في ظل أزمة السكن المتفاقمة في كندا، تسعى الحكومة الفيدرالية إلى تنفيذ خطة طموحة تهدف إلى تحقيق مستويات مقبولة من الإسكان الميسور التكلفة عبر زيادة عدد الوحدات السكنية الجديدة. ولكن، وفقًا لتقرير حديث صادر عن معهد فريزر، فإن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق عمليًا، حيث تتطلب استثمارات ضخمة قد تتجاوز التريليون دولار، مما يجعلها بعيدة عن الواقع.
في ظل أزمة السكن المتفاقمة في كندا، تسعى الحكومة الفيدرالية إلى تنفيذ خطة طموحة تهدف إلى تحقيق مستويات مقبولة من الإسكان الميسور التكلفة عبر زيادة عدد الوحدات السكنية الجديدة. ولكن، وفقًا لتقرير حديث صادر عن معهد فريزر، فإن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق عمليًا، حيث تتطلب استثمارات ضخمة قد تتجاوز التريليون دولار، مما يجعلها بعيدة عن الواقع.
تحديات تحقيق القدرة على تحمل تكاليف السكن
جاء هذا التقييم ضمن تقرير جديد بعنوان “كندا بحاجة إلى توفير المزيد من المال لتمويل أجندة استثمارية طموحة”، والذي يتناول الخطوات اللازمة لتحسين القدرة على تحمّل تكاليف السكن في البلاد، إلى جانب اقتراحات لجذب المزيد من الاستثمارات التجارية لدعم هذا القطاع الحيوي.
بحسب التقرير، تُقدّر مؤسسة كندا للرهن العقاري والإسكان (CMHC) أن كندا بحاجة إلى بناء 3.5 مليون وحدة سكنية إضافية بحلول عام 2030 للحفاظ على القدرة على تحمل التكاليف. ولكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تمويل هذه المشاريع الضخمة دون الإضرار بالاقتصاد أو تحميل الأفراد والشركات أعباء مالية لا يمكن تحمّلها.
تقديرات التكلفة الخيالية
المؤلف الرئيسي للتقرير، ستيفن جلوبرمان، وهو زميل بارز في معهد فريزر ورئيس كرسي أدينجتون للقياس، أشار إلى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب استثمارات رأسمالية إضافية هائلة تتراوح بين 331 مليار دولار إلى 364 مليار دولار سنويًا، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2025 إلى 2030.
ولحساب التكلفة الإجمالية، استند جلوبرمان إلى تقديرات سابقة وضعها ستيف لافلور من معهد ماكدونالد-لورير حول متوسط تكلفة بناء وحدة سكنية واحدة.
في السيناريو الأقل تكلفة، تبلغ كلفة بناء الوحدة السكنية الواحدة 472,376 دولارًا.
أما في السيناريو الأعلى تكلفة، فتصل الكلفة إلى 520,274 دولارًا.
وبناءً على هذه الأرقام، فإن التمويل المطلوب لإنجاز 3.5 مليون وحدة سكنية بحلول 2030 يُقدّر بـ:
1.653 تريليون دولار في حال الاعتماد على تقديرات التكلفة المنخفضة.
1.821 تريليون دولار إذا تم الاعتماد على التقديرات الأعلى تكلفة.
وهذا يعني أن كندا بحاجة إلى استثمار ما بين 330.6 مليار دولار و364.2 مليار دولار سنويًا على مدار السنوات الخمس المقبلة لتحقيق هذا الهدف.
العقبات الاقتصادية: هل الادخار المحلي كافٍ؟
إلى جانب التحديات التمويلية، يُبرز التقرير معضلة اقتصادية أخرى تتعلق بمعدل الادخار المحلي. فمن أجل توفير رأس المال اللازم لتمويل هذا المشروع، يجب أن يرتفع معدل الادخار المحلي بنسبة 12.3 إلى 13.6 نقطة مئوية، وهي زيادة ضخمة قد يكون تحقيقها مستحيلًا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
وفي هذا السياق، شدّد جلوبرمان على أن تحقيق هذه القفزة الكبيرة في معدلات الادخار والاستثمار الرأسمالي يتطلب أسعار فائدة مرتفعة للغاية، وهو أمر غير واقعي وغير مستدام اقتصاديًا.
