قد يُقدّم تلقي التطعيمات الروتينية ضدّ الأمراض الشائعة، مثل الكزاز والقوباء المنطقية والالتهاب الرئوي، فائدةً غير متوقعة: إنخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر في مراحل لاحقة من العمر. وقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة مرض الزهايمر عام ٢٠٢٣ أن كبار السن الذين تلقوا هذه اللقاحات كانوا أقلّ عرضةً للإصابة بمرض الزهايمر مقارنةً بأقرانهم غير المُلقّحين على مدى ثماني سنوات. ويُضاف هذا البحث إلى مجموعةٍ متناميةٍ من الأدلة التي تُشير إلى أن التطعيمات يُمكن أن تلعب دورًا في الحماية من هذا المرض الدماغي المُدمّر.
قد يُقدّم تلقي التطعيمات الروتينية ضدّ الأمراض الشائعة، مثل الكزاز والقوباء المنطقية والالتهاب الرئوي، فائدةً غير متوقعة: إنخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر في مراحل لاحقة من العمر. وقد وجدت دراسة نُشرت في مجلة مرض الزهايمر عام ٢٠٢٣ أن كبار السن الذين تلقوا هذه اللقاحات كانوا أقلّ عرضةً للإصابة بمرض الزهايمر مقارنةً بأقرانهم غير المُلقّحين على مدى ثماني سنوات. ويُضاف هذا البحث إلى مجموعةٍ متناميةٍ من الأدلة التي تُشير إلى أن التطعيمات يُمكن أن تلعب دورًا في الحماية من هذا المرض الدماغي المُدمّر.
مرض الزهايمر هو اضطرابٌ دماغيٌّ مُدمّر يُدمّر الذاكرة ومهارات التفكير تدريجيًا. وهو السبب الأكثر شيوعًا للخرف، وهو مصطلحٌ عامٌّ يُشير إلى تدهورٍ حادٍّ في القدرة العقلية، بما يكفي للتأثير على الحياة اليومية. في مرض الزهايمر، تتلف خلايا الدماغ وتموت في النهاية، مما يُؤدي إلى فقدانٍ تدريجيٍّ لا رجعة فيه للوظائف الإدراكية. في حين أن الأسباب الدقيقة لمرض الزهايمر غير مفهومة تمامًا، فمن المعروف أن هذا المرض ينطوي على تغيرات معقدة في الدماغ تُعطل عملياته الطبيعية.
هناك نظرية متنامية مفادها أن العدوى قد تلعب دورًا في تطور مرض الزهايمر. الفكرة هي أن العدوى يمكن أن تُسبب التهابًا في الدماغ، وهذا الالتهاب قد يُسهم في تلف خلايا الدماغ المُلاحظ في مرض الزهايمر. صُممت اللقاحات للوقاية من العدوى. لذلك، أراد الباحثون دراسة ما إذا كان تلقي اللقاحات الروتينية ضد عدوى مثل الكزاز والدفتيريا والقوباء المنطقية والالتهاب الرئوي قد يُقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر.
وخلص الباحثون إلى أنه إذا كانت اللقاحات قادرة على منع أو تخفيف شدة العدوى، فقد تُقلل أيضًا من التهاب الدماغ المُصاحب، وبالتالي، تُقلل من فرص الإصابة بمرض الزهايمر. كما اعتبروا أن للقاحات تأثيرات أخرى على الجهاز المناعي قد تكون مفيدة في الحماية من مرض الزهايمر، بغض النظر عن الوقاية من عدوى مُحددة.
لإجراء هذه الدراسة، استخدم فريق البحث قاعدة بيانات ضخمة لسجلات التأمين الصحي من شركة تُدعى Optum. تحتوي هذه القاعدة على معلومات مجهولة المصدر حول العلاجات الطبية والوصفات الطبية وزيارات المستشفيات لملايين الأشخاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة ممن لديهم تأمين صحي من خلال جهة عملهم أو برنامج Medicare Advantage.
