إلى حوالي 25 عاما ستساعدني على التميز الأكاديمي. العجيب في الأمر أنني كنت أبحث عن برنامج للدكتوراه يتم تدريسه وجها لوجه، أي يتعين عليّ أن أنتقل إلى دولة أجنبية لإتمام الدراسة والحصول على الدرجة. لعلك تسألني أيها القارئ، لماذا درجة الدكتوراه الثانية؟ ألست حاصلا على تلك الدرجة منذ سنوات؟ الإجابة يا عزيزي، هي ببساطة أنني أردت الانغماس في العلم والثقافة والمجتمع الأجنبي الذي يصقل تجربة الدراسة، فقد كان يمكنني الالتحاق ببرنامج للدراسة عبر الانترنيت، إلا أن المعايشة، أمر أكثر إغراء وأكثر تحديا.
تم قبولي في برنامج الدكتوراه بشكل نهائي في شهر فبراير 2020 ومنحي وظيفة بالجامعة كمدرس مساعد، وكان المتبقي من الإجراءات يتلخص في تحديد موعد بالسفارة للحصول على تأشيرة والاستعداد للسفر. بالفعل تم تحديد الموعد ليكون في 3 أغسطس 2020، وبما أن تجديد عقدي مع جهة العمل يحين في شهر يوليو 2020؛ فكان يتعين عليّ إخبار جهة عملي برغبتي في عدم تجديد العقد، انطلاقا من شعوري بالمسئولية تجاه فريق العمل واحتراما لإدارة المكان التنفيذية؛ خاصة وأن عدد الملفات التي كنت أديرها لم يكن بسيطا أو قليلا.اعتبرت أن شهر يوليو 2020 وحتى يحين موعد سفري منتصف أغسطس 2020 ليس إلا إجازة واستراحة محارب، أمضي فيها وقتا متميزا بين أفراد عائلتي.
بنهاية شهر يوليو 2020، تلقيت رسالة من السفارة تفيد إلغاء موعد الحصول على التأشيرة وتأجيل هذا الإجراء لأجل غير مسمى، نظرا لظروف كوفيد-19. لا أعتقد أن الكلمات تستطيع التعبير عن إحساس الهزيمة الذي كنت أشعر به، فأنا أصبحت بلا عمل، وبلا أمل في السفر في الموعد المحدد وتم سحب الوظيفة لدى الجامعة. لم يكن بوسعي إلا أن أتماسك وأبدأ في إحصاء النعم؛ وبدأت في اتخاذ الكثير من التدابير المالية للحفاظ على الأساسيات والاستغناء عن أي رفاهيات لا مجال للتمسك بها. تواصلت مع الجامعة، فأتاحوا لي فرصة التعلم عن بعد لمدة ثلاثة فصول دراسية متتالية امتدت قرابة العام، وأنا بلا عمل دائم وبلا دخل ثابت، بل وفشلت كل محاولات الحصول على عمل سواء بتقدمي لشغل وظائف شاغرة أو بتوصية الأقارب والأصدقاء والمعارف. بائت كل المحاولات بالفشل، وكنت كأي إنسان طبيعي أمر بفترات من الألم النفسي والشعور بالهزيمة، لكنني برغم كل ذلك كان لدي اليقين الإيماني بإن كل شيء تحت السماء بميعاد، ووجهت طاقتي وتفكيري إلى إحصاء النعم والبركات.
كنت أحصي النعم والبركات كل ليلة وأشكر في الضيقة، كنت أدرك أن عدم إصابتي وأفراد عائلتي بالفيروس بركة ونعمة، وأن حالة الوباء المتفشية في الدولة الأجنبية التي كنت سأسافر إليها أكبر من احتمالي، خاصة وأنني كنت سأسافر وحدي دون أفراد عائلتي، فليس هناك مجال لدخولي المستشفى هناك لاكتظاظها بأعداد المصابين. كنت أشكر في كل ليلة على كل نعمة وبركة في حياتي ودراستي؛ إذ أن هذا الشكر كان عاملا رئيسيا في نجاحي بامتياز خلال الثلاثة فصول الدراسية. فمهما كانت الظروف قاسية، والإحساس بالهزيمة، تأكد يا عزيزي القارئ بأن الشكر في الضيقات والتسليم بخطة الله هما سر العبور الآمن وسر السلامة الروحية.
تحياتي،
د. زياد شاكر
المزيد
1