كان نفسي إني أقدر أجيب عربية و أترحم من عذاب المواصلات اللي بياخد من وقتي 4 ساعات يوميا، لكن لما حسبتها بالورقة و القلم أكتشفت إني مش هقدر، وشكلي هكمل بين الترام و 2 مترو وأخيرا الأوتوبيس..
كان نفسي إني أقدر أجيب عربية و أترحم من عذاب المواصلات اللي بياخد من وقتي 4 ساعات يوميا، لكن لما حسبتها بالورقة و القلم أكتشفت إني مش هقدر، وشكلي هكمل بين الترام و 2 مترو وأخيرا الأوتوبيس..
و هنا بدأت أتأقلم على فكرة إني هكمل في الأوتوبيس لحد ما أشوف إيه اللي هيحصل في المرحلة القادمة، خصوصا لما روميو وضعه يبقى أحسن و تبدأ القفة أم ودنين يشيلوها أثنين مش واحد..
بدأت أدقق جدا في الناس اللي بتركب معايا نفس المواصلات و اللي بدأت احفظ اشكالهم، لحد ما لفت نظري جدا رجل كان بيركب معايا الأوتوبيس (أخر مواصلة) و كان بيقعد دايما جنبي..
كان رجل كبير في العمر معدي الستين، وكان كندي بعيون زرق ووش أحمر، وكان وشه عليه ابتسامة كانت دايما موجودة ومن أهم مميزاته..
كنت حساه عشري كده و كان دايما ذوق و لما بيلاقي الأوتوبيس مليان كان بيكون حاجزلي الكرسي اللي جنبه. و بصراحة عمري ما وقفت في الأوتوبيس بسببه، اللي بيكون زحمة جدا الصبح و خصوصا في الاتجاه اللي بروحه..
و تعبيرا مني على شكري له بدأت معاه الكلام و قلت له:”أنا أشكرك على انك بتخليلي الكرسي و ما بتخلنيش أقف في الأوتوبيس”
كان بيرد بمنتهى الهدوء و يقول:”دي حاجة بسيطة جدا أنا معملتش حاجة”
كنت بستغربه جدا.. هدوءه الشديد و ابتسامته و فكرة أنه غير متقلب المزاج كانت بتلفت نظري..
لحد ما في يوم كان عندي تدريب تبع فعاليات مدينة تورنتو، و كنت قررت إني أروح بالرغم من إني حامل بس كنت في الأول، و بصراحة الحمل ما كنش تاعبني أبدا في المرحلة دي..
و أنا في الطريق و بعد الشغل لقيت الرجل الباسم خد معايا نفس المواصلات و كمل لحد ما وصل مبنى البلدية لدرجة إني خفت منه و سألته:”أنت ماشي ورايا؟” قالي:” لا انا عندي تطوع هنا”
وفعلا قابلته في التدريب و اعتذرت له على شكي بس غصب عني، و بعدين حرص ولا تخون..
و كانت فرصة إني أشوف فيه جانب وهو أنه متطوع قديم بقاله 30 سنه بيتطوع في فعاليات المدينة، و حسيته انه شخصية فعلا مميزة..
و قابلته تاني يوم في الأوتوبيس و بدأت معاه الكلام و قولتله:
“أنا اتفاجأت انك في التطوع تبع فعاليات المدينة و اللي هتكون نهاية الشهر الجاي”
رد و قالي:” أنا فاضي مراتي ماتت من زمان وعمري ما رجعت أتجوز تاني و عندي شغلي بس و معنديش أولاد، و بصراحة التطوع ده حاجة أنا بستمتع بها جدا و حريص عليها كمان”
كان بيرد بنفس ابتسامته و كأن مفيش أي حاجة بتخليه يتأثر!
و سألته:” انت بقالك قد ايه في شغلك؟”
رد و قالي:” من و أنا عندي 25 سنه لحد دلوقتي 64 سنه يعني داخل على 40 سنة”
رديت باندهاش و قولتله:” 40 سنه في نفس المكان؟!!”
قالي:” آه 40 سنه في نفس الشركة”
بصراحة أنا صعقت و خصوصا إني مثلا في كندا في اقل من سنه كنت غيرت 5 شغلانات، غير دبي و غير مصر و اللي كنت بعمله و معدل تغييري العالي جدا .. و بالنسبة لي النموذج ده نادر جدا، بس أنا كمان مراعية انه تقريبا في سن بابا..