درس الباحثون بيانات من عامي 2009 و2019. في البداية، حددوا مجموعة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر في بداية فترة الدراسة. ولضمان دراسة تطور حالات جديدة من مرض الزهايمر، استبعدوا أي شخص شُخِّص سابقًا بالخرف، أو مشاكل خفيفة في الذاكرة، أو أي حالة تؤثر على الدماغ، أو ممن كانوا يتناولون بالفعل أدوية لعلاج مرض الزهايمر، قبل بدء الدراسة رسميًا. وهذا ترك لهم مجموعة كبيرة من الأفراد لمتابعتهم على مدار الوقت.
ثم فحصت الدراسة من بين هؤلاء الأفراد الذين تلقوا لقاحات الكزاز والدفتيريا (مع أو بدون السعال الديكي)، أو القوباء المنطقية، أو الالتهاب الرئوي خلال فترة المتابعة، التي استمرت من عام 2011 إلى عام 2019. استخدم الباحثون رموزًا محددة في سجلات التأمين لتحديد وقت تلقي الشخص لكل نوع من اللقاحات. بالنسبة للقاح الكزاز والدفتيريا، شملوا كلاً من اللقاح المركب الذي يحمي أيضًا من السعال الديكي، والنسخة الخالية من السعال الديكي. بالنسبة للقاح القوباء المنطقية، نظروا في كلا نوعي لقاحات القوباء المنطقية المتوفرة في الولايات المتحدة: لقاح قديم وأقل فعالية يسمى زوستافاكس، ولقاح أحدث وأكثر فعالية يسمى شينغريكس. بالنسبة للالتهاب الرئوي، فحصوا نوعين من لقاحات المكورات الرئوية: PCV13 وPPSV23.
بعد ذلك، احتاج الباحثون إلى تحديد من في مجموعة الدراسة أصيب بمرض الزهايمر خلال فترة المتابعة. استخدم الباحثون مزيجًا من رموز التشخيص لمرض الزهايمر والخرف المرتبط به، بالإضافة إلى سجلات الوصفات الطبية للأدوية الشائعة لعلاج الزهايمر، مثل الدونيبيزيل والميمانتين. ولزيادة دقة تحديد حالات الزهايمر الحقيقية، اشترطوا أن يكون لدى الأفراد تشخيصان على الأقل بالزهايمر، أو تشخيص واحد بالإضافة إلى وصفة طبية، أو وصفتان طبيتان على الأقل خلال فترة 12 شهرًا. ساعد هذا النهج في تقليل احتمالية تشخيص شخص ما بالخطأ على أنه مصاب بالزهايمر بناءً على خطأ واحد في سجلاته الطبية.
وللتأكد من مقارنة مجموعات متشابهة من الأشخاص، استخدم الباحثون تقنية إحصائية تُسمى مطابقة درجة الميل. تساعد هذه الطريقة على موازنة الاختلافات بين الأشخاص الذين يتلقون التطعيم والذين لا يتلقونه. على سبيل المثال، قد يكون الأشخاص الذين يختارون التطعيم أكثر صحة بشكل عام أو أكثر اهتمامًا بصحتهم من أولئك الذين لا يتلقونها. ولمعالجة هذا الأمر، درس الباحثون مجموعة واسعة من العوامل التي قد تؤثر على كل من حالة التطعيم وخطر الإصابة بالزهايمر.
شملت هذه العوامل العمر، والجنس، والعرق، والمنطقة الجغرافية، وعدد زيارات الرعاية الصحية، ووجود حالات صحية سابقة مختلفة مثل الربو، وأمراض القلب، والسكري، والاكتئاب. كما أخذت في الاعتبار استخدام بعض الأدوية، وما إذا كان الأفراد قد تلقوا لقاحات روتينية أخرى، مثل لقاح الإنفلونزا. ومن خلال مطابقة الأفراد المُلقَّحين إحصائيًا مع الأفراد غير المُلقَّحين الذين لديهم خصائص متشابهة في هذه العوامل، سعى الباحثون إلى عزل التأثير المحدد للتطعيم على خطر الإصابة بمرض الزهايمر، بدلاً من مجرد عكس الاختلافات الصحية أو نمط الحياة الأخرى.