ويضيف التقرير أن هذه الأرقام تُشير بوضوح إلى أن أهداف الحكومة الفيدرالية بشأن زيادة المعروض من المساكن السكنية غير قابلة للتحقيق في المستقبل القريب، ما لم يتم اتخاذ خطوات جوهرية لمعالجة هذه التحديات.
توصيات لتوجيه السياسة العامة
إزاء هذه المعطيات، قدّم معهد فريزر عدة توصيات يمكن أن تساعد في معالجة الأزمة السكنية دون إثقال كاهل الاقتصاد، أبرزها:
تشجيع زيادة الادخار المحلي: ينبغي على الحكومة تبنّي سياسات تحفيزية تهدف إلى زيادة الادخار المحلي، بحيث يتم توجيه هذه المدخرات نحو تمويل المشاريع الاستثمارية الحيوية، بدلًا من الاعتماد المفرط على التمويل الحكومي.
ضبط الإنفاق الحكومي: يوصي التقرير بأن تعمل الحكومة على تقليل الإنفاق العام، حيث يتسبب إنفاقها المرتفع في التنافس مع القطاع الخاص على مصادر التمويل، مما يؤدي إلى رفع التكاليف.
إفساح المجال للقطاع الخاص: بدلًا من تقديم إعانات مالية وقروض وإعفاءات ضريبية لمطوّري العقارات، يرى التقرير أنه من الأفضل السماح لهؤلاء المطوّرين باللجوء إلى أسواق رأس المال المحلية للحصول على التمويل المطلوب.
تخفيف القيود التنظيمية: شدّد التقرير على أهمية تخفيف العبء التنظيمي الذي يواجه قطاع البناء، مشيرًا إلى أنه يمكن القيام بذلك دون التأثير سلبًا على أهداف السياسة العامة، مثل الحفاظ على البيئة وتقليل الأضرار الخارجية.
هل تقديرات الحكومة قديمة؟
لم يكن معهد فريزر الجهة الوحيدة التي أثارت مخاوف بشأن تقديرات الحكومة الفيدرالية. ففي عام 2024، أصدر بنك CIBC تقريرًا وصف فيه هدف مؤسسة الرهن العقاري والإسكان الكندية ببناء 3.5 مليون وحدة إضافية بأنه “عتيق”، نظرًا للتغيرات السكانية التي طرأت على البلاد بسبب الهجرة.
ووفقًا للبنك، فإن التوقعات الأصلية للحكومة كانت تستند إلى تقدير عدد السكان عند 38.9 مليون نسمة، في حين أن العدد الفعلي للسكان كان أعلى بمقدار 1.2 مليون نسمة في ذلك الوقت.
بناءً على ذلك، خلص تقرير بنك CIBC إلى أن العدد الفعلي للمنازل الإضافية المطلوبة ليس 3.5 مليون، بل خمسة ملايين وحدة سكنية، مما يعني أن تقديرات الحكومة قد تكون أقل من الواقع، ما يزيد من تعقيد الأزمة.
ورغم الطموح الكبير لخطة الحكومة الفيدرالية، إلا أن التقرير الصادر عن معهد فريزر يطرح تساؤلات جدية حول مدى قابليتها للتنفيذ. فالتكاليف الهائلة، وارتفاع معدل الادخار المطلوب، وضرورة زيادة الاستثمار الرأسمالي بشكل غير مسبوق، كلها عوامل تجعل تحقيق هذه الأهداف غاية في الصعوبة إن لم يكن مستحيلًا.
وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن كندا بحاجة إلى مقاربة جديدة لمعالجة أزمة الإسكان، بحيث توازن بين الحاجة إلى زيادة العرض السكني من جهة، والحفاظ على استقرار الاقتصاد من جهة أخرى. فهل تستطيع الحكومة إعادة صياغة استراتيجيتها لتحقيق نتائج أكثر واقعية؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال.
ماري جندي
المزيد
1