سألته كده:” أومال المعاش هنا أمتى؟”
قالي:” على 65 .. خلاص انا فاضلي سنه و اقعد على المعاش”
كنت حساه بيقولها بفخر كبير و كأنها أهم إنجازاته في الحياة.رجعت تاني و قولتله:
“لو رجع بك الوقت كنت كملت في الوظيفة و لا كنت فتحت مشروع لوحدك؟”
رد بهدوئه المعتاد و قالي:” كنت كملت في الوظيفة بكل تأكيد”
كنت حساه مقتنع تماما بفكرة إن الواحد يدفن نفسه في الوظيفة 40 سنه لحد ما يطلع معاش و كأن المعاش هو أهم أحلامه!
و رد و قالي:” أنا مش عارف انت شغالة فين، بس خديها نصيحة المعاش هو اللي يضمن لك حياة كريمة بعد التقاعد، وهنا علشان تاخدي معاش كويس لازم تكوني اشتغلتي سنين كتير و سددتي كتير من مرتبك للتأمينات، لكن مثلا لو فكرتي تطلعي مبكر حتى لو على 60 سنه هتاخدي معاش بسيط و مش هتاخدي المعاش الكامل اللي ممكن يوصل ل 80% من مرتبك إلا لو تقاعدت على 65 سنه.”
كنت بسمعه باستغراب شديد و كنت عايزة أقوله:” لأ أنا مش هدفن نفسي بالحياة عشان المعاش.. و لا يشغلني”
طبعا مكنش في تفاعل مني مع كلامه بس كل اللي قولته للرجل ساعتها:
“لا أنا مش هعمل كده، أنا هفتح مشروع يوما ما و مش عايزة اكمل حياتي موظفة هنا، ومش مهم المعاش.. أنا عايزة أعيش و احس إني بعمل الحاجة اللي بحبها، مش عايزة أموت بالحياة”
سكت الرجل و فضلت ابتسامته على وشه، و أنا فضلت باصه من شباك الأوتوبيس على الشركات الكبيرة اللي بنعدي عليها طول ما الأوتوبيس بيبقى ماشي، و كان كل تصوري إني امتلك واحدة منهم ومش شغالة عند حد..
وقتها كان نفسي إني أبدأ أكتب قصتي، بالرغم إني مكنتش حققت أحلام كتير من أحلام كندا، لكن كنت حاسة إن قصة دبي لوحدها كفاية و كان نفسي اكتبها.اللي شجعني إني لقيت زميلتي من أيام المول اللي كانت جابتلي المروحة الديكور من اليابان كتبت كتاب عن جزء من حياتها، و أثناء ما أنا في الأوتوبيس بعتلها رساله و وقولتلها:
“أنا نفسي أعمل زيك..بس أنا نفسي أكتب كتاب عن قصتي في دبي.. تعرفي حد يساعدني في الكتابة؟”
ساعتها ردت و قالتلي:” أنا مش عارفة كل قصتك بس عارفة إن فيها تعب وكفاح كتير و ده ممكن يكون له ناس تحب تقراه و ناس تانية لأ.. أما عن مين يساعدك في الكتابة فأفضل شيء انك انت بنفسك اللي تكتبي المذكرات”
وقتها قلت لنفسي:” آه قصتي كلها تعب و كفاح و أنا نفسي أبين للشباب اللي قدي، واصغر واكبر مني إن أحلامنا ممكنة، بس محتاجة صبر وتعب ومش لازم يكون حساب البنك ولا أملاك أهالينا هم الطريق لتحقيقها. لكن حكاية إني اكتبها بنفسي دي بعيدة جدا عني.. أنا عمري ما مسكت قلم، و لا كتبت مقالة مثلا هكتب إزاي قصة حتى لو كانت قصتي!! يلا خليها فكرة مؤجلة مين عارف..”
و فعلا أنا ما فكرتش تاني في الفكرة دي إلا في تاريخ 29 أبريل 2020 يعني تقريبا بعد التاريخ اللي بحكي فيه ده بسنتين و 8 شهور..