بعد تحليل البيانات بدقة، وجد الباحثون أن التطعيم ضد الكزاز والدفتيريا ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 30%. وبالمثل، ارتبط تلقي لقاح القوباء المنطقية بانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 25%، وارتبط التطعيم ضد المكورات الرئوية بانخفاض خطر الإصابة بنسبة 27%. كانت هذه النتائج ذات دلالة إحصائية، مما يعني أنه من غير المرجح أن تكون نتيجة للصدفة.
أجرى الباحثون أيضًا تحليلات إضافية لمعرفة ما إذا كانت أنواع مختلفة من لقاحات القوباء المنطقية والمكورات الرئوية لها تأثيرات متفاوتة. ووجدوا أن كلا نوعي لقاح القوباء المنطقية، زوستافاكس وشينغريكس، مرتبطان بانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر، إلا أن لقاح شينغريكس الأحدث أظهر تأثيرًا وقائيًا أقوى بكثير. أما بالنسبة للقاحات المكورات الرئوية، فقد ارتبط كل من لقاحي PCV13 وPPSV23 بانخفاضات مماثلة في خطر الإصابة بمرض الزهايمر.
ولضمان عدم كون نتائجهم ناتجة فقط عن زيادة احتمالية تلقي الأفراد الأصحاء للتطعيم، أجرى الباحثون تحليل حساسية. كرروا تحليلاتهم الرئيسية مع التركيز فقط على الأشخاص الذين يتناولون أدوية الستاتينات بانتظام، وهو مؤشر آخر على السلوك الصحي الواعي. حتى ضمن هذه المجموعة من الأفراد الذين يُرجح أنهم مهتمون بصحتهم أصلًا، ظلت الارتباطات الوقائية بين التطعيم وانخفاض خطر الإصابة بمرض الزهايمر قائمة، مما عزز الثقة في النتائج الرئيسية.
في مقال منفصل نُشر في مجلة Human Vaccines and Immunotherapeutics، أوضح الباحثون أن هناك عدة طرق محتملة يُمكن أن تُقلل بها اللقاحات من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، وهذه الآليات ليست بالضرورة متنافية. إحدى الأفكار الرئيسية هي أن اللقاحات تُخفف من عبء العدوى. فالعدوى، سواءً تلك التي تُصيب الدماغ مباشرةً (مثل الهربس النطاقي، المُسبب للقوباء المنطقية) أو تلك التي تحدث في أماكن أخرى من الجسم، يُمكن أن تُسبب الالتهاب. ويُعتقد أن هذا الالتهاب قد يُفاقم أو يُسرّع العمليات التي تُؤدي إلى مرض الزهايمر. ومن خلال منع العدوى، يُمكن للقاحات أن تُخفف من عبء الالتهاب، وبالتالي تُقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر.
وهناك آلية مُحتملة أخرى تتعلق بكيفية تأثير اللقاحات على استجابة الجهاز المناعي للتغيرات الدماغية المُرتبطة بمرض الزهايمر. يتميز مرض الزهايمر بتراكم بروتينات غير طبيعية، مثل الأميلويد، في الدماغ. وقد تُعزز اللقاحات بطريقة ما قدرة الجهاز المناعي على التخلص من هذه البروتينات الضارة، ومنعها من التراكم والتسبب في الضرر.
بدلاً من ذلك، حتى لو لم تُخفّض اللقاحات كمية هذه البروتينات بشكل مباشر، فقد تُعدّل الاستجابة المناعية للدماغ لها. في مرض الزهايمر، قد تكون الاستجابة المناعية للدماغ لهذه البروتينات غير الطبيعية مفرطة النشاط ومُضرة أحيانًا، مما يُسبب “أضرارًا جانبية” لأنسجة الدماغ السليمة. يُمكن أن تُساعد اللقاحات على تحسين هذه الاستجابة المناعية، مما يجعلها أكثر فعالية في التخلص من المواد الضارة مع تقليل الضرر الذي يُلحق بخلايا الدماغ السليمة.