و فضلت أيامي في الشغل تكمل بشكل متعب ومجهد جدا، و كنت حاطة أمل على القسم الداخلي الخاص بتطوير المشروعات انه يبعتلي. و لكن اتفاجأت انهم عينوا واحدة من بره و حتى ما كلفوش خاطرهم انهم يبعتولي و يقولولي أنهم اختاروا حد تاني، و مكانوش أصلا عارفين إني حامل، يعني لو أنا كنت فكرت انهم مثلا ما بعتوليش علشان كده، لكن كانت مديرة القسم المديرة اللي كانت معايا في إيطاليا واللي مكنتش بطيقها و اتخانقت معاها هناك و حتى مساعدها الصربي مكانش أظرف حد يعني وفضلوا مستخبيين و محدش بيسمع أي اخبار عن الوظيفة لحد ما في يوم و ليلة بعتت مديرة ال HR تقدم الموظفة الجديدة..
بصراحة اتنرفزت جدا و لقيت نفسي طايرة عند الصربي و دخلته و قولتله:” انت مبعتليش تعتذر لي ليه أو تقولي انك اخترت حد!! انا بقالي شهر ونص مستنية النتيجة و كان عندي أمل كبير”
رد بمنتهى البرود و قالي:” انت فعلا خبرتك ممتازة و عندك اللغات اللي محتاجينها، لكن معندكيش خبرة كندية كافية يا دوب 6 شهور في شركة التأمين”
قولتله:” و دول مش كفاية معاك؟”
قالي:” لا اقل حاجة 5 سنين”
رديت و أنا منفعلة جدا و قولتله:” و ليه مقولتليش كده من الأول؟ و ليه أصلا بعتولي على انترفيو مادام انتم شايفين اني معنديش الخبرة الكندية الكافية اللي لازم تكون 5 سنين؟.. انت عايز تفهمني اني اقعد 5 سنين خدمة عملاء علشان يا دوب بعد كده أترقى واطلع على قسم تاني”
قالي:” تمام.. هو كده بالظبط”
حاولت اغمض عيني و اعمل أي تمرين من تمارين الثبات الانفعالي بدل ما امسك في زمارة رقبته، بس قبل ما امشي أديته كلمتين في عضمة وقولتله:
“اسمع انت غلطان ومدينلي بإعتذار والمرة الجاية قبل ما تبعت لحد على انترفيو أبقى اقرأ السي في بتاعته”
بصلي و هو بيجز على سنانه و قالي:” ماشي المرة الجاية، و لو على الاعتذار انا اسف”
و مشيت و أنا بغلي و نزلت من المكتب وأنا مش طايقة شغلي اللي كان فوق طاقتي و إني بعمل شغل كذا قسم و أي حد في المكتب دايما كان بيتكلم على أن خدمة العملاء هي بلاعة الشركة، و ده مش علي أنا بالتحديد بس كلامهم كان على كل الموظفين حتى الكرواتية نفسيتها بدأت تتعب جدا و كنت بشوفها كتير بتعيط لوحدها، وأنا اللي كنت بروح أطبطب عليها..
كانت الناس نفسيتها وحشه جدا، و كانوا حاسين إن خدمة العملاء هم أقل ناس في الشركة. و حقيقي حسيت باضطهاد بسبب الدرجة الوظيفية بشكل مبالغ فيه صدمني في كندا سوق العمل فيها بشكل عام..
و فضلت راجعة على البيت في اليوم ده و كنت بعيط بصوت عالي لدرجة إن الرجل اللي كان بيقعد جنبي كان بيحاول يكلمني بس انا مكنتش سامعة حد غير نفسي . و قومت من جنبه، و حاولت أقعد في مكان ميكونش حد شايفني فيه بس هروح منهم فين ..ده إحنا بتوع الأوتوبيس..
و كمحاولة مني إني اطلع نفسي من الإحباط الشديد اللي بيواجهني في الشغل، قررت إني أتطوع في مكان كنت أتطوعت فيه قبل كده بس مكنتش متأكدة إني هرجعله تاني علشان الحمل و خصوصا إني في الشهور الأولى.. يا ترى إيه المكان ده اللي طاقته بتغير نفسيتي تماما و تخليني سعيدة حتى لو بشكل مؤقت؟
المزيد
1