وأخيرًا، يستكشف الباحثون مفهوم “المناعة المُدرّبة”. قد تُدرّب اللقاحات جهاز المناعة الفطري، وهو خط الدفاع الأول للجسم ضد مُسببات الأمراض، ليكون أكثر فعالية بشكل عام وأقل عُرضة للالتهابات الضارة مع تقدّمنا في السن. يُمكن أن يُوفّر هذا التعزيز الأوسع لجهاز المناعة الحماية من مجموعة من الأمراض المُرتبطة بالعمر، بما في ذلك مرض الزهايمر.
بالنسبة للقاح الإنفلونزا تحديدًا، هناك فرضية حول “التفاعل المُتبادل”. تُشير هذه الفكرة إلى احتمال وجود تشابه بين بعض مُكوّنات فيروس الإنفلونزا وبروتينات الأميلويد المُرتبطة بمرض الزهايمر. وفي هذه الحالة، قد يؤدي التطعيم ضد الإنفلونزا إلى تحفيز استجابة مناعية توفر أيضًا بعض الحماية ضد تراكم الأميلويد في الدماغ، على الرغم من أن هذه الآلية يُعتقد أنها أكثر تفردًا في لقاح الإنفلونزا مقارنة باللقاحات الأخرى التي تمت دراستها.
في حين تُقدم الدراسة أدلة دامغة، من المهم الإقرار بمحدوديتها. فقد استخدمت بيانات مطالبات التأمين، والتي قد لا تُغطي جميع حالات التطعيم، خاصةً إذا دفع الشخص ثمن اللقاح دون استخدام تأمينه. علاوة على ذلك، ولأن هذه الدراسة كانت بأثر رجعي، وبالنظر إلى البيانات المتاحة، لا يُمكنها إثبات أن اللقاحات تُسبب انخفاضًا في خطر الإصابة بألزهايمر بشكل قاطع. إنها تُظهر فقط وجود ارتباط.
قد تكون هناك عوامل أخرى غير مُقاسة تؤثر على كل من التطعيم وخطر الإصابة بألزهايمر، لم يتمكن الباحثون من أخذها في الاعتبار، حتى مع مطابقتهم الإحصائية الدقيقة. على سبيل المثال، لم تتمكن الدراسة من مراعاة عوامل نمط الحياة بشكل كامل، مثل النظام الغذائي، وممارسة الرياضة، أو المستوى التعليمي، والتي قد تلعب دورًا أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، لم يتوفر لقاح “شينغريكس” الأحدث إلا لفترة قصيرة نسبيًا، لذا كانت فترة المتابعة لدراسة آثاره طويلة المدى على خطر الإصابة بألزهايمر محدودة.
هناك حاجة إلى أبحاث مستقبلية لتأكيد هذه النتائج وفهم الآليات الكامنة بشكل أفضل. من الناحية المثالية، ستوفر الدراسات الاستشرافية، التي تتابع الأشخاص في مراحل متقدمة من العمر وتتتبع حالة تطعيمهم وتطور مرض الزهايمر، أدلةً أقوى. كما يمكن أن تكون الدراسات على الحيوانات مفيدةً في استكشاف كيفية تأثير اللقاحات على عمليات الدماغ المرتبطة بمرض الزهايمر. وسيكون من المهم أيضًا التحقق مما إذا كانت أنواع معينة من اللقاحات، أو التطعيم في أعمار معينة، أكثر فعالية في الحد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. إن فهم سبب وكيفية فعالية هذه اللقاحات في الوقاية من المرض قد يفتح آفاقًا جديدة للوقاية منه وعلاجه.
أُلّفت الدراسة، المعنونة “تأثير التطعيمات الروتينية على خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر: دراسة جماعية قائمة على الادعاءات باستخدام مطابقة درجات الميل”، من قِبل كريستوفرا هاريس، وياوبين لينغ، وأفرام س. بوكبيندر، ولوياو تشين، وكمال ن. فيلبس، وغابرييلا كروز، وجينا توماس، ويجين كيم، وشياو تشيان جيانغ، وبول إي. شولز.
المصدر : اوكسيجن كندا نيوز
المحرر : ياسر سعيد
المزيد
1